ترك الغساسنة كثيراً من القصور والقناطر والأبراج والكنائس والأديرة، وتعدّ منطقة "الجولان" من أهم مناطق الغساسنة وأشهرها؛ إذ اشتهرت "الجابية" قرب "نوى" في "حوران" بأنها كانت مقرّ ملوكهم؛ لذلك عرفت بجابية "حوران"، أو جابية "الجولان".

الدكتورة "أرواد عدنان العلان" نائب عميد كلية الآداب في جامعة "دمشق" بـ"القنيطرة"، تحدثت عن تاريخ الغساسنة لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 15 كانون الثاني 2018: «هاجر "الغساسنة" من "اليمن"، وسكنوا جنوب "بلاد الشام"، حيث اعتنقوا الديانة المسيحية، وأقاموا الكثير من الأديرة في "دمشق" و"حوران" و"الجولان"، الذي يعدّ واحداً من أهم مراكز انتشارهم، وقاموا ببناء الكثير من دور العبادة التي لا تزال حتى اليوم شاهداً على حضارتهم ورقيهم الديني والفكري.

هاجر "الغساسنة" من "اليمن"، وسكنوا جنوب "بلاد الشام"، حيث اعتنقوا الديانة المسيحية، وأقاموا الكثير من الأديرة في "دمشق" و"حوران" و"الجولان"، الذي يعدّ واحداً من أهم مراكز انتشارهم، وقاموا ببناء الكثير من دور العبادة التي لا تزال حتى اليوم شاهداً على حضارتهم ورقيهم الديني والفكري. ومنذ عام 292 غدا الغساسنة حكاماً على مناطق محددة في جنوب "بلاد الشام"، وتوالى ملوكهم على الحكم، ومن بينهم "الحارث بن جبلة" الذي حكم قرابة الأربعين عاماً 529ـ569، و"المنذر بن الحارث" 569ـ582، و"جبلة بن الأيهم" الذي حكم في عام 635

ومنذ عام 292 غدا الغساسنة حكاماً على مناطق محددة في جنوب "بلاد الشام"، وتوالى ملوكهم على الحكم، ومن بينهم "الحارث بن جبلة" الذي حكم قرابة الأربعين عاماً 529ـ569، و"المنذر بن الحارث" 569ـ582، و"جبلة بن الأيهم" الذي حكم في عام 635».

الدكتورة "أرواد عدنان العلان"

وحول أديرتهم في "الجولان"، أضافت: «"دير أرعبانية" في قرية "رعبنة" التي تقع على سفح في "الجولان" في أراضي ناحية "مسعدة"، يطل السفح على سهل "الحولة". و"أرعبانية" مفردة سريانية تعني أرض الحمام، وقد دلت التنقيبات الأثرية على وجود كنيسة تعود إلى الحقبة البيزنطية، وأساسات بلدة مهمة تعود إلى ذات الحقبة، وحصن مدمر هو على الأغلب دير. إضافة إلى لقى عديدة عبارة عن فخاريات وعملات.

وما زالت "أوفانيا" تحتفظ باسمها القديم الذي يعني العجلات باللغة السريانية، وتوجد في القرية مقابر أثرية كثيرة. ومن المعالم الأثرية المهمة مبنى أثري يقع إلى الغرب من القرية يعرف بقصر "زحلان"، وهو عبارة عن كنيسة بيزنطية، أجريت فيها تنقيبات أثرية عام 1990، فعثر على أجزاء من أعمدة جميلة المظهر، وعليها زخارف نباتية ونقش لصليب.

صليب على حجر أثري في "القنيطرة"

وهناك دير بيت الشهيد "مارثيودور" في قرية "بريقة"، حيث تقوم القرية على موقع قديم عثر فيه على مواد صوانية، ويبدو أن الموقع كان آهلاً بالسكان منذ العصر الهلنستي، وتوجد في هذه القرية حجارة منحوتة وأعمدة، وكتابات يونانية، والكثير من الصلبان المنقوشة على الحجارة، وبأشكال مختلفة، كما توجد حجارة تحمل نقوشاً أخرى من الورود والأشكال الدائرية وكتابات يونانية، ويبدو أن الموقع كان يضم ديراً، حيث نجد بقايا هذا الدير في جنوبي الموقع، وبشكل سليم نسبياً، ويضم عدة أبنية، منها بناء مقنطر، وبناء آخر لا يزال الدرج قائماً في أحد جدرانه. وكذلك يوجد في الموقع بيوت تحت أرضية مسقوفة بألواح حجرية، وكلها تشير إلى المكانة المتميزة لهذا الموقع في العصر البيزنطي. ومن الآثار اللافتة في هذا الدير نقش باليونانية مكتوب فيه اسم القديس "ثيودور"، والصليب الذي يشير إلى بيوت الشهداء؛ وهو ما يؤكد أن الموقع هو نفسه الذي أشارت إليه وثيقة رؤساء الأديرة العرب، التي تحدثت عن القديس "ثيودور" رئيس دير بيت الشهيد "مارثيودور" في قرية "بريقة"».

وتابعت: «في قرية "كفر حارب" هناك دير "برج حارف"، ويقع في "الجولان" على المرتفع المطل على جنوب بحيرة "طبرية"، على حرف جبل يطل على البحيرة، ويعدّ موقع "حارب، أو حارف" من المواقع الغسانية المهمة، حيث ورد ذكره في الشعر العربي الجاهلي، وفيها آثار تعود إلى الحقبة البيزنطية، منها قصر ودير "برجي".

درج أثري غريب لا يزال قائماً

أما دير "فيق" أو دير "عقبتا" في قرية "العقبة"، فهو قرية قديمة بين "فيق" وبلدة "كفر حارب"، ولا تزال تحتفظ باسمها حتى الآن، لكنها مضافة إلى "فيق"، فأصبحت "عقبة فيق"، و"العقبة" هي نفسها "عقبتا" باللغة السريانية، وتعني لحف الجبل، ويقع الدير في جبل يتصل بـ"العقبة" بين "فيق" وبحيرة "طبرية"، يتمتع بمكانة خاصة عن سواه من الأديرة، فهو لا يزال عامراً بالزوار المسيحيين، ويزعم المسيحيون أنه أول دير عمل للمسيحية، وأن "المسيح" كان يأوي إليه، ومنه دعا الحوارين، وفيه حجر زعموا أن المسيح جلس عليه.

أما دير "مار سرجيس" في "جابية الجولان"، موقع "جابيثا"، فهو من المواقع المهمة في تاريخ "الغساسنة"، ويقع في شمال "الجولان" قرب مرج "الصفر"، حيث عقد فيه مؤتمر الصلح بين الكنيسة الأرثوذكسية والمونوفيسية في كنيسة القديس "سرجيس"، ولم يسفر المؤتمر عن تحقيق المصالحة بين الكنيستين.

وكذلك "صرمانين" التل القديم الذي يقع على بعد ثلاثة كيلو مترات إلى الجنوب من مدينة "القنيطرة"، ويشكل واحداً من تلال وسط "الجولان"، ويشرف على وادي "الرقاد". وفي الموقع أطلال قديمة تعود إلى العصر البيزنطي، ووجد فيه العديد من اللقى النفيسة التي تؤكد الازدهار الذي شهده على مختلف العصور، منها كنيسة حالتها جيدة في قمة التل تحمل جدرانها صوراً وزخارف ملونة.

دير "لوقاد" في موقع وادي "الرقاد" من أهم مركز انتشار الغساسنة، وأغلب الظن أن اسم "لوقاد" تم تحويله إلى "الرقاد"؛ لكثرة تبادل حرفي اللام والراء في الأسماء العربية، ولا يستبعد وجود قرية مندثرة في شمال "الجولان" أطلق اسم الوادي على اسمها، وتشير الدلائل إلى وجود دير في وادي "الرقاد" إلى الشرق من "القنيطرة"، ويعرف أهالي "القنيطرة" هذا الموقع باسم "دير الرقاد"».

يقول "تيسير خلف" الباحث في تاريخ وآثار "الجولان"، في كتابه "كنيسة العرب المنسية ـ أديرة الغساسنة" في "دمشق" و"الجولان" و"حوران" و"لبنان": «لعبت الأديرة دوراً تنويرياً في حياة العرب قبل الإسلام؛ إذ تطورت فيها الكتابة العربية، كما حفظت مكتباتها الكثير من المخطوطات القديمة التي لولاها لما عرفنا شيئاً عن هذا التاريخ، وكذلك كانت الأديرة أبرشيات متكاملة فيها رجال دين من مختلف الطبقات، إضافة إلى رهبان منقطعين للعبادة، وساهمت هذه الأديرة بالنهضة الزراعية؛ لأن ساكني الدير معنيون بتدبير قوت يومهم ومؤونة الشتاء والصيف من الزيت والخمر والطحين.

وقد اشتهرت أديرة الشام بأنها أشبه بقلاع منيعة مسورة بسور عالٍ وأبراج تمنع اللصوص من اقتحامها والإساءة إليها، وكانت تبنى عادة في أماكن نزهة جميلة كثيرة المياه والبساتين والكروم والأديرة، تتفاوت في مساحاتها، فمنها الكبير والصغير، وفي كل دير كنيسة، حيث يجتمع الرهبان للصلاة المشتركة والتقرب، ولكل راهب صومعته، ويكثر عدد الصوامع أو يقل بحسب عدد الساكنين في الدير».

وأضاف: «ورد في وثيقة رؤساء الأديرة العرب الذين عقدوا مجمعاً كنسياً في "داريا" قرب "دمشق" أوائل عام 570 في بداية عهد "المنذر بن الحارث" عدم ذكر أي أبرشيات جنوب وادي "اليرموك"، وتركزت هذه الأبرشيات إلى الشمال من الوادي، وخصوصاً في منطقة "الجولان" التاريخي؛ أي ضفتي وادي "الرقاد" الشرقية بما فيها منطقة "الجيدور" و"الزوية" الشرقية، والضفة الغربية التي تضم "الشعراء" في الشمال، و"الزوية" الغربية في الجنوب، ثم إلى جبل "حوران"، ومنطقة "اللجاة" وامتدادها إلى مرج "دمشق" وغوطتها، ووصولها إلى سلسلة "لبنان" الشرقية والبقاع حتى جبل "القلمون"».

*الصورة الرئيسة لدير القديس "مارثيودور" في قرية "بريقة" من الخارج.