عيد الميلاد هو يوم يحتفل فيه أبناء الطوائف المسيحية بذكرى مولد المسيح عليه السلام، حيث يذهبون في هذا اليوم إلى الكنيسة لإقامة الصلوات الخاصة بهذه المناسبة. وقد ورد أول ذكر لاحتفالات عيد الميلاد في عام 336م بتقويم روماني قديم، جاءت الإشارة فيه إلى يوم 25 ديسمبر على أنه يوم الاحتفال.

والواضح أن هذا الاحتفال تأثر بالمهرجانات الوثنية التي كانت تقام في ذلك الوقت، حيث كان الرومانيون القدماء يقيمون الاحتفالات "لساتورن" إله الحصاد عندهم و"ميثراس" إله الضوء، وكان الكثيرون في أوروبا الشمالية يقيمون المهرجانات في منتصف ديسمبر للاحتفال بموسم الحصاد.

قام بتثبيت هذا التاريخ على مستوى الامبراطورية، الامبراطور المسيحي الأول، "قسطنطين"، سنة 325، رغم هذا لم يتجاوب كلّ المسيحيين مع هذا التحديد حتى سنة 354، حين قام البابا "ليبيريوس" بإعلان يوم 25 كانون الأول عيد ميلاد السيد "المسيح"، فأضفى على العيد طابعاً كنسياً رسميّاً. ولكن انتشار العيد كان بطيئاً فلم يحتفل به في "مصر" قبل سنة 327م، وفي "كابادوكيا" وآسيا الصغرى سنة 383م، وفي أورشليم في القرن السادس، وفي "إنطاكية" سنة 388م، وفي "القسطنطينية" حوالي سنة 400، وبقيت العديد من الكنائس على الدمج السابق بين تذكاري الميلاد والدنح في يوم 6 كانون الثاني كالكنيسة الأرمنيّة والإثيوبية

في أواخر القرن الرابع الميلادي، أصبحت النصرانية الديانة الرسمية للإمبراطورية الرومانية، وبحلول القرن الثالث عشر الميلادي، أصبح عيد الميلاد أهم الاحتفالات الدينية في أوروبا، وأصبح القديس نقولا رمزاً لتقديم الهدايا في العديد من الدول الأوروبية.

الأب "عصام نعوم"

وفي القرن التاسع عشر الميلادي، أصبحت هناك عادتان من عادات عيد الميلاد أكثر انتشاراً هما: تزيين أشجار عيد الميلاد وإرسال بطاقات عيد الميلاد إلى الأقارب والأصدقاء، كما حل بابا نويل أو (سانتا كلوز) محل القديس نيكولاس رمزاً لتقديم الهدايا.

الأب "عصام نعوم" كاهن كنيسة "مار يوسف" البتول للسريان الكاثوليك بمنطقة "جرمانا" بريف "دمشق" حدثنا عن تاريخ 25 كانون الأول وهل هو التاريخ الحقيقي لميلاد يسوع المسيح؟ فتحدث قائلا: «من الملاحظ أن هذا الاهتمام يقابله جهلٌ لبعضِ معاني العيد الحقيقيّة في مقابل تشديدٍ على مظاهر العيد الخارجيّة من زينةٍ واحتفالاتٍ متعدّدة.

صورة ترمز " لوقا ومتى "

لذا رأينا من المناسب دراسة بعض الأسئلة الخاصّة التي تطرح بهذا الزمن المبارك سعياً للإجابة عنها بالاستناد إلى بعض المراجع المتخصّصة، في الواقع، ليس في كتب العهد الجديد ما يدلّ على تاريخ ميلاد "المسيح" لجهة اليوم والشهر، إذ يكتفي الإنجيليون بإشاراتٍ عامّة غير دقيقة من الإنجيل المقدس منها: (ولمَّا وُلِدَ يَسوعُ في بَيتَ لَحْمِ اليَهودِيَّةِ، على عَهْدِ المَلِكِ "هِيرودُسَ"...) أنجيل "متى"، (كانَ في أيّامِ هيرودُسَ مَلِكِ اليهوديَّةِ..) أنجيل "لوقا"، (وفي تِلكَ الأيّامِ أمَرَ القيصَرُ أوغُسطُسُ بإحصاءِ سكّانِ الإمبراطورِيَّةِ. 2وجرى هذا الإحصاءُ الأوَّلُ عِندَما كانَ كِيرينِـيوسُ حاكِمًا في "سوريَّةَ") بإنجيل "لوقا"

وقد تسبّبت هذه المعطيات في خلق التباس كبير حول التاريخ الحقيقي لميلاد المسيح سنسعى لتوضيحه فيما يلي: «نعلم أن اعتدال الشتاء يقع في ليل 20-21 كانون الأول حيث تمرّ أطول ليلةٍ في السنة وبعدها يطول النهار، وكانت الديانة الرومانية تنظم سلسلة احتفالات تمتد بين 17 من كانون الأول و24 كانون الأول تدعى "Saturnales" إكراماً للإله "Saturne"، إله الزراعة.

وابتداءً من القرن الثالث قبل الميلاد، أدخل الجنود الرومان إكرام إله النور الفارسي "ميترا" إلى الديانة الرومانية، والّذي كان يحتفل بعيد ميلاده في 25 كانون الأول، وبناءً عليه، تمّ تحديد يوم 25 كانون الأول يوم "Natalis Invicti" أي "عيد ميلاد الشمس التي لا تغلب" أو "عيد الإله الّذي لا يُغلب" في أيام الامبراطور أوريليان سنة 274، وكانت الاحتفالات تأخذ طابعاً صخباً، يتخللها العديد من الذبائح الدموية وإباحة العديد من الملذات.

وفي بدايات المسيحيّة، كان الالتباس موجوداً حول تاريخ ميلاد "المسيح" فتعددت الأيام التي كان يُظنّ أن المسيح ولد فيها بالاستناد إلى مصادر ودراسات متعددة وأحياناً متناقضة (6 كانون الثاني، 28 آذار، 19 نيسان، 29 أيار...)».

وأضاف الأب "نعوم" قائلاً: «لا بدّ من الملاحظة أن السادس من كانون الثاني كان له الأفضلية لكونه عيد ظهور المسيح للعالم، عيد "الدنح" حسب التسمية المارونيّة، وكان العديد من المناطق تدمج التذكارين في هذا النهار. وقد أثر اندماج المسيحية في العالم الروماني على ازدياد الاهتمام بيوم 25 كانون الأول خاصة مع انحسار موجات الاضطهاد، حين راح العديد من المسيحيين يشاركون في فعاليات هذا العيد، ما أثار قلق المسؤولين في الكنيسة من احتمال انحراف إيمانهم الفتيّ أمام مغريات الاحتفالات الرومانيّة، هذا دفع البابا "يوليوس" الأول، سنة 320، لدعوة المؤمنين للاحتفال في هذا النهار بميلاد "المسيح" باعتبار أنه هو النور الحقيقي للعالم، وخلفية البابا إعطاء العيد بعداً روحيّاً يخفف من اندماج المؤمنين في التقليد الوثني (لاحظوا أن كلمة NOEL مستقاة من كلمة NATALIS)».

وتابع بالقول: «قام بتثبيت هذا التاريخ على مستوى الامبراطورية، الامبراطور المسيحي الأول، "قسطنطين"، سنة 325، رغم هذا لم يتجاوب كلّ المسيحيين مع هذا التحديد حتى سنة 354، حين قام البابا "ليبيريوس" بإعلان يوم 25 كانون الأول عيد ميلاد السيد "المسيح"، فأضفى على العيد طابعاً كنسياً رسميّاً. ولكن انتشار العيد كان بطيئاً فلم يحتفل به في "مصر" قبل سنة 327م، وفي "كابادوكيا" وآسيا الصغرى سنة 383م، وفي أورشليم في القرن السادس، وفي "إنطاكية" سنة 388م، وفي "القسطنطينية" حوالي سنة 400، وبقيت العديد من الكنائس على الدمج السابق بين تذكاري الميلاد والدنح في يوم 6 كانون الثاني كالكنيسة الأرمنيّة والإثيوبية».

ومن هنا يمكن الجواب على السؤال المطروح في المقدّمة أن 25 كانون الأول ليس فعلياً تاريخ ميلاد المسيح. على الرغم من ذلك، يبقى الأساس مدى وعينا أن المسيحيّة لا تشدّد على الدقّة في المعطيات التاريخيّة بقدر ما يهمها وعي المؤمنين الحقيقيين لأهمّية معاني عيد الميلاد الروحيّة».