من المخازن أخرجت "بوابير" الكاز لتوضع بين يدي من يصلحها، حيث تعاد صيانتها وتضاف إليها قطع جديدة لتعود إلى المطابخ وتصم آذان السامعين، وتأخذ مكان أفران الغاز في ظل ندرة المحروقات.

في قرية "الثعلة" وفي ورشته الكبيرة استقبل "كمال العبدالله" الحرفي المعروف عشرات القطع القديمة بناء على طلب أصحابها، لتكون حاضرة للاستخدام وملبية للطلب كما تحدثت "نبيها نعيم" لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 3 تشرين الأول 2015؛ (ممرضة) وتقول: «في مخزن خصص للمؤن احتفظت بعدد من "بوابير" الكاز تلك التي كانت مخصصة لغلي الغسيل قبل ظهور الغسالات الآلية، وإعداد الأكلات الكبيرة الحجم في المناسبات، وبالتعامل مع جارنا "كمال العبدالله" بدأ الكثيرون من أبناء القرية صيانة بوابيرهم وتحديثها، حيث يقوم بمراقبة أعطالها وتبديل القطع اللازمة، وقد حدّث جزءاً كبير منها لتبقى صالحة للعمل بعد كل هذه السنوات.

خصصت أغلب عملي اليومي لهذه المهنة، ولم يقصدني أهالي قريتي فحسب بل عدد كبير من القرى المجاورة بعد انتشار أخبار الورشة، ليرافق هذه القطع عدد من خزانات وسخانات الماء ليتم تحويلها على الحطب أو المازوت، وكذلك إصلاح "الصوبيات" القديمة وعدم رميها، أو تحويلها لتكون مدفأة حطب، وقطع غريبة طلبت للاستخدام المنزلي وغابت لسنوات طويلة وفقدت الاهتمام

وخلال الأعوام الفائتة لاحظت الإقبال الكبير على الورشة التي يقيمها "كمال" في منزله لخدمة أهالي قريته، حيث أصبح عدد كبير من الأهالي يستخدمون المعدات القديمة للطبخ في مواسم التمون لغلي الباذنجان ودبس العنب وتحضير رب البندورة، هذه القطع قوية وكلما اعتنينا بها طال عمرها لنستفيد منها خاصة في ظروف قلة المحروقات، ومن خلال تحديث هذه القطع اطلعنا على خبرته ليقوم بتصنيع "وجاق" الحطب بتكلفة محدودة ومناسبة للمنزل، ونؤمن التدفئة والطبخ وتأمين باقي المتطلبات من العصر القديم».

الحرفي كمال العبد الله

في ورشته وجدنا من القطع القديمة ما يشي بطبيعة العمل وكيف استقطبت الحرفة اهتمام الأهالي وحققت حاجتهم؛ كما حدثنا الحرفي "كمال العبد الله" مبيناً مبررات إحياء المهنة التي ارتبطت بظروف المجتمع، وكيف واكبها بالعمل، ويقول: «اقتصر عملي لسنوات على لحام الأوكسجين وأعمال الخراطة، لكن وخلال السنوات الأربع الماضية أخذ العديد من أهالي قريتي يقصدونني لأعمال مختلفة خاصة بعد أن أطلعوا على ما أنجزته في منزلي من عمليات إحياء للبوابير القديمة وإصلاحها لنعود إلى استخدامها، وقد دخلت هذه الورشة عشرات القطع في مدة قصيرة، وأخذت أستحضر معها مهارات العمل وخبرتي السابقة، لتكون البداية بعملية الفحص وتعريضها للزيت وحقنها بالكاز لاختبارها، وبعدها تتم عملية الإصلاح.

ولإصلاح قطعة معينة كنت أحاول استكمالها من قطع غير قابلة للإصلاح، بالتالي كنت أستفيد من عدد كبير من القطع التي احتفظنا بها من ميراث أجدادي وكذلك ما يريد الزبائن التخلص منه، لكن مع تزايد الحاجة إلى هذه القطع والبحث بالأسواق المتخصصة بت أحصل على جزء كبير منها كان مهملاً لسنوات، لكن الحاجة استدعت الشراء مع فارق تمثل بارتفاع السعر الذي بلغ لقطعة صغيرة أضعاف سعر "البابور" في زمنه القديم، ومن جهة ثانية كنت بما أمتلك من خبرة أحاول خلق البديل؛ فالغاية الإصلاح وعدم خسارة القطعة لكونها قطعاً جميلة ومتينة، منها القطع المتوسطة المصنعة من النحاس وكبيرة الحجم من الحديد».

نبيهة نعيم

ويضيف: «خصصت أغلب عملي اليومي لهذه المهنة، ولم يقصدني أهالي قريتي فحسب بل عدد كبير من القرى المجاورة بعد انتشار أخبار الورشة، ليرافق هذه القطع عدد من خزانات وسخانات الماء ليتم تحويلها على الحطب أو المازوت، وكذلك إصلاح "الصوبيات" القديمة وعدم رميها، أو تحويلها لتكون مدفأة حطب، وقطع غريبة طلبت للاستخدام المنزلي وغابت لسنوات طويلة وفقدت الاهتمام».

"لبيب الحلبي" الذي طلب منه المساعدة لتحديث ما لديه من "بوابير" بقياسات مختلفة، وهو المشرف على صيانتها كما أخبرنا، ويقول: «في الريف لا يمكن الاستغناء عن هذه القطع القديمة التي كانت من أهم أركان المنزل، حيث كنا نشتريها بقياسات مختلفة وحسب الحاجة، ومع بداية ظهور أزمة المحروقات والغلاء عدنا إلى استخدام هذه "البوابير"، ولم نكن نتوقع أن نجد من يتمكن من التعامل معها وصيانتها وإصلاحها، حيث أخرجنا ما لدينا منها، ومن خلال ورشة "كمال العبدالله" تم إصلاحها بطريقة جيدة لتعود إلى ألقها السابق وجودتها المعهودة.

حيث قدم خبرته الكبيرة في هذا المجال وهو المتخصص في هذه المهنة التي اندثرت في عقود سابقة واليوم عادت إلى الرواج بفعل الظروف، ولعلنا وبعد هذه التجربة نلتفت لهذه النوعية من الحرف التي تنمّ عن مقدرة كبيرة للحرفي عندما يستثمر بإصلاح هذه الأنواع من القطع خبرته باللحام والقص والفك والتركيب والتعامل مع عدد كبير من المعادن، فهذه الحرف تقدم فرصة لتطوير حالة الاكتفاء والاستفادة من كل القطع القديمة، حيث لم تقتصر خدماته على إصلاح هذه القطع، بل اهتم بصيانة فوانيس الإنارة وما يسمى في منطقتنا "اللوكس"، وهو القائم على احتراق الكاز لإعطاء إنارة قوية تكفي لـ"المضافات" والغرف الكبيرة».