يقع جبل "الأقرع" في شمال محافظة "اللاذقية" على الحدود السورية - التركية، وقد اكتسب اسمه من خلو قمته من الأشجار بسبب تضاريسه الصعبة في منطقة معروفة بغاباتها وأشجارها الكثيفة، حمل عدة أسماء على مرّ العصور، وبقي ضمن الأراضي السورية حتى عام 1939.

مدونة وطن "eSyria" تواصلت بتاريخ 2 آذار 2018، مع الباحث "غسان القيم" مدير آثار "أوغاريت رأس الشمرة"، ليحدثنا عن جبل "الأقرع"، فقال: «هيمن الطابع الديني على أجوائه منذ أقدم العصور، حيث يعدّ موطئاً للذكريات التاريخية، فنراه في النصوص الحيثية يحمل اسم "خازي"، أما في نصوص "رأس الشمرة" "أوغاريت" التي تعود إلى القرن الرابع عشر قبل الميلاد، فيُشار إليه باسم "صفن"؛ أي الشمال، وهو المكان الأسمى المقدس حيث يقيم الإله "بعل" إله المطر والعاصفة، وقد ارتبط مصيره ارتباطاً وثيقاً بمصير الجبل، ومن هنا جاءت تسميته باسم "بعل صفن"، وهو الاسم الذي تجده في الكثير من الكتابات والقصائد التي اكتشفت في "أوغاريت"، وقد بُني للإله "بعل" قصرٌ زاخرٌ بالفخامة يليق به، وعلى وقع هذا الحدث العظيم أقيمت الاحتفالات الدينية على قمة جبل "الأقرع" بمناسبة سكن الإله "بعل" في قصره الجديد، ولأجله رتلت الأناشيد وحضّرت الولائم وكرعت الخمور، ويعدّ بناء قصر "بعل" تأكيداً لحكمة الخير على الآلهة والبشر، لكن لم يتم حتى الآن العثور على بقايا أي معبد في جبل "الأقرع"، حيث إن الكشف الأثري تمكن من كشف بقايا القرابين التي احتفل بتقديمها على مر العصور، وقد اهتم منقب "أوغاريت" عالم الآثار "كلود شيفر" بالموضوع، وقام بالكشف على الموقع تحديداً سنة 1937م، وكشف عن وجود تل صناعي فوق قمة الجبل قطره نحو خمسة وخمسين متراً، وارتفاعه في الوسط ثمانية أمتار، وهو مكون من الرماد والحجارة المحمرة بفعل النار التي كانت توقد لشواء الأضاحي المقدمة، وهي على الأغلب من الخرفان، لذلك نتساءل: هل انتصب معبد ما فوق تلك القمة الشامخة التي قدمت لها قرابين عديدة على مر العصور، أم إن قصر "بعل" لم يكن له من وجود إلا في خيال الشعراء؟

أما في الفترة الهيلينية، فقد حمل الجبل اسم جبل "كازيوس"، وكان ما يزال يحتفظ بالطابع الديني الذي حمله منذ أقدم العصور، وبدلاً من التوجه إلى "بعل"، أصبحت الابتهالات ترفع فوق قمته إلى إله الإغريق "زيوس"، وفي الفترة الرومانية حمل الجبل اسم "كاسيوس"، أما في الفترة الآرامية، فقد رفعت الابتهالات لاسم الإله "حدد" إله الطقس، إله المطر والرعد في "سورية" القديمة، ونظراً لتنوع الاهتمامات الدينية فيه؛ يتوقع أنه حاضنة لآثارٍ قديمةٍ ومعابدٍ وقلاعٍ لم يتم الكشف عنها حتى اليوم

وقد قال أحد شعراء "أوغاريت" فيه:

الباحث غسان القيم

"في قلب جبلي المقدس

جبل الأقرع

في جبل ميراثي

المهندسة وفاء غانم

في المواطن الجميلة

في هضاب النصر"».

وأضاف "القيم": «أما في الفترة الهيلينية، فقد حمل الجبل اسم جبل "كازيوس"، وكان ما يزال يحتفظ بالطابع الديني الذي حمله منذ أقدم العصور، وبدلاً من التوجه إلى "بعل"، أصبحت الابتهالات ترفع فوق قمته إلى إله الإغريق "زيوس"، وفي الفترة الرومانية حمل الجبل اسم "كاسيوس"، أما في الفترة الآرامية، فقد رفعت الابتهالات لاسم الإله "حدد" إله الطقس، إله المطر والرعد في "سورية" القديمة، ونظراً لتنوع الاهتمامات الدينية فيه؛ يتوقع أنه حاضنة لآثارٍ قديمةٍ ومعابدٍ وقلاعٍ لم يتم الكشف عنها حتى اليوم».

كما تواصلت المدونة مع المهندسة الزراعية "وفاء غانم" من ‏مديرية زراعة "اللاذقية"، التي قالت: «يعدّ جبل "الأقرع" من سلسلة الجبال الساحلية، حيث يقع بين محافظة "اللاذقية" و"لواء اسكندرون" السليب شمال غرب "سورية"، بالقرب من أشهر مصيف سوري "كسب"، وتمر فيه الحدود السورية التركية، حيث كان ضمن الأراضي السورية حتى عام 1939، ويطل مباشرة على البحر بارتفاع 1736 متراً، ويمتد من الشمال الشرقي إلى الجنوب الغربي بين ناحيتي "البهلولية، وكسب"، حيث يبرز بوضوح عما حوله، وتنحدر سفوحه بشدة، وخاصة نحو الغرب باتجاه البحر المتوسط، حيث ينتهي إلى "رأس البسيط"، كما ينحدر شمالاً باتجاه "وادي العاصي" الأدنى، وتقوم هضبة "القصير" في شرقه، وينحدر بشدة أيضاً جنوباً، حيث تخترقه الأودية التي تتجمع في حوض الشجرة "وهدة دوزاغاج"».

أما عن الطبيعة فيه، فقالت: «ينعدم الغطاء النباتي في قمته الجبلية بسبب سيطرة الصخور الكلسية المنفذة، التي تبدو فيها الأشكال الأولى للحت الكارستي، فيبدو خالياً من الأشجار وسط منطقة ملأى بالغابات الخضراء، حيث تمتد الغابات إلى سفوحه الدنيا فيبدو وكأنه أقرع، ومن هنا اكتسب اسمه الشهير، وقد احترق جزء من الغابة الأوجية ضمن سفوحه الدنيا بين عامي 1993-1994، وأغلب غطائه النباتي على هيئة أجمات من السنديان والبطم، وبعض الشجيرات والأشجار من عريضات الأوراق، وأهمها: "الغار، والقطلب، والسرو، والخرنوب"، أما الصنوبريات، فهي موجودة، لكن بقلة عند التقاء سفوحه مع الهضاب المجاورة، كهضاب "البهلولية، والباير، والبسيط"، ويوجد نبات "الزلوع" الطبي المشهور؛ ويظهر على ارتفاعات عاليه 1400م في فصل الربيع، ولا توجد محميات طبيعية على سفوحه مثل غيره من المناطق، على الرغم من غناه بالحياة البرية، ولا تتوافر دراسة شاملة عنه؛ نظراً لوقوع بعض سفوحه تحت سيطرة الاحتلال التركي، وأهم الحيوانات المشاهدة فيه: الثعلب، والخنزير البري، والغزال، والأرانب، والسناجب، والضبع السوري، وعدد متنوع من الطيور، أهمها: الحجل، والشحرور، ويمتاز بطبيعة رائعة وجمال أخّاذ يسحر الألباب».

أما عن مناخه، فقالت: «متوسطي معتدل، وجميل للغاية صيفاً، بينما تغطيه الثلوج لأيام طويلة في فصل الشتاء، وتبدأ منه المنابع العليا لنهر "شرن" أحد روافد النهر الكبير الشمالي، وتنبثق عند أقدامه ينابيع ماء غزيرة أهمها نبع "البدروسية"، ويعدّ مصدراً لينابيع المياه العذبة؛ نظراً لوجود الثلوج على قمته لمدة طويلة من العام، حتى إننا نلاحظ تفجر العيون والينابيع على نهاية سفوحه وداخل مياه البحر لمسافة 50م بشكل غريب ولافت، كما ميزنا وجود نبع مياه كبريتية ساخن على السفح الغربي للجبل وعلى شط البحر، ويا للأسف لم يتم استثماره أبداً».

أما حول القرى والبلدات التي تستند على كتفه، فقالت: «أبرزها مدينة "كسب" التي تقع على السفح الجنوبي للجبل، و"الصخرة"، و"الطلال"، ومزرعة "باشورت" وحي "القلعة" ومنطقة "الحربيات" على الجهة الشمالية الشرقية من سفح الجبل على ارتفاع 400م، وهي غنية بالمياه العذبة والشلالات، وكلها قرى مأهولة ومخدمة بكامل الخدمات من قبل الدولة من كهرباء وماء واتصالات ومدارس وطرق وخدمات زراعية ووحدات إرشادية ومخافر حراجية، منها: مخفر "القمة" على ارتفاع 1200م، ومخفر حراج "كسب"، وقد ساهم وجود الأشجار المثمرة بهذه المناطق، مثل اللوزيات والتفاح والكرز إضافة إلى الغار، باهتمام سكان المنطقة بالصناعات البسيطة كصابون الغار والمربيات، كما أدى وجود "العجرم والوزال" إلى تشجيع المزارعين على نشر خلايا نحل العسل بكثرة نظراً لكونها من أفضل أنواع العسل؛ لجودة المرعى».