أتقن الحرف الشعري راسماً إياه فوق السطر بكلمات لا يستطيع القارئ حين يحط نظره عليها أن لا يتمعن ويبحر مع كاتبها في فضاءات من الصدق الأدبي.

مدونة وطن "eSyria" وبتاريخ 17 آذار 2018، تواصلت مع الشاعر "جعفر أحمد حيدر"، ليحدثنا بالقول: «منذ البدايات كنت محاطاً بالكتب ومكتبة واسعة ومتنوعة جداً، فتحت عيني على الكتب، ومنذ ذلك الحين وأنا أعشق القراءة وأوليها اهتماماً يومياً لا أحيد عنه أبداً، درست كغيري من الطلاب في مدرسة قريتنا "حلة عارا" في ريف مدينة "جبلة"، وتنقلت بين المدارس الابتدائية والإعدادية والثانوية في منطقة "جبلة" حتى أنهيت مرحلتي الثانوية، وكان الشعر من أولوياتي خلال كل مراحل عمري، وقد جمعت في مكتبتي الخاصة عدداً كبيراً من الدواوين لكبار الشاعرات والشعراء السوريين وغيرهم، وبدأت كتابة الشعر في المرحلة الإعدادية، وفي المرحلة الثانوية، كنت أقيم الأمسيات الشعرية، كما نشرت بعض القصائد في الصحف السورية وأنا في المرحلة الثانوية، كان والدي يوجهني، بل كان يمزق لي كل قصيدة أكتبها إذا لم تكن تحمل صوراً شعرية شفافة وجميلة، وكان دائماً يوجهني إلى كتابة الأجمل في الشعر».

"جعفر حيدر" شاعر يتعامل مع الإنسانية جمعاء، بين الشعر العامي الموزون وشعر الفصحى الكلاسيكي والنصوص النثرية التي تلامس وتضيئ وتمتع، وعلى الرغم من امتلاكه زمام هذه الأنواع الثلاثة، إلّا أنّه يقوم باستخلاص التقنيات الاحترافية من كل نوع منفصل ويسقطه على النوع الآخر بأسلوب مذهل، فمن يستمتع بزجله يستطيع أن يستمتع بشعره الفصيح أو نثره، والعكس صحيح. غزير العطاء، وكأنه يريد أن يضع قواعد حقبة شعرية جديدة ليس لهذا الزمن فحسب، بل لأزمان قادمة، شاعر بحجم مَهاجر وأوطان

ويكمل: «المحطة الأولى كانت وأنا في الصف الحادي عشر عندما أقمت مع بعض الأصدقاء أمسية شعرية ما يزال الكثيرون من الأصدقاء يذكّرونني بها، فبعد إنهاء الدراسة الجامعية ودراسة الماجستير، توجهت إلى الأدب واللغة والترجمة، وشاركت بأغلب الفعاليات الشعرية في مدينة "براغ وبرلين"، ثم توجهت بعد ذلك للمشاركة في الاحتفاليات الثقافية في "تونس"، وفي "المغرب" كذلك ما زلت أشارك في أغلب الاحتفالات منذ عشر سنوات حتى الآن، وأنا لا أتبع أي مدرسة شعرية، لكنني أقرأ الكثير للشعراء وغيرهم، وأتابع وأجرب كل الأنماط الأدبية، ولست أدري إن كانت تلك محطات أو علامات فارقة، لكنني أسعى إلى القصيدة بكل ما أوتيت من قوة وإحساس، وبالنسبة للأنماط الشعرية لا يوجد نمط أقرب إلى قلبي وروحي؛ فكيفما تأتي القصيدة أكتبها، أنا أتقن كل أنماط الشعر، وأنصح الجميع بإتقان كل الأنماط، وبعد ذلك اختيار النمط، ولا أنصح بالابتعاد عن أي نوع من أنواع الشعر، القصيدة الجميلة معجزة كبيرة، وولادتها ولادة معجزة أيضاً، لأنها تزيل الكثير من قبح العالم، فالقصيدة تعطي اتزاناً جديداً وفرحاً عارماً للعالم، ولا أظن أن هناك مطلقاً من لا يحب القصيدة، أو من يفهم الشعر وينكره، فالعالم موحش من دون الكلمة المحبة العاشقة، ومقفر من دون الشعر، والكتاب الشباب دم جديد في عالم الشعر والقصيدة، ولا يمكن أن أوصد باب الشعر في وجه أي إنسان أراد الاستفادة من تجربتي الشعرية، فلكل إنسان الحق في امتلاك تجربتي والاستفادة منها، وأنصح الشعراء الشباب بالجري وراء القصيدة، والقراءة الدائمة، والمعرفة المتواصلة، والاستماع الدقيق والهادف، والمحبة الطاغية، ومعرفة وفهم وتأدية كل الأنماط الشعرية، وبعد ذلك ليختاروا ما يشاؤون، وفي الختام، أنصحهم بالثقافة، ثم الثقافة، ثم الثقافة».

الشاعر "شفيق ديب"

الشاعر "شفيق ديب" عنه يقول: «"جعفر حيدر" شاعر يتعامل مع الإنسانية جمعاء، بين الشعر العامي الموزون وشعر الفصحى الكلاسيكي والنصوص النثرية التي تلامس وتضيئ وتمتع، وعلى الرغم من امتلاكه زمام هذه الأنواع الثلاثة، إلّا أنّه يقوم باستخلاص التقنيات الاحترافية من كل نوع منفصل ويسقطه على النوع الآخر بأسلوب مذهل، فمن يستمتع بزجله يستطيع أن يستمتع بشعره الفصيح أو نثره، والعكس صحيح. غزير العطاء، وكأنه يريد أن يضع قواعد حقبة شعرية جديدة ليس لهذا الزمن فحسب، بل لأزمان قادمة، شاعر بحجم مَهاجر وأوطان».

ومن قصائده الشعرية، اخترنا قصيدة بعنوان: "وردة الحبر"، يقول فيها:

"وردةُ الحبرِ!

أمْ رحيقُ الصباحِ؟

أمْ هو الوحيُ؟

موسم التفاحِ

أخذتنا غوايةُ الوعدِ حلماً

ورمتنا في رحلةِ الأرواحِ

_

نصفُ ليلٍ

ونصفُ صبحٍ

ونصفٌ

بعثرته أنواره في الرياحِ

_

وأنا كالطريقِ

ما زلتُ أمضي

ليس لي

غيرُ ضحكةِ الأشباحِ

_

وعلى الأفقِ صورتي

تتدلّى كالأهازيج

لحظةَ الانشراحِ

_

نجمةً نجمةً

ويبدأ عطرٌ في السماواتِ

رحلةَ الملاحِ

_

طرَّزتْ وردةُ السماءِ حروفي

بأغاني جبينِها

الوضّاحِ

_

أخذتْني إلى الصَّباحِ حكايا

نسيتْني على المدى الفواحِ

_

صامتاً

صامتاً كعشقٍ جميلٍ

مستريباً

من الكلامِ المباحِ"

يذكر أن الشاعر "جعفر أحمد حيدر" من مواليد "اللاذقية"، عام 1957، لديه العديد من الإصدارات منها: "أعود إليك" 1987، "نفحات شآمية" 1987، "أنا والزمان" 2009، و"رق وقصيدة حب" 2009، بالإضافة إلى العديد من الترجمات إلى اللغة التشيكية.