استطاعت "قفطانية الصحناوي" أن تحول حلمها إلى واقع ملموس؛ عندما أسست مركزاً للحرف والأشغال اليدوية وفّر فرص عمل لأربعين أسرة، ومورداً مادياً جيداً بعد تدريبهن وتسويق منتجاتهن.

مدونة وطن "eSyria" التقت "قفطانية الصحناوي" في "سوق الصاغة العتيق" بمدينة "شهبا" يوم الثلاثاء الواقع في 3 آذار 2015، التي تحدثت عن نواة مشروعها بالقول: «انطلق المشروع فعلياً قبل ثلاث سنوات من خلال المنزل، فلم تكن الإمكانيات المادية تسمح لي بالتفكير في اقتحام السوق مباشرة، فأسست لورشة صغيرة في منزلي برأسمالٍ زهيد، متيقنة أن العلم الذي لم أنل منه ما يشفي غليلي قد أعوضه بعملي وفي التأسيس لأبنائي الذين يجدّون في علمهم ويحققون أحلامهم ويزرعون أيامي بالأمل، وبكثير من الإرادة والسعي الجاد لتجاوز الظروف الصعبة التي رافقتني مع مرض زوجي وغربته الدائمة عن المنزل لتأمين احتياجاتنا انطلقت، وباتت هذه الورشة الصغيرة اليوم باباً واسعاً للكثيرات من النسوة المحتاجات والباحثات عن الاستقرار والعمل المثمر».

أن أهمية العمل الذي تقوم به ينبع من كونه يعيل العديد من الأسر المحتاجة ويلمّ شمل عدد كبير من الشابات اللواتي بحثن طويلاً عن مكان لاستثمار طاقاتهن وإيجاد مصدر رزق لهن، إضافة إلى ما يعمل عليه من حماية للتراث التقليدي. ونحن نسعى في اتحاد الحرفيين لتوفير كل دعم ممكن لمشروعات إنتاجية مشابهة لما تقدمه من خدمة جليلة للمجتمع والأفراد على حد سواء

وتابعت تصف خطوتها الأولى: «حاولت أن أوظف كل ما أملكه من خبرة تعلمتها من والدتي عندما كنت أراقبها أثناء الطفولة في قريتنا "بارك"، ومن الحياة بعد ذلك في مجال العمل اليدوي لأحقق تحولاً نوعياً في حياتي وأتدارك قلقي من المستقبل، حيث بدأ المشروع يدر عليّ دخلاً جيداً راح يتزايد مع مرور الوقت، فقررت أن أنتقل بالورشة الصغيرة إلى أفق جديد يحقق لسواي ما حققه لي؛ متسلحة بما تمتلكه المرأة من قدرة على البذل والعطاء وإيجاد الطرائق المبدعة لتغيير الواقع المعاش. ولا أنكر دور الذين ساعدوني في تحقيق هدفي من خلال رؤيتهم الصحيحة لما أريد القيام به، خاصة أنني كنت دوماً حريصة على إحياء الحرف التراثية التقليدية الجميلة التي تمثل فترات طويلة من ماضينا، وهي قادرة على الاستمرار من خلال إعادة صناعتها وعدم التفريط بها، ومن هنا قام كل من اتحاد الحرفيين في المحافظة ومجلس مدينة "شهبا" بتقديم التسهيلات اللازمة للنهوض بالمشروع؛ حيث تم توفير مقر المركز بسعر رمزي ومنحي الترخيص القانوني اللازم لتكون البداية الفعلية».

قاعة الصناعات التقليدية

بدأ العمل الجدي في المركز الجديد من خلال قيام "الصحناوي" ببث الروح في السوق العتيق وجعله مكاناً يعج بالحياة والحركة المستمرة؛ مستقطبة العديد من النساء والشابات الباحثات عن عمل مثمر، وقالت: «كانت تلك الشابات والنسوة ينتظرن المبادرة للعمل، وخلال هذه السنوات القليلة وفرت فرص عمل لأكثر من 40 امرأة من ربات البيوت ومعيلات الأيتام وذوات الاحتياجات الخاصة من الطامحات بتحسين وضعهن المعيشي واستثمار طاقاتهن للتحول إلى مُنتِجات، وقد قمت بمساعدة من بناتي الثلاث القيام بتدريب الراغبات بالعمل وفي بعض الحالات كنت ألجأ إلى سيدات متمرّسات في هذه الأعمال للقيام بالتدريب، حيث قمنا بصناعة أطباق القش التراثية، وكل أنواع الحياكة وصناعة المجسّمات والأعمال الفنية بالسيراميك الطبيعي، إلى جانب تصاميم الصوف الملوّن المشغولة على الخام، وأعمال الشك والتطريز والشغل بالصنارة، والخبز العربي والشغل على النول، وإعادة صناعة المكانس على الطريقة القديمة، وكنا نستقبل كل فكرة جديدة قديمة لإعادة بث الروح فيها، ويحتوي المركز الذي تم تقسيمه إلى عدة أجنحة على عددٍ كبيرٍ من المقتنيات التراثية، إضافة إلى قاعة لتدريب الراغبات بالعمل على مختلف الأشغال الحرفية؛ حيث يحصلن في نهاية التدريب على شهادة حرفية مصدقة من مديرية الصناعة واتحاد الحرفيين، وقد وصل عدد المتدربات فيه حسب إلى 220 امرأة منذ انطلاقة المشروع».

وحول الجدوى الاقتصادية لمشروعها أشارت: «لقد قلب المشروع حياتنا رأساً على عقب، وبتنا موضع اهتمام الناس الذين يعرفون ما نقوم به، وتحسّن دخلنا الشهري بصورة كبيرة وخاصة بعد أن بتنا نقدم مختلف أصناف الفنون اليدوية بجودة عالية وأسعار مناسبة ترضي كل الأذواق، وهو ما انعكس في الوقت نفسه على جميع النسوة العاملات معي، أو تلك اللواتي بات لهن عملهن الخاص وانطلقن في البحث عن الرزق، وقمت بالمشاركة في مختلف المعارض والمهرجانات بهدف الترويج لمنتجات المركز وتسويقها؛ وهو ما يعود عليهن بأرباح مادية والتسويق لعملهن الخاص».

متدربة على ماكينة الخياطة

وتعمل "إيمان سيف" اليوم في المركز كمدربة للحرف التقليدية، وهي التي باتت مع الوقت لها عملها الخاص وورشتها الصغيرة في منزلها بقرية "عرى"، وقالت: «تعود معرفتي بهذه السيدة إلى وقت بعيد، وقد اكتسبت الكثير منها وانطلقت في العمل واشتركت بكثير من المعارض والأسواق، وتمكّنت من التحوّل إلى شخصِ منتج بعد بحث طويل عن عمل ملائم، وشعرت بأنني قادرة على مواجهة الحياة وظروفها المتقلبة بعد البدء بتحقيق مردود مادي لعملي في المركز كمدربة وكمنتجة من عملي الخاص على الرغم من قلة المردود في البداية إلا أنه أخذ يتزايد تدريجياً بالتوازي مع بذل المزيد من الجهد والتركيز على التفاصيل الدقيقة في المنتج اليدوي، وكنت مع بدء أي مهرجان أو سوق شعبي أقوم بصنع الأكلات الشعبية من "مغربية" و"الكشك" و"اللزقيات" لزيادة دخلي، وكل ذلك ناتج عن الأفكار المشتركة التي تبثها فينا».

من جهته أشاد "ناجي الحضوة" رئيس اتحاد الحرفيين في "السويداء" بالمشروع الذي نهضت به "الصحناوي"، وأكد: «أن أهمية العمل الذي تقوم به ينبع من كونه يعيل العديد من الأسر المحتاجة ويلمّ شمل عدد كبير من الشابات اللواتي بحثن طويلاً عن مكان لاستثمار طاقاتهن وإيجاد مصدر رزق لهن، إضافة إلى ما يعمل عليه من حماية للتراث التقليدي. ونحن نسعى في اتحاد الحرفيين لتوفير كل دعم ممكن لمشروعات إنتاجية مشابهة لما تقدمه من خدمة جليلة للمجتمع والأفراد على حد سواء».

الشراشف النسائية وصناعتها في المركز