اختارت الشعر الموزون لإيمانها بأن لموسيقاه أثراً وثيق الصلة بالروح، فبحروفه عبرت عن الحالة الوجدانية بأسلوب جميل، تعدّ الشاعرة والطبيبة "مرام النسر" القصيدة بمنزلة الهواء الذي تتنفسه، خطت كلمات وحصدت جوائز عدة.

مدونة وطن "eSyria" تواصلت مع الشاعرة "مرام دريد النسر" بتاريخ 11 نيسان 2019، لتحدثنا عن مسيرتها الأدبية: «بدأت كتابة الشعر في مرحلة مبكرة من عمري، وجاء ردة فعل على كاتب وأديب آمن بموهبتي وشجعني على القراءة والتوثيق، وكان لأبي -رحمه الله- فضل عظيم علي، فقد أولى اهتمامه لكتاباتي وعرفني على المعنيين بالشأن الثقافي، وكان يرى أنه باستطاعتي أن أطور نفسي وأكون متميزة على الصعيد العلمي والأدبي معاً، فكان لبيئتي التي نشأت فيها أثر كبير في غنى تجربتي الأدبية وصقلها، فالأديب ابن بيئته فقد ولدت على ضفاف نهر "الفرات"، وشربت من مياهه العذبة وتغنيت به، كنت أمضي ساعات طويلة أقرأ الكتب، وأنا مستمتعة بمنظره كان ساحراً إلى درجة أن الكلمات مهما علا شأنها لن تفيه حقه، ومع الأيام انطلق لساني وبدأت أنظم الشعر وأرسل الحروف عبر الأثير لأسمع صداها عبر الأمواج المترامية أمامي، في البداية كنت أصب اهتمامي على القيم والفضائل العليا حتى وقعت في فخ النمطية والرتابة، لكن بعد أن اكتشفت مدى العمق الذي يتمتع به الشعر وأي فضاء بإمكانك أن تسبره في حال نظرت إلى ما وراء الطبيعة لتخرج كلماتك بانسيابية صادقة وعفوية، كما كان للحب أثره الكبير في نفسي ولا سيما في مرحلة المراهقة، وبالنسبة لكتاباتي، فالقصة سبقت كتابتي للشعر، وبعد أن قرأت العديد من الأشعار بدأت أعود أذني على موسيقا الشعر، وتلقيت دروساً بالعروض، وتعلمت بحور "الخليل" جميعها، حيث انضممت إلى زملائي في الصف الثالث الثانوي الأدبي، أمسكت برأس الخيط لأكون شاعرة وأنظم الشعر الموزون المقفى الأقرب إليّ، لإيماني بأن للموسيقا الشعرية أثراً وثيق الصلة بالروح، ومهما بلغ النثر من قيمة جمالية، فإنه لا يطرب كما يفعل الشعر، ولا سيما إن كان ذا محتوى يوازي الشكل الإبداعي المحكم، فالشعر كلام موزون مقفى يعبر عن الحالة الوجدانية بأسلوب جميل، ويكون بذلك قادراً على التأثير في المتلقي وجذب اهتمامه، والقراءة هي المفتاح الذي يفتح أمامك جميع أبواب الدنيا ويوصلك إلى عوالم خلاقة تضعك أمام مواقف إنسانية وتجارب عديدة تسهم في بناء شخصيتك المتفردة والفريدة، ومن خلال قراءاتي تأثرت جداً بالشعراء "نزار قباني" و"بدر شاكر السياب" و"نازك الملائكة"، فقد أحببت الانسيابية العالية في أشعارهم، وأرى أن كل شاعر من هؤلاء مدرسة بحد ذاتها».

يطيب لك الغناء على جراحي... كأني قد فطرتُ على الرماح يطيب.. ولست أدري كيف أمضي... السنين وأنتَ رهن للرياح بلا جدوى نسير وأنت تدري... بأنك لن تحن لغير راحي لماذا لم يعد في البال إلا... ظلالك وانكفا عني صباحي؟ أعد لي ثوب أحلامي ودعني... أحلق في السماء بلا جناح

وعن الأنواع الأدبية التي كتبتها، تابعت: «أفضّل الشعر المجنح البعيد عن أسوار الواقع وقيوده، وأميل إلى الشعر العاطفي الوجداني أكثر من باقي الأنواع الأدبية، فأغلب شعري كان تصويرياً يتناول الحب والحبيب، وبالنسبة للنقد فأنا لم أكتب النقد، لكن داخل كل أديب ناقداً يقيم كتاباته الأدبية، فكنت حريصة على حضور جميع الندوات الثقافية والمساهمة في الجلسات النقدية التي تليها لتسليط الضوء على أهم النقاط فيها، فالنقد يعني لي الكثير وهو سبيل لرفع مستوى أي عمل أدبي، أضف إلى أنه لا بد للدراسة أن تلقي بظلالها على الكاتب؛ ففي الطب تصادفنا حالات كثيرة تكون شرارة لقصيدة جديدة تحاكي تجربة إنسانية مرت علينا وعلى المريض وأهله، فبالنسبة لي علاقة الطب بالأدب كعلاقة الروح بالجسد؛ لا يمكن لأحدهما أن يستغني عن الآخر إلا بالموت».

من مشاركتها في مسابقة "أمير الشعراء"

وعن مشاركاتها وجوائزها، أضافت: «شاركت بمسابقة "أمير الشعراء" الموسم السابع، ووصلت إلى مرحلة العروض المباشرة، فمن خلالها تعرفت إلى تجارب وبيئات مختلفة وأنواع جديدة للكتابة، وتمثّل هذه المسابقة نقلة نوعية لأي شاعر يبحث عن الوصول إلى أكبر عدد ممكن من محبي الشعر، وخصوصاً أنها تضع تجربته أمام الناس جميعاً ليتمعنوا ويحكموا عليه وعلى زملائه من باقي الأقطار، هي مسابقة لتسليط الضوء على الشاعر ليأخذ مكانه الذي يستحقه، وتثبت للعالم أجمع أننا كعرب ما نزال نحتفي بالشعر ونعدّه رمزاً لحضارتنا ووجودنا، وشاركت بمسابقة "أمير البيان" في "إيران" ومسابقة "شعراء الشام" في "سورية"، وفزت بمسابقة "عربيتي كيف أهواها" على مستوى جامعة "دمشق"، وحصلت روايتي "سحر عانق الأبد" على جائزة "نزار قباني"، وحققت المركز الثالث عام 2017، وصدرت لي أيضاً مجموعات شعرية بعنوان: "مراميات"، و"البيان" عام 2015».

وعن المنتديات الأدبية ومواقع التواصل الاجتماعي حدثتنا: «تسهم المنتديات الأدبية بتنشيط الحركة الثقافية؛ وخصوصاً أننا اليوم بصدد الثورة الثقافية التي تحيي الكثير من البذور النائمة في الصدور وتعيد الأمل إلى الأدب بالانتشار والتأثير الفاعل عبر مواقع التواصل الاجتماعي التي تلعب دوراً كبيراً في تقريب البعيد، وتسهم في تعرف الأديب بأعمال أدباء جدد في مختلف الأقطار والاستفادة من تجاربهم ومعارفهم، لكنها لا تغني عن التماس المباشر مع الشعراء والأدباء من خلال المهرجانات والمسابقات والملتقيات».

من إنتاجها الشعري "مراميات"

ومن أشعارها:

إحدى الأمسيات في ثقافي "أبو رمانة"

«يطيب لك الغناء على جراحي... كأني قد فطرتُ على الرماح

يطيب.. ولست أدري كيف أمضي... السنين وأنتَ رهن للرياح

بلا جدوى نسير وأنت تدري... بأنك لن تحن لغير راحي

لماذا لم يعد في البال إلا... ظلالك وانكفا عني صباحي؟

أعد لي ثوب أحلامي ودعني... أحلق في السماء بلا جناح».

عن تجربتها الأدبية الشاعر "إبراهيم فهد منصور" قال: «تقدم الشاعرة "مرام النسر" قصائدها بالشعر الموزون، ويتميز شعرها من حيث الشكل بغنائية ظاهرة وثرية؛ باعتبارها تكتب القصيدة العمودية على أوزان "الخليل"؛ وهذا يحسب لها مع لجوء أغلب الأصوات الأنثوية السورية إلى قصيدة النثر، كما يغلب على معانيها الطابع الوجداني والغزل الشفيف، وهذا ما يندرج ضمن تجربة خاصة ومتميزة استحقت عليها كل تقدير، فقد استطاعت أن تخط طريقها الأدبي بكل جرأة وثقة، وتثبت نفسها في الساحة الأدبية».

يذكر، أن الشاعرة "مرام دريد النسر" من مواليد مدينة "الثورة" بمحافظة "الرقة" عام 1994، وهي طبيبة وشاعرة، ومقيمة في "دمشق".