عرفت محافظة "الرقة" زراعة الأرز مرتين، الأولى في منتصف القرن العشرين، والثانية في سبعينيات القرن العشرين إبان انطلاقة مشاريع الري الحكومية، وبناء مزارع الدولة، ولكن لفترة محدودة سنقف على أسباب تراجعها وانحسارها.

وحول بداية زراعة الأرز في "الرقة"، تحدث الباحث "محمد العزو"، قائلاً: «الاعتقاد السائد أن أول معرفة أهل "الرقة" بزراعة محصول الأرز كانت على يد الأخوة المصريين الذين وفدوا إلى سورية إبان الوحدة بين سورية ومصر، ومن هنا حملت المنطقة المسماة بـ"خربة الرز" هذا الاسم، والتي تبعد عن مدينة "الرقة" نحو /85/كم شمالاً، ومع خروج المصريين تراجعت زراعة هذا المحصول لانعدام الخبرة الفنية الكافية لدى فلاحي المحافظة، وكون أهلها اعتادوا زراعة محصولي القمح والشعير، ولهم في ذلك خبرة ممتازة، إضافة لذلك اعتاد أهل "الرقة" على طبخ البرغل والفريكة، ولم يستسيغوا الأرز على موائدهم آنذاك.

يجب أن يكون معدل الري، رية واحدة في كل أسبوع، ويفضل أن تتم عمليات التسميد على مرحلتين بحيث تبدأ الأولى منها بوضع سماد "سلفات الأمونيوم" بعد ثلاثة أسابيع من الزراعة بمعدل /160/وحدة في الهكتار، ثم يتم التعشيب، وبعد ذلك بأسبوعين تضاف الدفعة الثانية من السماد بعد أن يكون النبات قد استفاد من الدفعة الأولى، أما عمليات الحصاد فتتم في شهر تشرين الأول. التجربة التي يجري تطبيقها الآن هي زراعة محصول الأرز في عشرة حقول إرشادية متوزعة في مناطق "الرقة"، وسيتم من خلالها تقييم التجارب اعتماداً على نتائجها، ومردودية المحصول للبحث في مدى إمكانية تعميم التجربة واعتمادها على نطاق أوسع

وقد أشارت التنقيبات الأثرية في تل "الصبي الأبيض"، نحو /60/كم شمال مدينة "الرقة" أنه في النصف الثاني من الألف الثانية قبل الميلاد، تم العثور على مستودعات الحبوب المتفحمة هناك، منها القمح والشعير والأرز، وباقي البقوليات الأخرى.

الباحث محمد العزو

وهناك رواية محلية يتناقلها أهالي "خربة الرز"، تؤكد أن أحد أباطرة الرومان، كان يستورد الأرز من مصر، ويوزعه على الجنود المنتشرين في المنطقة الشمالية من سورية، ويقومون بطبخه وأكله، لذلك حملت القرية المذكورة هذا الاسم، ولكن هذه الرواية ضعيفة جداً، لكن الثابت وجود هذا المحصول في منطقة أعالي "البليخ"، والمعتقد أنها كانت مستوردة من بلاد أخرى».

وحول تعثر زراعة الأرز في مواقع مزارع الدولة، تحدث المهندس الزراعي "علي الفياض"، رئيس قسم الثروة النباتية في زراعة "الرقة"، قائلاً: «لم تستمر زراعة الأرز في "الرقة" لفترة طويلة، وتعثرت في بداياتها، نتيجة اعتماد الفلاحين على ري المحصول بطريقة الغمر، التي أدت إلى تسبخ وتملح مساحات كبيرة من الأراضي، إضافة لانتشار البعوض والبرغش، وضعف إنتاجية الأراضي المزروعة نتيجة انعدام الخبرة الفنية اللازمة لدى الفلاحين والفنيين على حد سواء، والجهود المبذولة في الزراعة وملحقاتها.

المزارع محمد علي الدرويش الهويدي

أما التجارب التي توفرها زراعة "الرقة" بالتعاون مع عدد من الجهات المعنية بشأن تطوير هذا المنتج، فهي تسهم في تأمين قاعدة بيانات علمية، تؤكد أولاً على أهمية هذا المنتج، وتؤمن للفلاحين والمزارعين أنجع الطرق لخوض غمار هذه التجربة من جديد، بطريقة الزراعة الهوائية الجافة، وقد جاءت النتائج مبشرة، وأعتقد أنه في الموسم القادم سيتم تعميم هذه التجربة على كثير من الحقول، نظراً لمردوديتها الإنتاجية العالية.

وفي هذا الإطار نفذت دائرة الإرشاد الزراعي، ومركز البحوث العلمية الزراعة في "الرقة" بالتعاون مع منظمة الزراعة والأغذية "الفاو" يوماً حقلياً مركزياً عن زراعة الأرز بالطريقة الهوائية الجافة بالري غير المغمور في أحد الحقول الإرشادية في مزرعة "الأسدية"، شمال مدينة "الرقة" بنحو /7/كم، وقد حضره عدد من المهندسين والفنيين الزراعيين والمزارعين والفلاحين من محافظات "الرقة" و"الحسكة" و"دير الزور"».

جانب من اليوم الحقلي لزراعة الأرز

وتحدث الدكتور "عبد العظيم الطنطاوي بدوي" رئيس مركز البحوث الزراعية الأسبق في مصر، ونائب رئيس اللجنة الدولية للأرز عن أهمية الاتجاه نحو زراعة الأرز بالطريقة الهوائية، قائلاً: «تتجه البلدان لزراعة هذا الصنف بطرق زراعية عدّة لتوسيع قاعدة المحاصيل الإستراتيجية، وهنا تتجلى ضرورة تبني المزارعين لزراعة أصناف حديثة عن طريق الاستخدام الأمثل لمصادر المياه المتوفرة بالإضافة لبناء الخبرات الفنية، وزيادة المهارات لدى المزارعين، وتقديم الخدمات الإرشادية في مجال زراعة الأرز، وتدريب الباحثين، والإرشاديين والمزارعين لنشر زراعة الأرز في الدول التي لا تنتج هذا المحصول الهام.

هناك عدة طرق لزراعة الأرز منها الأرز المروي، وله عدة أصناف مثل الأرز المرتفع الذي يزرع في الجبال، ويعتمد على مياه الأمطار، وأرز الأراضي المنخفضة، والغدقة الذي تركد فيه المياه، والأرز العائم الذي يزرع في البحيرات، وأخيراً توصلت مراكز البحوث الزراعية إلى زراعة الأرز بالطريقة الهوائية الجافة، والذي هو هجين بين الأرز المرتفع المعتمد على المطر، والأرز المروي عالي الإنتاجية، وقامت بانتخاب أصناف متعددة منه لتكون متحملة للجفاف».

وأضاف "الطنطاوي": «إن أسهل طرق لزراعة الأرز بالطريقة الهوائية تعتمد على زراعة بذرة جافة في أرض جافة بعد التسوية الجيدة بالليزر، واختيار الصنف "جيزا 178" لزراعته في الحقول الإرشادية في سورية، وهو صنف ياباني هندي قصير الحبة، ومبكر في النضج، ولا يحتاج إلى كميات مياه كبيرة للري، ويتم تحديد موعد زراعته في أواخر شهر حزيران، ومدة زراعته حتى الحصاد لا تتجاوز /120/ يوماً.

يجب التأكيد على أهمية الحرص الشديد في تنفيذ العمليات الزراعية، والتعليمات الفنية في زراعة محصول الأرز بعد حراثة الأرض، وتنعيمها، وتحديد كمية البذار بواسطة البذارة الآلية بـمعدل /15/ كيلوغراماً للدونم الواحد، وأن يتم زراعة البذار بعمق/2/ سم للبذرة على خطوط بتباعد /20/ سنتيمترا بما يعطي كثافة نباتية تقدر بنحو /400/ سنبلة في المتر المربع، ويتوقع منها إنتاج حوالي /9/ أطنان في الهكتار الواحد».

ويتحدث "الطنطاوي" عن آلية التسميد والري والتعشيب، قائلاً: «يجب أن يكون معدل الري، رية واحدة في كل أسبوع، ويفضل أن تتم عمليات التسميد على مرحلتين بحيث تبدأ الأولى منها بوضع سماد "سلفات الأمونيوم" بعد ثلاثة أسابيع من الزراعة بمعدل /160/وحدة في الهكتار، ثم يتم التعشيب، وبعد ذلك بأسبوعين تضاف الدفعة الثانية من السماد بعد أن يكون النبات قد استفاد من الدفعة الأولى، أما عمليات الحصاد فتتم في شهر تشرين الأول.

التجربة التي يجري تطبيقها الآن هي زراعة محصول الأرز في عشرة حقول إرشادية متوزعة في مناطق "الرقة"، وسيتم من خلالها تقييم التجارب اعتماداً على نتائجها، ومردودية المحصول للبحث في مدى إمكانية تعميم التجربة واعتمادها على نطاق أوسع».

وتحدث المزارع "محمود الحمود" مالك الحقل الإرشادي في مزرعة "الأسدية"، قائلاً: «تعرفت على الخطوط العريضة لزراعة محصول الأرز، وأبديت استعداداً كبيراً لكي تنفذ زراعة هذا المحصول الهام في أحد الحقول التي أملكها، حيث تمت فيه تجربة زراعة الأرز، وتنفيذ اليوم الحقلي فيه، وقد قمت بزراعة صنف الأرز "جيزا 178" في مساحة هكتار واحد بتاريخ /26/6/2011 بمساعدة الفريق الفني من مركز البحوث الزراعية في "الرقة"، وقد طبقت التعليمات الزراعية الفنية الموصى بها من قبل المشرفين، وذلك بعد إجراء تحاليل التربة، وتسوية الأرض بالليزر، وإضافة الأسمدة الكيماوية، وفق النسب المحددة، وإضافة المبيد الخاص بالأعشاب الرفيعة، وإزالة الأعشاب العريضة باليد، وقد التزمت بري النبات مرة واحدة كل أسبوع، ولم يتعدى عدد الريات الممنوحة خمس ريات، ووصلت نسبة الإنبات في حقلي إلى حدود /100/ بالمئة، وحالة النبات ممتازة حتى الآن».

كما تحدث المزارع "محمد علي الدرويش الهويدي"، قائلاً: «أعتقد أن الموسم الزراعي القادم سيشهد توسعاً كبيراً بزراعة محصول الأرز، نظراً لارتفاع معدل الإنتاج في وحدة المساحة، وأيضاً ارتفاع سعر المنتج الذي يضاهي القمح وغيره من الأصناف الأخرى.

بالنسبة لي أسعى لأن أزرع هذا المحصول ضمن مساحة محددة، وعلى ضوء النتائج التي سأصل إليها، ستتضاعف المساحة إن كان العائد الربحي جيداً، والجهد المبذول ووسائل الإنتاج أقل كلفة، ومن خلال ما سمعته، فإن زراعة الأرز بالطريقة الهوائية الجافة التي تعتمد ريات قليلة، تسهم في توفير المياه وعائدها الإنتاجي عالي المردود، وهو يفوق ما تنتجه الأرض من القمح أو غيره من المحاصيل، إضافة إلى أن مدة زراعته قليلة».