بموهبة فنية مميزة منذ الصغر، عمل على تنميتها وإظهار إبداعاته خلال مسيرته الفنية الحافلة وممارسته كل طقوس الحنين والشوق، ليبدع باستخدام الألوان والخطوط السحرية بين الحرف والفنون الأخرى، وكانت هويته المميزة في عالم الخط العربي.

مدونة وطن "eSyria" التقت الفنان "طارق الفاعوري" بتاريخ 14 شباط 2019، وتحدث عن بدايته مع الخط العربي بالقول: «بدأت علاقتي بمحبة فن الخط عندما رأيت والدي الراحل "رزق سالم الفاعوري" عام 1976 يبري قصبة الخط، ويبللها بالحبر ليصنع أمامي وأنا الطفل الصغير حدثاً جمالياً لا يخلو من الدهشة والإثارة حتى هذه اللحظة الراهنة على الرغم من مرور أربعة عقود على تلك اللحظة الفارقة في حياتي، كان ذلك في مدينة "وهران" الجزائرية، حيث عمل والدي معلماً للغة العربية وفن الخط العربي وقتئذٍ، ومنذ تلك اللحظة بدأت ولادة العشق لهذا الفن وثقافته وقواعده ومدارسه العديدة في مشارق الأرض ومغاربها، حيث عدت من "الجزائر" إلى "دمشق" مع أسرتي عام 1978، ولم أزل طالباً في المرحلة الابتدائية، درست وقتذٍ في مدرسة "إدريس عبدو المطلق" بمنطقة "الحجر الأسود"، ومن الكتب الأولى التي دخلت مكتبتي كتاب قواعد الخط العربي لمؤلفه "محمد هاشم البغدادي"، وفي هذا الكتاب الذي يساوي وزنه ذهباً عرض لكل أنواع أو أقلام الخط العربي والإسلامي بدءاً من الإجازة، فالثلث، وانتهاء بالرقعة، أحببت كل الخطوط، لكنني أجد نفسي مع الديواني ونسخ المصاحف والرقعة».

"طارق الفاعوري" فنان طموح، أسس لنفسه أسلوباً خاصاً ميزه عن سواه، أبدع برسوماته في التعبير عن حبه للحرف العربي الذي اختاره كعنصر جمالي للوحاته، فقد جمع بين البعد الروحي والمتطلبات الجمالية، وهو يحافظ على أصالة الخط العربي، ويوظف الحرف دلالياً، ويستنطقه ويجعله يتحرك ويسكن وينحني ويتموج وينبسط ويتواصل مع مكونات العمل مؤمناً بوجوب أن يرقى الخطاط بمستوى المعرفة البصرية والتشكيلية ليوظف ذلك في اللوحة الخطية، وإن كانت بخطوط كلاسيكية

وتابع: «بعدها أصبحت عاشقاً للخط كفن وجمال، وعندما أمارس الخط كفن، عليّ العودة إلى الأداة التقليدية من القصب والريش المعدنية مع الحبر الجيد والورق الصقيل، وفي هذا الزمن مع وجود أدوات الكتابة الجاهزة، كالأقلام الكحولية، وأقلام الدهان، فإن الولوج إلى العمل الفني كإعلان أصبح يسيراً وسريعاً، حيث إن هذه الأدوات الحديثة تؤمن سرعة الجفاف وسهولة التعامل مع الخامات المكتوب عليها، ولا سيما أن شركات عالمية محترفة تعمل على صناعتها وترويجها في السوق الفني والتجاري. ونظراً إلى الظروف المعيشية، ومنذ طفولتي عملت بالخط كحرفة أعتاش منها مع أسرتي، وقبل ربع قرن تقريباً افتتحت لنفسي محلاً أو ورشة للخط وكتابة اللوحات الإعلانية، كما أتيح لي التدريس في وزارة الثقافة فن الخط في مركز "وليد عزت"، حيث علمت الخط وثقافاته مدة أربع سنوات، وقد كان لي أن نقلت الكثير من جماليات الخط وقواعده وعلومه وثقافته إلى عدد لا يستهان به من طلابي المنتشرين في كثير من البقاع، وما زلت حتى الآن أعلّم الخط عندما تتاح الفرصة المناسبة، ناهيك عن عنايتي الثقافية بكتب الخط وفنونه، رافق ذلك عملي في وزارة التربية بـ"دمشق" كخطاط في البرامج التعليمية بالتلفزيون وتخطيط الوسائل والمناهج التعليمية، وتمكنت من التعرف إلى طرائق تعلم الخط التربوي الواضح البسيط للأطفال وبناء اللوحة الفنية».

الفنان "طارق رزق الفاعوري"

وأضاف عن أعماله الخاصة: «لوحتي لوحة حروف بلغة بصرية بعيداً عن النص المقروء، أحاول أن أعطي الحرف زخماً تعبيرياً وحسياً قدر ما أستطيع؛ لقناعتي بأن الحرف كهيئة بصرية له بصمته المعبرة والإيحائية، وليس مهماً أن أكتب، لكن الاهتمام الأكبر بالحالة التي أسعى إليها للتعبير عن كوامن النفس الداخلية، وبالنسبة لـ"الجولان" ليس كلمة، "الجولان" هو المستقبل المنشود، والوطن الذي سيعود. أحب الوظائف المباشرة للفنون عامة، فبعد اطلاعي على المنجز الإنساني في الفنون وعبر الحداثة الفنية صرت أميل إلى لغة أخرى تختزلها الأحاسيس والعواطف على بياض اللوحة؛ خط مشحون بأحاسيس صادقة قد يعني الكثير للمساهمة في الحفاظ على الخط العربي».

وعن رأيه بالخط العربي كصنعة أو فن، قال: «إن كل صناعة يسكنها الإبداع الإنساني تتحول إلى فن راقٍ وعريق، وبعض النقاد يرفضون الفصل بين الصناعة والفن، بل وصل الأمر ببعض الباحثين الجماليين ليجدوا مجالاً لتقابل الفنون بعضها مع بعض، مثل الخط مع الموسيقا، والعمارة مع الزخرفة، والشعر مع التصوير، والرقص مع الغناء، ولا يضر الخط أن يكون صنعة، وأنا شخصياً كنت أفتتح لنفسي دكاناً للخط والإعلان واللوحات في منطقة "الحجر الأسود"، وفي الوقت نفسه اصطدت المناخات التشكيلية في هيئة الحرف العربي ليكون أحد مكونات اللوحة التشكيلية، وربما أهم عناصرها المرئية والتعبيرية».

أعمال الفنان "طارق الفاعوري"

وفيما يتعلق بمعارضه، يقول: «أذكر في مرحلتي الإعدادية في مدرسة "الحجر الأسود" أقمت معرضاً فردياً لفنون الخط أشرف عليه الفنان "جمال نهار"، وتبعه معرض فردي في المركز الثقافي لمدينة "فيق" بـ"مساكن برزة" عام 1985، وبعد انتهائي من خدمة العلم 1993 أقمت في صالة المركز الثقافي "الروسي" معرضاً للوحاتي الحروفية التشكيلية، ولي عدة مشاركات في معارض مشتركة، لكنني أعدّ المرحلة الخصبة في حياتي عملي في الصحافة السورية، وتحديداً في صحيفة "الأسبوع الأدبي" التابعة لاتحاد الكتاب العرب، والصحافة العربية كمجلات "الرؤية، والمبتدأ، والضحى"، التي عملت على وضع لمسة تشكيلية قوامها الحرف العربي وتشكيلاته من خلال الرسوم الإيضاحية المرافقة للنصوص، هذه المرحلة أمنت لي انتشاراً عربياً، وربما دولياً من خلال وصول إعداد المجلات إلى عدة دول في أنحاء العالم، وأنا أتحدث عن مرحلة لم يكن فيها شبكة إنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي؛ لذلك أعدّ تلك المرحلة جريئة ومهمة في حياتي».

وعن واقع الخط، يضيف: «"سورية" منجم كبير للإبداع الإنساني والفني؛ كما يقول الراحل "حنا مينا"، ونستطيع أن نقول إن هناك مدرسة سورية أو شامية للخط العربي وفنونه، شملت تقريباً كل المحافظات السورية عبر مئات السنين، وظهرت بقوة هذه المدرسة في "دمشق" منذ قرن ونصف القرن تقريباً مع وصول المجدد "يوسف رسا" وكتابته للوحات مسجد "بني أمية الكبير"، وقد استطاع هذا العبقري التأثير بنخبة من الخطاطين السوريين الرواد، وعلى رأسهم خطاط زمانه "محمد بدوي الديراني"، والخطاط المجدد الاستثنائي "ممدوح الشريف"، والمعلم "حلمي حباب"، وبدورهم عملوا على نقل معارفهم وعلومهم الخطية إلى جيل من الخطاطين الذين أثّروا بالساحة الشامية والسورية عامة، ومازال أثرهم موجوداً للباحث والمنقب عن تاريخ وجمال الخط. ولا يخفى على أحد أن ثورة الاتصالات المذهلة كشفت وأسهمت باتصال الخطاطين السوريين برفاقهم الخطاطين في أنحاء العالم؛ وهو ما طور تجاربهم وصقل الكثير من خبراتهم الفنية والتقنية والمخبرية، وفتح الأفق البصري في أعمالهم الفنية لنرى بعضهم قد حصدوا جوائز دولية، وآخرين قد أتيحت لهم فرصة كتابة المصاحف لدول عربية وإسلامية كالخطاط "عثمان طه"، و"جمال بوستان"، و"عبيدة البنكي"، والخطاط الشهيد "أحمد الباري"».

جمالية الأسلوب في لوحاته

الفنان التشكيلي "جمال نهار" رئيس فرع اتحاد الفنانين التشكيليين في "القنيطرة"، قال: «"طارق الفاعوري" فنان طموح، أسس لنفسه أسلوباً خاصاً ميزه عن سواه، أبدع برسوماته في التعبير عن حبه للحرف العربي الذي اختاره كعنصر جمالي للوحاته، فقد جمع بين البعد الروحي والمتطلبات الجمالية، وهو يحافظ على أصالة الخط العربي، ويوظف الحرف دلالياً، ويستنطقه ويجعله يتحرك ويسكن وينحني ويتموج وينبسط ويتواصل مع مكونات العمل مؤمناً بوجوب أن يرقى الخطاط بمستوى المعرفة البصرية والتشكيلية ليوظف ذلك في اللوحة الخطية، وإن كانت بخطوط كلاسيكية».

الجدير بالذكر، أن الفنان "طارق رزق الفاعوري" من أهالي "الجولان"، قرية "كفر حارب"، مواليد "مخيم اليرموك" في "دمشق"، عام 1968.