تُعد سينما "الأندلس" التي تقع في الجهة الغربية لمدينة "القنيطرة" على طريق قرية "المنصورة"؛ من أفضل دور السينما في المنطقة، حيث وصل عدد الأفلام المعروضة فيها قبل عدوان حزيران عام 1967 إلى ما يزيد عن 300 فيلم.

مدونة وطن "eSyria" التقت المؤرخ والباحث "عدنان محمد مصطفى قبرطاي" من أبناء مدينة "القنيطرة" بتاريخ 8 أيلول 2020 والذي كان من بين الحضور أثناء تدشين السينما، حيث قال: «لم يكن "الجولان" في يوم من الأيام غائباً عن الساحة الثقافية، بل كان محطة متقدمة من النسيج الثقافي السوري، كما كانت مدينة "القنيطرة" أيقونته الساحرة وزجاجة عطره وينبوعه المتدفق المزدحم بالأنشطة الثقافية المتعددة نتيجة التنوع الثقافي وتعدد المشارب. وكانت سينما "الأندلس" وليدة هذه الرواسب الثقافية العميقة والتي دشنت إبان قيام الوحدة السورية المصرية، وكانت الترتيبات تجري بأن يتواكب تدشينها مع زيارة الرئيس الراحل "جمال عبد الناصر" إلى "الجمهورية العربية السورية" أو ما كان يعرف بـ "الإقليم الشمالي" آنذاك في العام 1959، إلا أن الزيارة كانت خاطفة واقتصرت على زيارة مناطق محددة، وقد أوكل الأمر في التدشين إلى المشير "عبد الحكيم عامر" والجهات الرسمية الأخرى المشرفة على قطاع الثقافة حينها، وقام بتدشينها عام 1960 وكانت بالنسبة لأهل "الجولان" عامة من أهم الانجازات على الصعيد الثقافي، وتشبه دور السينما في العاصمة "دمشق"، بل تتفوق على كثير منها».

التسمية لم تأتِ بالمصادفة، بل كانت مدروسة بعناية فائقة، لأن "الأندلس" كانت تشكل للعالم العربي والإسلامي بأسرهِ حالة من العشق السرمدي، لما كانت تتمتع به الدولة الأموية آنذاك من قوة وريادة وتعدد في المواهب والثقافات، والجميع كان يرى في "القنيطرة" مدينة ساحرة، وهي جسر العبور إلى الفضاءات الجغرافية المتاخمة لـ"فلسطين"، وهذه المدينة تشبهُ "الأندلس" في ثغورها، يعانقها برفق جبل "الشيخ" بوشاحه الأبيض وكأنه الخاتم في المعصم، ناهيك بأنها الأقرب إلى الحدود الفلسطينية وهي في حالة تماس مباشر مع عدو قريب غادر هادم للثقافات ومقتلع للجذور وسارق للآثار ومشتت للتراث الثقافي، ولذلك تم تدميرها وتشويه جدرانها الداخلية بعبارات عبرية عنصرية

وأضاف "قبرطاي": «تربعت هذه السينما على مساحة كبيرة من الأرض في القسم الغربي من مدينة "القنيطرة" على الطريق التجاري الذي كان يربط "لبنان" بـ "فلسطين" مروراً بجمهورية "مصر" العربية، وإلى جانبها نادي "الضباط" الذي دشن بتلك الفترة أيضاً، وهذه السينما تتألف من طابقين اثنين شيدت على الطريقة الهندسية الحديثة، إذ تتسع لما يزيد عن 700 زائر، ومزودة بتقنيات التبريد والتدفئة وفق حالة الطقس، وكان يقدم بها الكثير من الأنشطة الثقافية، بالإضافة إلى العروض السينمائية والمسرحية المختلفة، كما كانت تُشكل لأهل المدينة وضيوفها مساحة من الراحة والاستجمام؛ لاسيما في نهاية كل أسبوع، إذ كان روادها من الطبقة المثقفة بالإضافة إلى الرواد القادمين من القرى المحيطة لمدينة "القنيطرة"، كما كان هناك الكثير من الرواد الآخرين الذين يأتون من "دمشق" التي لا تبعد عن مدينة "القنيطرة" أكثر من 60 كم بغية تحقيق الاستمتاع بسحرها ونسيمها العذب ورائحة زهرها العبق، ومشاهدة العروض التي تقدمها السينما، بالإضافة إلى الزوار من محافظات "درعا"، و"السويداء"، و"ريف دمشق"، إذ كان لزيارة مدينة "القنيطرة" عروس "الجولان" طابعها الخاص».

"عدنان محمد مصطفى قبرطاي"

"فياض كريم الفياض" من وجهاء "الجولان" كان من زوار هذه السينما بغية مشاهدة عروضها المميزة حيث قال: «كان لهذه السينما الدور الأكبر في عملية التثقيف والتوعية من خلال تقديم الأفلام والعروض النوعية النخبوية، والتي كانت تجسد فكر المقاومة ومقارعة الاحتلال وغير ذلك من عروض هادفة على مدار سبعة أعوام متتالية بُعيد التدشين والافتتاح، كما كانت تعج بالزوار من مختلف البيئات، وهي بمثابة قفزة نوعية في منطقة هي الأهم في الجغرافية السياسية. ولهذا الصرح الثقافي الفضل في تنظيم العديد من المهرجانات والتظاهرات الثقافية النموذجية التي حملت أجمل اسم في التاريخ "الأندلس"، وللأسف تم تدميرها، وكأنما الاحتلال يود القول لنا بهمجيته المفرطة: (لا أندلس بعد الأندلس)، ولكننا بالطبع نعلم بأن الاحتلال يسعى لطمس ثقافات الشعوب، وقلع جذور الحياة والأصالة على مجمل الساحة العربية. نعم تم تدمير مدينة "القنيطرة" وقتل براعم الثقافة فيها، وتشريد أهلها بوحشية، ولكن سينما "الأندلس" ما زالت واقفة كأنها "الأندلس" بجبروتها وقوتها».

وعن اختيار اسم "الأندلس" لهذه السينما يقول "الفياض": «التسمية لم تأتِ بالمصادفة، بل كانت مدروسة بعناية فائقة، لأن "الأندلس" كانت تشكل للعالم العربي والإسلامي بأسرهِ حالة من العشق السرمدي، لما كانت تتمتع به الدولة الأموية آنذاك من قوة وريادة وتعدد في المواهب والثقافات، والجميع كان يرى في "القنيطرة" مدينة ساحرة، وهي جسر العبور إلى الفضاءات الجغرافية المتاخمة لـ"فلسطين"، وهذه المدينة تشبهُ "الأندلس" في ثغورها، يعانقها برفق جبل "الشيخ" بوشاحه الأبيض وكأنه الخاتم في المعصم، ناهيك بأنها الأقرب إلى الحدود الفلسطينية وهي في حالة تماس مباشر مع عدو قريب غادر هادم للثقافات ومقتلع للجذور وسارق للآثار ومشتت للتراث الثقافي، ولذلك تم تدميرها وتشويه جدرانها الداخلية بعبارات عبرية عنصرية».

سينما "الأندلس" من الداخل

الجدير بالذكر أن سينما "الأندلس" لم تكن السينما الوحيدة في هذه المدينة، بل كانت هناك دار أخرى سميت بسينما "الدينا"، كما كانت هناك سينما عسكرية متنقلة تؤدي دوراً توعوياً، وتمارس نشاطها في المدارس وتنشط في المهرجانات وتقدم عروضاً تثقيفية غاية في الروعة والجمال.

"فياض كريم الفياض"