من قرية الزيتون "سكوفيا" في"الجولان" المحتل، تميّز الباحث في التراث "محمد فياض الفياض"، الذي نمى إبداعه عن أصالة ووعي للتراث من الأسلاف الأوائل.

مدونة وطن "eSyria" التقته بتاريخ 4 تشرين الأول 2017، وفي موجز حديثه عن حياته، قال: «ولدت في قرية "سكوفيا" التابعة لمحافظة "القنيطرة" عام 1967، وكان عمري بضعة أشهر حين شنت "إسرائيل" عدوانها السافر على جولاننا الحبيب، تلك القطعة الغالية على قلوبنا جميعاً، إذ تم اقتلاعنا وتشريدنا من أرضنا بغية طمس تراثنا وذكرياتنا وتاريخنا، نعم إنها ذكرى حزينة أتذكرها وفي القلب حسرة وألم، إذ أتذكر والدي الذي كان إحدى ضحايا هذه الحرب الظالمة، وقد أصيب إصابة بالغة في ذراعه اليسرى نتيجة القصف الجوي الإسرائيلي الهمجي على "الجولان"، ولا سيما قريتنا التي قدمت عدد من الشهداء، أصبح عراكنا مع الحياة يتجدد كل يوم مع الكثير من المنغصات وتزايد الأعباء، وحلمنا بالرجوع إلى ديارنا التي طال شوقنا إليها، فكانت "دمشق" الياسمين وجهتنا، حيث مكثنا في أماكن متعددة فيها، وكان ختامها الإقامة في "مساكن برزة"، وبدأت دراستي في مدارس محافظة "دمشق"، ثم تابعتها في مدارس محافظة "القنيطرة" في "دمشق" حتى حصلت على الشهادة الثانوية، ثم التحقت بقسم اللغة العربية في جامعة "دمشق" ونلت الإجازة منها، كما حصلت فيها على دبلوم الدراسات العليا».

لم يكتفِ "محمد" بالكتابة والبحث؛ إذ يفاجئنا أيضاً بخبرته في التصوير الفوتوغرافي، فهو يمتلك روح الفنان، وغيرة ابن البلد الأصيل على تراث أمّته، وذهنية المفكّر، وأدب الباحث، ولم تُشبع هذه الاهتمامات نهمه للعلم والمعرفة، فعرّج على الخط العربيّ، وبرع فيه باحثاً وخطّاطاً منطلقاً من حبّه لتراثنا وما فيه من تجلّيات وإبداعات ترسم ملامح هويتنا الحضارية

عن اهتماماته وأهم أعماله، أضاف:«عملت خلال دراستي الجامعية في قطاع الحرف التقليدية الشعبية لدى الاتحاد العام للحرفيين، وكان لدي شغف كبير في قضايا الحرف التقليدية وفنونها؛ إذ كرست جُلّ اهتمامي لقضايا التراث الثقافي غير المادي، ولا سيما ما يتعلق بالحرف التقليدية وما يرافقها من مهارات وتصورات ومعارف وابتكارات، ثم وثّقت جزءاً من هذه الذاكرة الشعبية المهمة بالتعاون مع جهات متعددة، وشاركت بعدد كبير من الأبحاث المتعلقة في مجال التراث الثقافي على المستوى المحلي والدولي، وأيضاً ساهمت مع اللجان المشكلة في إعداد القانون الأساسي للاتحاد العربي للصناعات التقليدية والحرف الذي أُسّس في عام 2009، حيث يكون نواة عمل عربي مشترك، كما كنت عضواً في لجان ساهمت في الإشراف على إقامة المهرجانات المتعلقة بالتراث السوري بشقيه المادي وغير المادي، وعضواً في لجان الخبراء والباحثين في مجال التراث الشعبي وتدوين المرويات وتحكيم المخطوطات وتوثيق التراث الشفاهي، وشغلت عضواً في هيئات تحرير بعض المجلات السورية، كمجلة "التراث الشعبي"، ومجلة "العلم والترميم"، و"الحرفيون"، وأيضاً عضواً في اللجان التي كوّنت من أجل إعادة إعمار وتأهيل التراث المعماري المتضرر بفعل الأحداث الراهنة في كل من "دمشق" و"حلب"، وشاركت في إعداد مشروع قانون جديد خاص بالصناعات التقليدية والحرف اليدوية بهدف تنظيم العمل ضمن هذا القطاع وتطويره، والمحافظة على أصالة الحرف اليدوية التقليدية، إلى أن أصبحت عضواً في اللجنة الحكومية التي كوّنت من أجل دراسة المسائل والقضايا التراثية وتقديم المشورة فيها، واقتراح آليات عمل من أجل توثيق التراث الشعبي غير المادي وحصر عناصره».

الباحث "محمد فياض الفياض"

عن المهام التي شغلها، قال: «عملت مدرّساً لدى جامعة "دمشق"، قسم معلم صف لمادة اللغة العربية والخط العربي منذ عام 2000، وكذلك أمين تحرير مجلة "الحرفيون" منذ عام 2006، وساهمت من خلالها بتوثيق الحرف التقليدية والفنون الشعبية السورية المهددة بالزوال، كما أنني من مؤسسي ماجستير التأهيل والتخصص في التراث الشعبي في جامعة "دمشق" في قسم علم الاجتماع ومحاضر فيه، وقد تم تكريمي من قبل وزارة الثقافة مع عدد من الباحثين الخبراء في التراث الثقافي غير المادي في فعاليات أيام التراث السوري عام 2015.، كما كان لي شرف التكريم من جهات محلية ودولية أخرى نتيجة تقديم أبحاث في مجال التراث الثقافي».

عن مؤلفاته "الفياض" قال: «من أهم كتبي المنشورة "الحرف التقليدية في سورية"؛ وهو كتاب موسوعي ضخم مزود بمصورات جغرافية لبيئات الحرف السورية والفنون الشعبية الأخرى، صدر عام 2011، وهناك بعض الأبحاث المهمة: "المدرسة الدمشقية في الخط العربي وقبس من روادها" و"المدرسة الدمشقية في صناعة السيوف وأنصالها"، ومحطات من التراث الثقافي غير المادي "الأغنية الجولانية نموذجاً" ما زال قيد الطبع، وهو عمل مشترك مع الباحث "أحمد محمود الحسن"، وهناك الكثير من الأبحاث التوثيقية المتعلقة بالتراث الثقافي المادي وغير المادي».

شهادة خبرة في إدارة قضايا التراث الثقافي من اليونسكو

"أحلام الترك" مديرة التراث الشعبي في وزارة الثقافة، قالت: «أغنانا "محمد" بعشقه للتراث الشعبي بكل عناصره، ويكاد يكون مرجعاً في الحرف التقليدية السورية، فلا يمكن أن تسأله عن أدوات العمل في حرفة ما، أو كيفية تسلسل العمل فيها، أو العائلات التي مارست هذه الحرفة، وأمهر العاملين بها اليوم، إلّا ويجيب، وقائمة التساؤلات كثيرة؛ إذ تجد لديه من الإجابات فيضاً لا ينتهي، ترجمه من خلال العديد من المقالات والبحوث، كما صبّ شغفه بإرثنا الحرفي في موسوعة ضخمة حملت عنوان: "الحرف التقليدية السورية"؛ فلم يترك فيها معلومة عن حرفة إلا ووثقها».

أضافت "الترك": «لم يكتفِ "محمد" بالكتابة والبحث؛ إذ يفاجئنا أيضاً بخبرته في التصوير الفوتوغرافي، فهو يمتلك روح الفنان، وغيرة ابن البلد الأصيل على تراث أمّته، وذهنية المفكّر، وأدب الباحث، ولم تُشبع هذه الاهتمامات نهمه للعلم والمعرفة، فعرّج على الخط العربيّ، وبرع فيه باحثاً وخطّاطاً منطلقاً من حبّه لتراثنا وما فيه من تجلّيات وإبداعات ترسم ملامح هويتنا الحضارية».

كتاب الحرف التقليدية في سورية