إضافة إلى الفقه في الدين، كان شاعراً بليغاً في وصفه للصورة التي يكتب عنها، لكن لم يتمكن من طباعة ديوانه؛ فقد كان الموت أسرع منه؛ إذ استرقه وهو في ريعان عطائه.

الشيخ الفاضل "محمود الهلال الفياض حرفوش"، الخطيب التقي لمسجد قرية "فيق" في "الجولان" المحتل، كان سكان القرى المجاورة للمسجد يتوافدون لسماع خطبته، وفي عرض موجز لحياته، مدونة وطن "eSyria" التقت المعمّر "أحمد موسى العلي" ابن قرية "سكوفيا" في "الجولان"، الذي قال: «الشيخ "محمود" علّامة من علماء "بلاد الشام"، ولد في قرية "سكوفيا" في "الجولان" المحتل، عُرف بقوة شخصيته ودفاعه عن الحق، وأوتي علم اللغة العربية والتربية الدينية؛ إذ درس العلوم الدينية والشرعية في جمعية "الغراء" للعلوم الدينية والشرعية بـ"دمشق"، كما تتلمذ على يد أهم علماء "دمشق" و"بلاد الشام"، ومنهم: الشيخ الفاضل "علي الدقر"، والشيخ "حسن حبنكة الميداني"، ونبغ في دراسة الفقه والخطابة واللغة العربية وآدابها».

توفي الشيخ "محمود" قبل الاحتلال الإسرائيلي لـ"الجولان" بمدة وجيزة، وذلك في أيار عام 1967، لم يشهد النزوح وويلاته ولم يذق مرارة مفارقة الأرض، ودفن في أرضه وقريته "سكوفيا"، وكان من أعظم الشخصيات الدينية التي عرفها "الجولان"، وبقي اسمه مخلداً ذكره بيننا؛ لما له من طيب الذكر والسمعة

يضيف "العلي": «ينتمي الشيخ "محمود" إلى عائلة "الحرافشة"، وجده الأمير "محمد بن عباس" أحد أمراء "بعلبك"، كان شاعراً فصيح اللسان محباً للعرب والعروبة، وخطيباً لمسجد "فيق" في منطقة "الزوية" أكبر قطاعات "الجولان"؛ إذ كان السكان ينتظرون خطبته ويتسارعون لسماعها، اهتم بالأطفال وغرس في أدمغتهم الدين الصحيح والثقافة الإسلامية الصحيحة؛ إذ كانت المنطقة في تلك الفترة تعاني الجهل والتخلف بعد خروجها من فترة ظلم طويلة شهدتها من الاحتلال العثماني والفرنسي، وكان الجميع بحاجة إلى علّامة ينصف الحق ويعلّم الناس ويفقههم في أمور دينهم، ويفصل بينهم في نزاعاتهم الدينية والدنوية، حتى تم تعيينه كمرشد ديني في منطقة "الزوية"، كما عمل مدرّساً لمادة اللغة العربية والتربية الإسلامية في ثانوية "فيق" للبنين، وثانوية "نوى" الخاصة».

المعمّر "أحمد موسى العلي"

"عبد الرحمن هجر حرفوش" أحد سكان قرية "سكوفيا" قبل الاحتلال، يقول: «قامة وطنية ليس على المستوى المحلي في "الجولان"، وإنما في "بلاد الشام"، ومن مؤيدي ثورة الثامن من آذار والوحدة بين "سورية" و"مصر" عام 1958، لم يكن صوته يصدح فقهاً على المنبر في كل يوم جمعة فقط، بل شعراً وحقاً في الأعياد والمناسبات الوطنية والاجتماعية، فقد تأثر تأثراً جلياً بجده الشيخ الجليل "محمد عباس حرفوش" خريج الأزهر الشريف؛ ففي إحدى مناسبات التدشين لافتتاح مشروع "الجوخدار" لاستجرار المياه إلى منطقة "الزوية"، ألقى الشيخ "محمود" قصيدة عبّر فيها عن فرحته وفرحة سكان القرية قائلاً:

"ولدي محمد هات لي الأقداح... واليوم عندي طاب شرب الراح

"عبد الرحمن هجر حرفوش" أحد سكان قرية "سكوفيا" سابقاً

لا تبخلن والناس سكري كلهم... أتريــد أن يبقى أبــوك الصــاح"

وفي مناسبة لحكم الانفصال، دُعي الشيخ لإلقاء قصيدة أو كلمة بمناسبة حضور وزير الزراعة والاستصلاح الزراعي لتوزيع سندات تمليك لسكان قرية "خسفين" في "الجولان" المحتل، فألقى قصيدة قال فيها:

صورة للشيخ "محمود" في قريته قبل عام 1967

"وطني على ما فيه من مستبشع... يبدو لعيني رائعاً وجميلا

في بسمة الطفل البريء عرفته... ومن الشموس الغاربات

ومن الضياء يذوب فوق هضابه... متمرغاً بترابه مجبولاً أصيلا

ومن الورد الحاضنات لطله... ولهان يشبع خدها تقبيلا

ومن العراة الكادحين... حين يزيدهم جشع الطغاة خصاصة ونحولا

الحاملين على ظهورهم همومهم... والخائضين إلى الرغيف وحولا

من أجلك أحببتك وأردتك... وطناً كريماً لاحماً مذلولا"

إضافة إلى أنه لم يكن حزبياً، لكنه من أوائل المساندين لفكر البعث، وكان يحض الشباب على الانتساب إلى الحزب، ومن أشهر قصائده بيت من قصيدة يمدح فيها الحزب قائلاً:

"راية البعث في الجوزاء منزلها... وما سواها لقاع الوادي ينحدر"».

يضيف "عبد الرحمن": «توفي الشيخ "محمود" قبل الاحتلال الإسرائيلي لـ"الجولان" بمدة وجيزة، وذلك في أيار عام 1967، لم يشهد النزوح وويلاته ولم يذق مرارة مفارقة الأرض، ودفن في أرضه وقريته "سكوفيا"، وكان من أعظم الشخصيات الدينية التي عرفها "الجولان"، وبقي اسمه مخلداً ذكره بيننا؛ لما له من طيب الذكر والسمعة».

الجدير بالذكر، أن العلّامة "محمود الهلال الفياض حرفوش" من مواليد قرية "سكوفيا" في "الجولان" المحتل عام 1910، وقد كان مفتياً في منطقة "الزوية" قبل ثورة الثامن من آذار، إلى أن تم تعيينه مفتياً بعد ثورة آذار بسنتين في "دمشق".