يحدث في "الرقة" أن تمشي في نفس الطريق التي مشى فيها "هارون الرشيد" قبل مئات السنين، هناك يفرض الماء شروطه على الحياة، بساط أخضر يمتد على ضفتي "الفرات" يهب عليه هواء عليل، كل هذا وأكثر جعل منها نقطة توزع الحضارة على خريطة العالم منذ العصر الآرامي وحتى اليوم.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 7 أيلول 2014، الباحث "عيد الدرويش" من أهالي "الرقة"، الذي قال عنها: «مدينة "الرقة" جنة الفرات ودرة النهر الخالد وبوابة الجزيرة السورية وبلاد ما بين النهرين، في شطرها الشرقي منتهى جنة عدن، وفي شطرها الغربي مسكن الإنسان الأول، إنسانها اليوم يفرض سلطانه على نهر "الفرات" الجبار ويحد من عشوائية جريانه بوضع العقبات في طريق تدفقه ليجمع مياهه قسراً في بحيرة تمنح الحياة للقفار، وتحيل الصحراء جنات وارفة الظلال والبادية حدائق غناء، أما مناخها فلطيف، هواء عليل يهب نسمات هفهافة تهديها بحيرة "الأسد" أنفاساً ندية تنعش الجسد وتفرح القلب، أمطارها تبعث الحياة في ربيعها لينفرش بساطاً أخضر فوق رمال البادية العطشى».

تتميز مدينة "الرقة" السورية بأنها مدينة قديمة ومهمة وذات موقع سياحي جذاب، حيث نهر "الفرات" وسده الكبير بجانبها، وحيث بحيرته الضخمة، وقلعة "جعبر" في وسطها تعطي جميعها منظراً بديعاً ولوحة أخاذة لمدينة عريقة

ويضيف: «تتميز مدينة "الرقة" السورية بأنها مدينة قديمة ومهمة وذات موقع سياحي جذاب، حيث نهر "الفرات" وسده الكبير بجانبها، وحيث بحيرته الضخمة، وقلعة "جعبر" في وسطها تعطي جميعها منظراً بديعاً ولوحة أخاذة لمدينة عريقة».

الباحث عيد الدرويش

ويشير الباحث الدكتور "وليد مشوح" في كتابه "حضارة وادي الفرات"؛ بالقول: «تقع "الرقة" على ضفة نهر "الفرات" الشرقية وسط زاوية التقاء نهر "البليخ" بالفرات على بعد 13كم، في بقعة تاريخية ملأى بآثار الحضارات القديمة آرامية وهيلنستية ورومانية وإسلامية، ويقسم جغرافيو العرب الجزيرة الفراتية إلى ثلاثة ديار: ديار "ربيعة" وقاعدتها "الموصل"، و"ديار بكر" قاعدتها "آمد"، و"مضر" قاعدتها "الرقة"، وتعد "الرقة" من صميم الجزيرة؛ بل هي قلبها النابض منذ أقدم العصور إلى اليوم، وتاريخ "الرقة" يمثل تاريخ الجزيرة وصلة "الرقة" بالعرب، وصلة العرب بها قديمة تعود إلى قرون ما قبل الإسلام».

ويضيف: «كانت "الرقة" من أهم مدن الجزيرة الفراتية، وإحدى المدن المهمة الشهيرة في وادي "الفرات" والقاعدة القديمة أو العاصمة لديار "مضر"، أحرزت منذ القدم أهمية تدين بها إلى حسن موقعها الجغرافي على النهر العظيم في نقطة متوسطة منه، وموضع تقاطع الطرق التجارية المتجهة من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب، جعل منه محطة تجارية مهمة بين الجزيرة الفراتية والشام والعراق وأرمينية وآسيا الصغرى والبحر الأبيض المتوسط، كما تدين بأهميتها إلى امتداد أراضيها الخصبة وسهولة إروائها ووفرة مياهها، واتساع مراعيها التي كانت تغذي أنعامها العديدة، تبلغ مساحة "الرقة" خمسة وعشرين ألف كيلو متر مربع من أجود الأراضي، وتربى فيها مختلف الحيوانات الأهلية العديدة».

الخضار في الرقة

ويؤكد الباحث "عمر صليبي" في كتابه "لواء الزور" عمق المد التاريخي للمدينة بالقول: «عرفت مدينة "الرقة" باسم "الرشيد"، لأنها كانت تشكل العاصمة الثانية للدول العباسية في عهد الخليفة العباسي "هارون الرشيد"؛ الذي جعلها مقراً لإقامته وعمله في كثير من الأحيان، حيث أحبها حباً كبيراً وترك فيها آثاراً مهمة؛ من قصور ومبان ومساجد، وعاشت المدينة في عهد "هارون الرشيد" فترة ازدهار ونشاط كبيرين في كافة المجالات».

ويضيف: «تاريخ "الرقة" في العصور القديمة ما زال مجهولاً، وأهم ما يتميز به تاريخها أنها كانت مركزاً عسكرياً ممتازاً غنياً بخيراته، وبعدد سكانه وبطرقه البرية والمائية وتوسطه من أصقاع عدة، وقربه من البحر الأبيض المتوسط، في العصر الآرامي كانت "الرقة" عبارة عن إمارة آرامية تدعى "بيت آدين" وكانت عاصمتها "تل برسيب"، وذلك في القرن الحادي عشر والعاشر والتاسع قبل الميلاد، أما في العهد الإغريقي فقد عرفت "الرقة" باسم "نيكفوريوم"، إذ بناها "الإسكندر الكبير" حين اجتاز "الفرات" قبل "أربيل"، وسميت "قالينيقوس" باسم "سلوقس الثاني كلينيكوس"؛ الذي أسس مدينة جديدة أو جدد المدينة القديمة ما بين 244-242 ق.م، وفي العهد الروماني سميت الرقة "كالينيكيوم" نسبة إلى الإمبراطور "غالينوس" المتوفي سنة 266 بعد الميلاد. وتقع المدينة الرومانية شرقي باب "بغداد" القائم حالياً في "الرقة"، ولم يبق لها أثر، وفي عهد الإمبراطور "جوليان" كانت الرقة "كالينيقوس" حصناً منيعاً في وجه الفرس، ومركزاً تجارياً مهماً».

الرقة من غوغل إيرث

ويبين "صالح الحجي" من أهالي "الرقة"، بعض العادات الاجتماعية الحاكمة بالقول: «من عادات أهل "الرقة" الاحتفاظ "بسرّة" المولود بعد قطعها، ليقوم والده أو والدته إلى رميها أو طمرها بالتراب، وفي سياق آخر تلعب النساء الدور الأكبر في ترتيب إجراءات الخطبة، من خلال التقريب بين وجهات النظر، والتعريف بالبنات اللواتي أصبحن في سن الزواج، ولا يوجد أي دور للخطّابة في مجتمعنا، لأن المجتمع الرقي منفتح، ويعرف الناس بعضهم بعضاً، وبالتالي فإن أمور الخطبة والزواج تتم من خلال تعارف مباشر بين أهل العريس والعروس، ومن العادات التي لا تزال متبعة في مجتمعنا "ربط القدمين" للأطفال لفك عقدة المشي».

وختم: «لا تزال تحتفظ بالكثير من العادات والتقاليد الأصيلة من كرم وشهامة، إضافة إلى مأكولاتها الرئيسية التي لم ولن تستغني عنها "تهرت" "الرقة" قديماً، وما زالت تشتهر بـ"المنسف الرقي والثريد والسياييل"؛ وهو قطع الخبز المقطعة والمسكوب عليها السمن العربي والحليب».