بدأ الباحث والكاتب "تيسير خلف" قبل سنوات مشروعاً كبيراً يهدف إلى جمع وتوثيق كل ما يتعلق بالجولان العربي السوري في المصادر المكتوبة بالعربية وبمختلف اللغات الأجنبية الأخرى، وقد تمخض عن هذا المشروع أكثر من ثمانية كتب تتناول تاريخ الجولان من مختلف الجوانب صدرت تباعاً عن أكثر من دار نشر سورية.

يقول الباحث "تيسير خلف" رداً على سؤال حول بداية هذا المشروع: «كنت في الفترة السابقة متفرغاً للأدب والسينما، ولكن منذ مطلع عام 2000 أتيحت لي فرصة لأن أقرأ التراث الجغرافي ومصادر التاريخ العربي بشكل شبه كامل، استغرقت عملية القراءة والمراجعة ما يقارب ثلاثة أعوام وقد لفت نظري أن هناك معلومات كثيرة واردة في الأدب الجغرافي وأدب الرحلات العربي حول الجولان غير موجودة في كتاب مستقل لكي يسهل على الباحث العودة إليها، ومن هنا بدأت فكرة إصدار كتاب عن الجولان في التراث الجغرافي العربي وبالفعل فقد صدر عن (دار قدمس) عام 2004 بعنوان (صورة الجولان في التراث الجغرافي العربي والإسلامي)، بعد ذلك قمت باستخلاص الروايات التاريخية المتعلقة بالجولان في أغلبية المصادر التاريخية العربية المتاحة وجمعتها في كتاب بعنوان (الجولان في مصادر التأريخ العربي) وصدر عن دار كنعان عام 2005».

إن المرحلة المقبلة هي مرحلة الدراسات التخصصية فهناك مناطق في الجولان تحتاج إلى دراسات معمقة أرجو أن يسعفني الوقت لكي أعطيها حقها من الدرس والتحقيق"

ويرى الباحث "خلف" أن كتابيه السابقين يشكلان نواة لأبحاث تاريخية تخصصية حول الجولان، إذ إن هناك الكثير من النقاط المعتمة التي ما تزال بحاجة على بحث وتوثيق.

وحول الوثائق العثمانية التي عمل عليها يقول الكاتب "تيسير": «إن الوثائق العثمانية هي مصدر مهم من مصادر دراسة وتوثيق تاريخ بلاد الشام عموماً والجولان خصوصاً، لأن العثمانيين كانوا يوثقون جميع الحوادث والأوامر والأوقاف، ولذلك قمت بدراسة الوثائق الوقفية وكذلك الكتب السنوية التي بدأت بالصور منذ أواسط القرن التاسع عشر، ويتم فيها تسجيل جميع التحركات الإدارية في جميع المناطق التابعة للسلطنة بما في ذلك أسماء الموظفين ومناصبهم وأسماء أعضاء مجالس الشورى وغير ذلك، وهذه الكتب تسمى (سالنامات)، وقد شكلت مصدراً مهماً لدراسة القرن التاسع عشر، وكذلك بحثت في الأوامر السلطانية التي عثرت في عام واحد منها على مجموعة كبيرة من المحاضر التي تثبت وقائع غاية في الأهمية حول الجولان بعد حملة "إبراهيم باشا" مباشرة. ولذلك آتت هذه الوثائق لتكمل ما نقص من أدب الرحلات والوقائع التاريخية والتراجم».

ويضيف الباحث: «إن الصورة لم تكتمل إلا بمراجعة ودراسة أدب الرحلات الغربية والذي يغطي القرن التاسع عشر، إذ عن طريق الرحلات التي قمت بترجمة بعضها وبدراسة بعضها الآخر استطعت تكوين صورة شبه شاملة عن الجولان في القرن التاسع عشر وجذور الأطماع الاستعمارية فيه وبدايات التفكير الصهيوني باحتلاله».

وحول سؤال عن كتابه "المرجع في الجولان" الصادر عن مركز الشرق للدراسات الدولية، يقول الباحث "تيسير خلف": «إن الجزء الذي قمت بوضعه حول تاريخ الجولان المفصل قد استفاد من كل الأبحاث السابقة وسخرها لكتابة تاريخ مفصل للجولان العربي السوري زاد عدد صفحاته على خمسمئة صفحة، توضح بشكل متسلسل منطقي تاريخ هذا الإقليم الحيوي من سورية، وجذور الأطماع الصهيونية فيه.. إضافة إلى ملحق كبير حول آثار الجولان التي تتعرض يومياً للسرقة ومحاولات التزييف من قبل معاهد الآثار الصهيونية في إسرائيل وغيرها من الجامعات ذات الميول الصهيونية في الولايات المتحدة وأوروبا».

وحول مكان الصورة واللوحة في مشروع "تيسير خلف" التوثيقي قال: «تحتل الصورة أهمية خاصة في مشروع وثائق الجولان، نظراً لأن الاحتلال أتلف الأرشيف المصور الذي تركه أبناء الجولان خلفهم في قراهم ومدنهم عام 1967، فلم يتذكر كثيرون كي يجلبوا معهم أرشيفهم المصور، على اعتبار أن الخروج من الديار سيكون مؤقتاً والعودة قريبة، ولكن الذي حصل أن قوات الاحتلال الهمجية قامت بهدم جميع البيوت في القرى والمدن المحتلة، واستخدمت حجارتها في بناء الدشم، والكثير من هذه البيوت يعود عمره إلى أكثر من 2000 عام، وقامت أيضاً بنهب موجودات البيوت وبيعها في سوق الخردة في الأشهر الأولى من الاحتلال. ولذلك فإن قيمة الصورة المتعلقة بالجولان قبل عام 1967 هي قيمة مضاعفة لأنها نادرة ولأنها تثبت الحق العربي السوري في هذا الجزء من الوطن.. لأن الصهاينة بدؤوا يبثون عبر ماكينة الدعاية الخاصة بهم أن الجولان كان أرضاً متروكة وخالية من السكان، من هنا بدأت أجمع صور ولوحات المستشرقين في القرن التاسع عشر المتعلقة بالجولان، وكذلك طفت على ما تبقى من صور اصطحبها بعض الجولانيين معهم عام 1967 وبعض السوريين الذين التقطوا صوراً في الجولان أثناء رحلاتهم إلى هناك وخصوصاً إلى الحمة السورية التي كانت تعد المشتى الأول في عموم المنطقة، وبالفعل وخلال عام تكون لدي أرشيف محترم نشرته في كتاب بعنوان الجولان المصور وصدر عن مركز الشرق للدراسات الدولية عام 2007».

وحول حركة التوثيق في الجولان السوري يقول: «إن هذه الحركة ناشطة الآن، فبالإضافة لما أصدرته من كتب وأبحاث، هناك زملاء باحثون يعملون بصمت ويضيفون للمكتبة العربية بعض المراجع المهمة، مثل الزميل والصديق "عز الدين سطاس"، وكذلك الصديق الباحث "عدنان قبرطاي" الذي يعد مرجعاً مهماً حول مدينة "القنيطرة"، وكذلك هناك الصديق "محمود البكر" و"أحمد الحسن" و"محمد غالب الحسين" والكاتب والناقد "علي المزعل" الذي يكرس وقتاً كبيراً لتوثيق النصوص الأدبية المتعلقة بالجولان، وغيرهم الكثير الكثير من الكتاب والباحثين الذين أعتز بصداقتي معهم، وكذلك لابد من الإشارة إلى جهود الباحثين الرواد أمثال زيتونة الجولان الأستاذ "عبد المجيد الفاعوري" أول من بحث بتاريخ الجولان وأول من تحدث حول هذا الموضوع، وكذلك الأستاذ "محمد خير عيد" والأستاذ "مجيد أبو صالح" والأستاذ "عبد الكريم العمر"، كل هؤلاء لهم أياد بيضاء على موضوع ذاكرة الجولان».

وعن مشاريعه القادمة يقول "خلف": «إن المرحلة المقبلة هي مرحلة الدراسات التخصصية فهناك مناطق في الجولان تحتاج إلى دراسات معمقة أرجو أن يسعفني الوقت لكي أعطيها حقها من الدرس والتحقيق"».

من الجدير بالذكر أن الباحث "تيسير خلف" من قرية "الظاهرية" الجولانية المحتلة، خريج كلية الآداب قسم الإعلام، عضو اتحاد الكتاب العرب، عضو اتحاد الصحفيين في سورية، متزوج ولديه ثلاثة أولاد، أما مؤلفاته فهي: «"قطط أخرى" (قصص) دمشق عام 1993، "دفاتر الكتف المائلة" (رواية) عام 1996، وطبعة ثانية 2009، "السينما الفلسطينية الجديدة" عام 1994، "دليل الفيلم الفلسطيني".. "إصدارات مهرجان الشاشة العربية المستقلة".. الدوحة 2001، "عجوز البحيرة" (رواية) 2004، "صورة الجولان في التراث الجغرافي العربي الإسلامي" (جغرافيا تاريخية) 2004، "الجولان في مصادر التأريخ العربي" 2005، "الكتاب العزيزي"، لـ"الحسن بن أحمد المهلبي"، جمع وتحقيق دمشق 2006، "استكشاف الجولان" 2005، "وثائق عثمانية حول الجولان"، 2006، "المسيح في الجولان" 2006، "الجولان الرائع"، منشورات جريدة الجولان 2007، "المرجع في الجولان"، مركز الشرق للدراسات، دمشق 2007، "كتاب الجولان المصور"، مركز الشرق للدراسات، دمشق 2007، "رجم الهري وحضارة الدوائر الغامضة" 2007، "كنيسة العرب المنسية" 2008، "رحلة حمود البوسعيدي" 2009، "رحلة نيقولا سيوفي" 2009، "رحلتان إلى الحجاز ونجد" 2009، "رحلة محمد سعيد الزعيم وعبد الحميد شومان" 2009، "الفتوحات الإسلامية في المصادر السريانية"، منشورات القدس عاصمة للثقافة العربية 2009، "موسوعة رحلات العرب والمسلمين إلى فلسطين"، ثمانية مجلدات 2009».