امتلك ثقافةَ الخيرِ والفرح بأفكاره الغنيّة المختلفة، فكان للطفولة والطبيعة الحيّز الأكبر من اهتماماته التي جسّدها في مبادراتٍ لنشر الفرح وترفيه الأطفال بواسطة نشاطاتٍ رياضيّةٍ وطائراتٍ ورقية، وزرع الأشجار في كل مكان، خاصةً الغابات المحروقة من خلال مبادرة "حواكير".

مدوّنةُ وطن "eSyria" تواصلت بتاريخ 2 تشرين الثاني 2019 مع "أحمد عيسى"، فتحدث عن نشأته قائلاً: «أنتمي لعائلة مؤلفة من أب سوري وأمّ لبنانية، حيث درست في مدارس "مشقيتا" في منزل يعدّ الكتاب من مكوناته الأساسية، فقد كنا عشرة أشخاص ربّانا والدي بظروف صعبة، وكان الكتاب بالنسبة له مقياساً للدلالة على سوية الفرد من عدمها.

مبادرة "حواكير" مشروع بيئي اجتماعي يهدف لزراعة مليون شجرة لتعويض المحروق، وهو مشروع تطوعي شعاره (إغرس شجرة في حاكورتك أو جبلك أو أرضك ليشكرك القادمون، إغرس شجرة عن روح شهيدك أو صديقك أو أي غالٍ عليك)، وهو مشروع داعم ومكمل لحملة التشجير الوطنية في الأول من تشرين الثاني، والأشجار المزروعة منوّعة كالغار والبطم والخرنوب والعنّاب والزنزرخت

نشأتي كانت سبباً لحبّ الطفولة والعمل على دعم الأطفال، فقد بدأت من ناحية "الدالية" التي نهلت من ينابيعها حياتي الثقافية والاجتماعية والبرّيّة المرتبطة بالأرض والطبيعة، أحببت "الدالية" حين كنت أرافق جدي الذي كان صيّاداً لمدة ثمانين عاماً، والذي أخبرني عن نسيجها الاجتماعي والثقافي، وحين اتجهت إليها وجدت الوسط الاجتماعي والبيئة الجبلية القاسية، وحصارها بالثلوج وانقطاعها في فصل الشتاء عن العالم؛ جعلها تتمتع ببيئة اجتماعية دافئة».

أحمد عيسى من مهرجان الطائرة الورقية

ويضيف: «رأيت في هذه البيئة الملاذ السوري الذي تجسد بالمحبة والعطاء بلا حدود، وعدم انتظار أي مقابل، كوّنت صداقة مع "عماد إبراهيم" رئيس الجمعية الخيرية فيها، وكنت أغار من إنسانيته فهو يعمل بصمت مع ذوي وأبناء الشهداء وأثناء بحثي في الثقافة والحياة التقيت بشخصية نادرة من تولد عام 1905 وهي ست "الدالية" كلّها الجدة "عبلة هلال"، واعتمدت على قصصها وذاكرتها في معلوماتي، وتجمعني بها صداقة كبيرة، تعرف التاريخ وكل ما مرّت به البلاد، وكانت بوصلتي في أشياء كثيرة ولها دور في إثراء ذاكرتي وثقافتي».

قام "عيسى" بخطوات يقودها الحبّ برش بذور العطاء، وتجلّت بأفعال كثيرة قبل الحرب، لكن آثار الحرب أعطتها روح المسؤولية بإطلاق مبادرات من شأنها أن تواكبَ الوضع المحيط به وترممَ ما فسد منه، فتحدث عن ذلك قائلاً: «أحسست بعد الحرب بمسؤولية إعادة بعض الحياة على ما كانت عليه قبل الحرب، كنت أهتم بكل شيء اسمه طفولة في سبيل رؤية ابتسامة طفل، كان هاجسي أن أرى الأطفال فرحين، وبدأنا المبادرات مع أبناء أصدقائي الشهداء بداية الأحداث عام 2011، وكان أولها مع الجيش العربي السوري، حيث قمنا بحملات تبرع بالدم عام 2012، وعملنا على حراسة مناطق غابات "مشقيتا"، و"سولاس"، و"قرجاله".

زراعة أشجار حواكير

وتابعت العمل في المطبخ الذي عملت به مع الشهيدة "سهام الشبل"، حيث كنا نعدّ فيه الطعام للجيش والنقاط المتقدمة، ودعمهم باللباس وغيره من المستلزمات، وقدمت ما استطعت في تلك المرحلة من دعم لوجستي من "صلنفة" إلى "كسب"، ونلت مصداقية وأصبح الكثيرون يتعاملون معي لدعم الجيش العربي السوري، كما عملت في مكان سكني في "المشروع العاشر" مع شباب جامعيين للحفاظ على الأمان فيه».

وعن مبادرته مع الأطفال التي عمّق من خلالها علاقة الأطفال مع المكان والأرض التي يعيشون فيها، ووفّر ظروفاً تحميهم من آثار التكنولوجيا السلبية، قال: «بعد أن سافر أهلي إلى "كندا" بقيت في مدينتي، ورُزقت عام 2007 بطفلتي "مريم" التي جعلتني أقترب من عالم الطفولة أكثر، زرعت لها شجرة يوم ولادتها، ثم أصبحت ترافقني في رحلاتي، أحبّت "الدالية" مثلي، وكانت فرحتها بزيارة تلك البلدة تفوق أي هدية، وكنت أصطحب الأطفال في "الدالية" رفقتها دون أهلهم في الشتاء تحت المطر، وفي الصيف، كانت تكفيني فرحة الطفل، فحين أتعامل مع الأطفال أؤسس لعلاقة مع المستقبل، فقد بنيت فيهم الكثير من القيم. حبّي وحرصي على ابنتي جعلني أرى كل طفل فيها، وحين وجدت الغزو التكنولوجي يحتل مجتمعنا وأطفالنا بالتحديد، أخذت البحث عن سبل تحميهم من التلوث السمعي والبصري وقتل الوقت على التلفاز، ورحت أصطحبهم إلى البرّيّة ليلعبوا بالثلج ويرقصوا تحت المطر. اصطحبت "مريم" نحو البحر، وعلّمتها مع بعض الأطفال السباحة والغوص، إضافة للصيد البري والبحري، وتشاركنا تنظيف وتعشيب مناطق الصيد، وهي الآن تدرّب ستةً وعشرين طفلاً من "الدالية"، وعشرة أطفال من "مشقيتا"، وتعلّمهم السباحة.

مضر سليمة

جاءت فكرة مهرجان الطائرة الورقية حين أرسل أقاربي في "كندا" لابنتي "مريم" عشر طائرات ورقية، وكانت الانطلاقة الأولى لمهرجان الطائرة الورقية في بلدة "الدالية"، شعرت بفرح الأطفال أبناء الشهداء حين اعتلوا الغيم، وفي عام 2019 عادت فكرة الطائرة الورقية، وقام بدعمي حينئذٍ "الحارث يوسف" لإقامة المهرجان وإحياء فرح الأطفال من ذوي الشهداء والفقراء».

وعن "حواكير" المبادرة التي أطلقها هذا العام، قال: «مبادرة "حواكير" مشروع بيئي اجتماعي يهدف لزراعة مليون شجرة لتعويض المحروق، وهو مشروع تطوعي شعاره (إغرس شجرة في حاكورتك أو جبلك أو أرضك ليشكرك القادمون، إغرس شجرة عن روح شهيدك أو صديقك أو أي غالٍ عليك)، وهو مشروع داعم ومكمل لحملة التشجير الوطنية في الأول من تشرين الثاني، والأشجار المزروعة منوّعة كالغار والبطم والخرنوب والعنّاب والزنزرخت».

ويضيف: «جاءت المبادرة بعد أن وجدت المجازر التي تُرتكب بحقّ غاباتنا، فقررت إعادة بعض ألقها بهذه المبادرة، وأذكر أول شجرة زرعتها كانت في عام 1985 يوم تدشين سد نهر "الكبير الشمالي"، وزرعت شجرة في كلية طب الأسنان، وزرعت في مكان عملي في حديقة المنطقة الحرة ثماني شجرات عنّاب معلناً ولادة "حواكير"، كما تهدف المبادرة لتأمين فرص عمل مستقطبة مئات أسر الشهداء إن استطعنا منح كل أسرة حسب المنطقة مئة شجرة عنّاب وغار وخرنوب لما لهذه الأشجار الدائمة الخضرة والمثمرة من فوائد اقتصادية».

"عماد إبراهيم" رئيس الجمعية الخيرية في بلدة "الدالية"، قال عنه: «هو طفل بجسد كبير، حبّه وشغفه بالأطفال لا يوصف، حين يزور القرية يجمع الأطفال حوله، ويأخذهم نزهات إلى الجبال والغابات، فهو يضحي بأي شيء لأجل الأطفال. روحه مرحة وحديثه شيّق، يتعامل مع الأطفال لمجرد الطفولة، تربطه علاقة كبيرة ببلدة "الدالية"، فقد عشق الصخر والهواء والطقس والبراءة الموجودة بأهلها، وأصبح ابن المجتمع وأهالي البلدة يحبونه ويحترمونه، ولديه أصدقاء من الأطفال أكثر من الكبار؛ حيث يؤمن لهم المتعة والترفيه».

وتابع الحديث عن مبادراته قائلاً: «صداقاته الاجتماعية في بلدة "الدالية" حمّلته مسؤولية إنسانية تجاه الأطفال الذين فقدوا آباءهم في الحرب، أصبح يبحث عن طرق لإسعادهم، وطلب مني تأسيس فريق كرة قدم من أبناء شهداء "الدالية"، فقدمت الجهد والوقت ومرافقة الأطفال، وقام بتأمين رسوم الاشتراك والنقل من الريف إلى مدينة "جبلة" بدعم بعض الحريصين على إسعاد أبناء الشهداء، واستمرينا لمدة سنتين في مجال تدريب الأطفال. كما أطلق مهرجان الطائرة الورقية الذي كان استمراراً لموضوع دعم أبناء الشهداء في مناطق "الدالية"، و"جيبول"، و"وادي قنديل"، و"مشقيتا"».

"مضر سليمة" المهتم بالطبيعة تحدث عنه قائلاً: «"أبو مريم" هو صاحب فكرة "حواكير"، وكوني أقوم بعملية مسح بصري للجبال الساحلية والأراضي الزراعية التي جرى عليها اعتداء من قطع وحريق، وعملي بتصنيف الفراشات من خلال عملية المسح لها قمت بالتعاون معه بمشروع تشجير مستدام لا يقتصر على حملة بل حملات لتيسير أمور كل من يودّ الزراعة. نترجم فكرتنا من خلال الحملات وتحديد زمانها ومكانها وتأمين المواصلات للمشاركين، وركزنا على زراعة أشجار تنسجم مع غاباتنا والحفاظ على هوية الغابة بزراعة أشجار من البيئة نفسها. وتتركز أهمية المبادرة في ضرورة الرفق بالنبات والغابات والبقاء على البقعة الخضراء في جبالنا والتوعية بأهمية الغطاء النباتي، ووضع قوانين رادعة في حق كل من يتعدى على الغابة».

يُذكر أن "أحمد عيسى" من مواليد "بيروت" عام 1971.