«يشكل الداء السكري مشكلة صحية ضخمة سواء على مستوى الفرد، أو المجتمع، وهي مشكلة ما تزال تأخذ بالنمو، ويمتاز الداء السكري عن غيره من الأمراض بكونه من الأمراض التي يمكن تأخير أو تأجيل ظهورها، والسيطرة عليه أمر ممكن في ظل المعطيات العلمية الحديثة.

والسكري من الأمراض المزمنة التي تحتاج إلى عناية طبية متواصلة، وإلى توفر ثقافة لدى المريض بالعناية الذاتية بمرضه لمنع المضاعفات المحتملة، وهذا ما نسعى إليه من خلال معسكرات السكري، التي تهدف إلى الارتقاء بالطفل السكري لدرجة من الوعي يدرك من خلالها نوع المرض الذي يعاني منه، ومضاعفاته، والطريقة التي يجب أن يتعامل فيها مع المرض، ونقل الطفل من روتين العيادة السكرية إلى تواجد هذا الطفل مع الطاقم الطبي، وكسر الحاجز النفسي لديه عند التقائه مع أطفال مصابين، وتعزيز ثقافة المريض حول المرض وآثاره، وطرق العلاج، وكيفية التعامل مع ارتفاع السكر وانخفاضه، ومتابعة الطفل من قبل المدربين والمشرفين، وبهذه الطريقة يعود الطفل بعد انتهاء المعسكر إلى منزله مزود بالنشرات والمعلومات النظرية والعملية، ويعمل على نقل هذه الخبرات المكتسبة والثقافة إلى عائلته، وتستمر المتابعة للأطفال السكريين بعد انتهاء المعسكر في العيادة السكرية، من خلال البرنامج السكري الموجود في العيادة».

علمت من طبيبي المشرف عن قيام المعسكر، وفي الحال طلبت من أهلي المشاركة، أنا أشكر جميع المشرفين والمدربين والأطباء، لأنهم أتاحوا لي الفرصة بالتعرف على غيري من الأطفال المصابين بنفس مرضي، وعلى الجهد الذي يبذلوه لتعليمنا كيف نتغلب على مرضنا، وتعليمنا كيف نضرب الإبر بدون وجود الطبيب، ونتعرف على أعراض ارتفاع السكر وانخفاضه، وأنا أطبق النصائح بكاملها، وأتمنى أن يكون المعسكر يومي

ذكر ذلك الدكتور "فيصل الشعيب"، مدير صحة "الرقة"، في معرض حديثه لموقع eRaqqa بتاريخ (20/7/2009)، عن مخيم الأطفال السكريين، وأنشطته المتنوعة، ودوره في دمج الأطفال المشاركين بأقرانهم وبمحيطهم الاجتماعي.

جانب من المخيم

ويتابع "الشعيب" قائلاً: «نحن كأطباء قائمين على هذا المعسكر، مستعدين للالتقاء مع أهالي الأطفال للتعرف على مشاكلهم، والإجابة عن استفساراتهم، ويغطي المعسكر مجموعة من أخصائيي الأطفال والغدد الصم والداخلية، ولقد حافظنا على هذا النشاط في مديرية الصحة منذ ثمان سنوات، ومدة المعسكر لهذا العام ستة أيام، تقسم فيها الأنشطة إلى صباحية ومسائية، وحاولنا أن نستقطب فيه الأطفال الجدد.

وفي اليوم الأول من المعسكر استقبلنا الأطفال من الساعة السابعة صباحاً، وأجرينا لهم التحاليل، وقمنا بتوزيعهم على الغرف، وتوزيع المشرفين، وخلال النهار كانت هناك أنشطة متنوعة تتناسب مع المرض الذي يعانون منه، بالإضافة إلى المتابعة المستمرة من قبل الأطباء الموجودين والمناوبين في المعسكر، وهي تستمر منذ الصباح الباكر وحتى المساء، ويقوم الأطباء بإجراء فحص لسكر الدم للأطفال، وهم نيام، ومراقبة طريقة نوم الطفل وتقلبه، إذا كانت سليمة، والمعسكر لهذه السنة يتميز عن الأعوام السابقة، لقبول /32/ طفلاً وطفلة سكرية بين /8/ و/12/ سنة».

فحص السكر بشل دائم

وعن الخدمات المقدمة للأطفال المصابين، يقول الدكتور "إسماعيل العليص" رئيس دائرة الخدمات الطبية، والمشرف العام على المخيم: «فكرة المخيم موجودة من /10/ سنوات، وحالياً هذا المعسكر الثامن، وطبعاً تزداد الخبرات من مخيم إلى المخيم الذي يليه، وجميع هذه المخيمات تحت رعاية وزارة الصحة، المتمثلة بمديرية الصحة في "الرقة"، وهناك تنسيق مع القيادة السياسية بفرع الحزب، والسيد محافظ "الرقة"، والمعسكر عبارة عن إقامة مخيمات سنوية للأطفال السكريين، يتم فيها متابعة التشخيص، وعلاج المرض، بالإضافة للدعم الغذائي والدوائي، ومستلزمات الأطفال الأخرى.

والهدف الأساسي خلق إنسان يقدم خدمات لنفسه، ويكون طبيب ذاته، من خلال تعليمه كيفية التعامل مع "الأنسولين"، وما هي المخاطر الناجمة عن عدم تقيده بالعلاج، وأماكن حقن "الأنسولين" برسائل ترفيهية، وعروض مسرحية، أو من خلال الحزورات والفوازير.

إرشادات مستمرة

ومن وجهة نظري تنبع أهمية مثل هذا النوع من المعسكرات، بكسرها للحاجز النفسي للطفل وعائلته، وذلك عندما يشعر الطفل أنه ليس الوحيد المصاب بهذا المرض، ووجود الطفل ضمن طاقم طبي مكثف من أطباء ومدربين ومخبريين ومرشدين، تعتبر نقطة تحول في حياة الطفل السكري، لأنه يستطيع أن يحصل على كافة المعلومات المتعلقة بمرضه من الطاقم الطبي، وبذلك يخرج الطفل من المعسكر، وهو يشعر أنه إنسان طبيعي يستطيع أن يأخذ دوره في المجتمع، ويقدم الخدمة الطبية الذاتية».

وعن آلية ومواعيد إجراء الفحوص المخبرية، والتحاليل الطبية للأطفال المشاركين في المعسكر، تقول الدكتورة المشرفة والمناوبة في المعسكر "شعاع العلي" أخصائية الأطفال: «نقوم في الساعة السابعة صباحاً بإجراء تحليل لسكر الدم، ونقوم بحقن "الأنسولين" للأطفال المحتاجين للحقن.

وفي الساعة الواحدة ظهراً، وفي السابعة مساءً نجري لهم تحليل لسكر الدم، ونحقن "الأنسولين"، وجميع هذه التحاليل تجرى قبل تناول الوجبات، ونقوم بجمع جميع التحاليل، ونراقب النتيجة، ونتأكد من عدم وجود هبوط للسكر، أما في حال هبوط السكر نعطي الطفل الذي يعاني من هبوط السكر حصة حرارية سكرية، تكون عبارة عن قطعة من البسكويت، أو تمر، أو عصير، أو ماء وسكر، ومن الساعة الثانية حتى الثالثة صباحاً نجري طواف على غرف الأطفال، ونراقب علامات ارتفاع السكر أو انخفاضه، وطريقة نوم الطفل، وتقلبه أثناء النوم، ونقوم بإجراء تحليل للأطفال، وهم نيام».

وتضيف الدكتورة "شعاع": «إن مثل هذا النوع من المعسكرات مفيد للأطفال المصابين، ويعلمهم كيفية التعامل مع المرض، والتأقلم مع إعطاء وحقن "الأنسولين" بشكل ذاتي، ويتعرف على أعراض ارتفاع وانخفاض السكر، ويشعر الطفل أنه طبيعي يستطيع القيام بمعسكرات بإشراف ورعاية طبية، ويعود لنا نحن الأطباء بفائدة كبيرة، من خلال كيفية التعامل مع الأطفال السكريين، لأنهم شديدي الحساسية وبحاجة إلى طريقة تعامل خاصة بهم، ونحن الأطباء كل يوم نجتمع ونتبادل الخبرات الطبية، ونتناقش بوضع الأطفال من ناحية الجرعات ومستويات السكر في الدم، ولماذا ارتفع السكر أو انخفض لدى أحد الأطفال؟».

والتقينا عدداً من الأطفال المشاركين في أعمال هذا المخيم، للحديث عن الخبرات المكتسبة والفائدة المرجوة من الالتحاق بمثل هذا النوع من المعسكرات.

تقول "نسرين محمد" /15/سنة: «منذ /8/ سنوات أشارك في المعسكر، والآن أنا مؤازرة، أعلّم الأطفال المشاركين كيف يأخذون الإبر لوحدهم دون مساعدة، وأساعد الكادر التمريضي بالحقيبة الإسعافية، ولأني أعاني من مرض السكري أشعر بالأطفال المصابين أكثر من غيري، ونحن في المعسكر سعيدين جداً، نتعرف على المرض، وكيفية التعامل معه، ونتعرف على أصدقائنا المصابين بالمرض، ونمضي الأوقات السعيدة، ونتكاتف مع بعضنا، ونتفق بأننا سوف نتغلب على هذا المرض، ونكون أقوى منه، ولن ندعه ينال من وجودنا في هذه الحياة».

أما "سجى الحسن" عمرها /22/ عاماً، وهي متطوعة ومؤازرة في المعسكر تقول: «أصبت بالسكري بالحادية عشرة من عمري، وشاركت بالمعسكر السكري عندما كنت في الخامسة عشرة، وحتى الآن أشارك بالمعسكر.

في البداية كانت مشاركتي كطفلة مصابة، مثلي مثل باقي الأطفال المصابين، وبعد معسكرين أصبحت منشطة، وبعدها مؤازرة متطوعة، وهذا بفضل الخبرة التي اكتسبتها في المعسكرات، وفي النادي السكري، ففي اجتماع النادي كل يوم سبت من الأسبوع، وهو عبارة عن محاضرات تثقيفية للأطفال والمؤازرين، وأنا أطالع دائماً لأكون على إطلاع على كل ما هو جديد في مجال هذا المرض، وأفيد غيري من المصابين، وأتابع على الانترنيت طبيبي في محافظة "دمشق"، وهو المسؤول المباشر عن البرنامج السكري، وهو مريض سكري أيضاً، عندما كان في الثامنة من عمره، والآن عمره /50/ عاماً.

أيضاً أتواصل مع الأطباء الموجودين في محافظة "الرقة"، ودائماً أقوم بنصح وتوجيه من حولي، ومن شدة اهتمامي بهذا المرض، كنت أتواجد في العيادة السكرية، وأقوم بالتثقيف الصحي لمرضى العيادة الجدد، وأنا الآن مدرسة موسيقى، وأقول لكل طفل وطفلة من أصابهم المرض أن لا يهتم له، فهو يستطيع أن يحيى حياة طبيعية فقط عندما ينتبه ويراقب نفسه، بأن يعرف متى يرتفع السكر، ومتى ينخفض، وطرق التعامل مع المرض في كلا الحالتين، وهذا لا يحتاج إلا لمتابعة لنصائح الطبيب، وحضور مثل هذا النوع من المعسكرات، فهو يقدم معلومات كافية ووافية عن المرض».

الطفلة "حلا محمد" /12/سنة، ثالث سنة تشارك بالمعسكر، ولها مشاركات سابقة بمعسكرات قطرية، تقول: «علمت من طبيبي المشرف عن قيام المعسكر، وفي الحال طلبت من أهلي المشاركة، أنا أشكر جميع المشرفين والمدربين والأطباء، لأنهم أتاحوا لي الفرصة بالتعرف على غيري من الأطفال المصابين بنفس مرضي، وعلى الجهد الذي يبذلوه لتعليمنا كيف نتغلب على مرضنا، وتعليمنا كيف نضرب الإبر بدون وجود الطبيب، ونتعرف على أعراض ارتفاع السكر وانخفاضه، وأنا أطبق النصائح بكاملها، وأتمنى أن يكون المعسكر يومي».