صوف الأغنام، البردي، شعر الحيوانات وأوبارها هي المواد الطبيعية التي اعتمدت عليها النساء في ريف "الرقة" لصناعة السجاد والبسط والأرائك والمناضد على نول يدوي، بالنسبة لهن هي للاستخدام المنزلي، لذلك يتبارين في إخراجها بأجمل صورة، وبالنسبة للخبراء هي قطع تنتمي إلى الفن والتراث العالميين.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 6 أيلول 2014، السيدة "فوزية إبراهيم" إحدى النساء اللواتي امتهنَّ هذه المهنة في "الرقة"، لتقول: «تعد صناعة البسط والسّجاد اليدويّ من الحرف التّقليديّة العريقة التي نبعت من واقع الحياة البدويّة والرّيفية، وارتبطت دوماً بمهنة الرّعي والزّراعة، وتعد صناعة البسط من أقدم الحرف التي عرفها التاريخ، فربما لا يستطيع أحد أن يدرك مدى الجهد والصعوبة والدقة العالية، حيث تعقد قطب محددة من الخيوط الصوفية الملونة على خيوط "السداء"، وذلك بالاعتماد على مخطط مرسوم بطريقة التنقيط الملون الدقيق، حيث إن كل نقطة تشكل قطبة وتثبت بدقة، وتحبك أواخرها على شكل طرر "كُفَّةُ الثّوْبِ" لمنع انفلاتها، ليخرجه صانعوه بأشكال وأحجام وألوان وتصاميم مختلفة بالغة الجمال».

تشكل حرفة صناعة البسط مصدراً مهماً لدخل الأسرة، فهي من التقاليد العريقة التي نبعت من واقع الحياة البدوية والريفية، التي تعاني كما غيرها من ارتفاع الأسعار، ولتأمين متطلبات الحياة لأفراد أسرتي؛ اتخذت من منزلي معملاً لحياكة البسط وبيعها، لأساعد زوجي في تأمين عائد مادي لأسرتي

وبينت السيدة "ابتسام العبد الله" التي عاشت في ريف "الرقة" بالقول: «تميزت نساء الريف في "الرقة" بالمشغولات اليدوية، وانحصرت هذه الأعمال في ريف المحافظة، فتنقش الرسوم الجميلة على الوسائد والأرائك والزروب والسجاد والبسط، حتى أصبحت بعضها تعلّق كلوحات تزين جدران البيوت والمحال، كنوع من ذاكرة التراث، حيث تنسج السجاد على أنوال يدوية، ومادتها الرئيسية الصوف، أو الشعر الحيواني للبسط».

أشكال من البسط المعلقة على الجدران

وتضيف: «كانت النساء "الرقّيات" يتبارين في تزيين أطراف الوسائد والمخدات بالزخارف النباتية والحيوانية الجميلة، من خلال تطريزها يدوياً بالألوان الزاهية بأسلوب شعبي جذَّاب؛ غاية في البساطة والجمال، وكنَّ يتسابقن في اقتناء البسط الصوفية، التي أتقن الحُيَّاك الرقيون تلوينها وزخرفتها كالبساط "العبيدي" و"الرشواني" و"العجمي"، وكنَّ يتفاخرن بجمعها؛ لما تضفيه هذه المنسوجات الملونة من جمالٍ على بيوتهن».

الباحث في التراث الفراتي "خالد الحسين" قال في ذات السياق: «يعتمد سكان "الرقة" في معيشتهم بشكل أساسي على تربية الثروة الحيوانية، وخاصة الأغنام، وهذه المهنة تفرض ميزة خاصة على حياتهم، وجاءت الصناعات التقليدية في المحافظة لتؤكد الارتباط الوثيق بمتطلبات الحياة السائدة وأنماطها، وكانت عملية النسج تتم في طقوس جماعية، حيث تجتمع النسوة الريفيات في أول فصل الخريف، ويبدأن غزل شعر الماعز لينتجن منه مشغولات تناسب احتياجاتهن، ومن ضمنها صناعة البسط والسجاد».

الباحث "نوري علاوي" قال أيضاً: «من الصناعات التي اشتهرت بها "الرقة" صناعة "الزروب"، وهي تستخدم كحواجز داخل بيوت الشعر، وتُصنّع من عيدان البردي الموجودة على ضفاف "الفرات"، ومن المنتوجات التي تصنعها "الرقة" كذلك "البسط"، ومادتها الأولية صوف الأغنام، حيث يتم صبغها بألوان متعددة، ومن ثم تُنسج بالنول اليدوي، وتتميز بتعدد أصنافها، ويستخدم البساط في "الرقة" كنوع من الزينة؛ يتوضع على جدران المنزل لكونه أصبح من التراث وأسعاره غالية الثمن، أما في الريف فما زال يستخدم بديلاً من السجاد، كما يستخدم في بيوت "الشعر" والمضافات، وفي المهرجانات التراثية والفلكلورية، وتوضع المخدات والمساند المصنوعة من قماش البساط المحشو بالصوف أو القطن في المضافات العربية حول البساط للاتكاء عليها».

وتشير السيدة "هنوف العلي" إحدى العاملات في صناعة البسط بالقول: «تشكل حرفة صناعة البسط مصدراً مهماً لدخل الأسرة، فهي من التقاليد العريقة التي نبعت من واقع الحياة البدوية والريفية، التي تعاني كما غيرها من ارتفاع الأسعار، ولتأمين متطلبات الحياة لأفراد أسرتي؛ اتخذت من منزلي معملاً لحياكة البسط وبيعها، لأساعد زوجي في تأمين عائد مادي لأسرتي».

أحد بسط الأرضيات

وتضيف: «هناك الكثير من العائلات التي تفضل اقتناء البساط الطبيعي لعدم احتوائه على الملونات الصناعية، ولعدم إدخال آلات الحياكة الحديثة وعدم استخدام خيوط "النايلون" إليها، وهذا ما يعطي حرارة في الصيف وبرودة في الشتاء على عكس البساط الذي أنتجه فهو يشكل مصدراً للدفء في الشتاء وبرودة في الصيف، وهناك الكثيرون من الأشخاص ممن عادوا إلى التراث من خلال استخدام البسط كزينة في المطاعم والبيوت القديمة الأثرية، وحتى الحديثة منها».