يأخذك "محمد العبد الله" إلى أماكن لم تكن تتصورها يوماً أو تظن أن لهذه الأشجار أسرارها الخاصة كما البشر، لكن النتائج التي حصل عليها خير دليل على ثروته التي اكتسبها بالعلم والعمل والبركة، وما عليكم إلا زيارته في "تل الحديد" لتكتشفوا ذلك.

مدونة وطن "eSyria" وفي إطار رحلتها في استكشاف الأسرار المتعلقة بشجرة الزيتون، ومدى قدرتها على العطاء؛ التقت بتاريخ 23 كانون الأول 2015، المزارع "محمد العبد الله" في مزرعته الواقعة على سفح "تل الحديد" الشهير، ويقول: «اشتريت هذه المزرعة في نهاية عام 2004؛ وهي عبارة عن خمسين دونماً، وتضم ما يقارب 500 شجرة زيتون، لكن وضعها كان بائساً جداً، حيث لم يخرج من هذا العدد الكبير سوى سبع عبوات زيت فقط، على الرغم من أنني عملت كما كان الآخرون يصنعون ببساتينهم، وبعد سنتين من الاهتمام باتت تعطيني 136 عبوة، وهو رقم فاجأ الكثيرين على الرغم من عدم قناعتي بالموضوع؛ لأن الجهد والتعب والمال أكبر بكثير من الإنتاج، ومن هنا لجأت إلى المهندس الزراعي "فهد المصري" الذي يتمتع بسمعة عطرة وكفاءة كبيرة، وسخرت كل إمكانياتي للعمل؛ حيث طلب أن تتمتع المزرعة بشبكة كاملة من الري بالتنقيط، وآلات زراعية متنوعة، وعمال دائمين، وهو ما كان بعد أيام قليلة من ذلك.

أتعامل مع منتجاته منذ زمن، ولا أعرفه شخصياً، لكن الزيت الذي ينتجه في مزرعته شيء راقٍ وطيب المذاق، وهو مراقب دائماً لأن العبوات تذهب إلى النقابات والمؤسسات، ويشترك بالمعارض، وبحسب العاملين معه فهو يعطي العامل أجره على أكمل وجه، ولا يبخل على أرضه التي تعطي بغير حساب

بدأ العمل بأسلوب علمي ومواعيد دقيقة للفلاحة والري والتسميد، وفي هذه السنة زاد الإنتاج على 535 عبوة، وأكثر من طنين من الزيتون العادي الذي لم يعصر، والشجر ينمو بصورة مدهشة؛ حيث وصل عدد المرات التي قلّبت فيها الأرض إلى 17 مرة، وهو رقم خرافي بالنسبة لأي مزارع ولا يمكن تصديقه، لكن المهندس والعمال كانوا يقومون بطاقة كبيرة لصنع شيء جديد ومخالف لكل ما هو سائد بين الناس عن هذه الشجرة».

الزيتون من الأعلى

ويتابع: «كانت خطة العمل أن نصل بإنتاج الزيت إلى 2500 عبوة بفضل الدقة في العمل واستخدام التكنولوجيا الحديثة من خلال تحويل المزرعة إلى السماد العضوي والاستفادة من كل شبر فيها، فلا وجود للسماد الكيماوي هنا، وكل شجرة لها سجلها الخاص المراقب بعناية لتسجيل كل ما يتعلق بها وبأحوالها على مدار العام، وهناك أشجار نراقب إنتاجها بدقة لمعرفة مدى تحسن حالتها من عام إلى آخر، وهذه الأشجار لا يمكن تصديق مدى ما تعطيه، ويدخل في باب الخرافة، وهذا مرده لكل ما سبق، وقد زرعت بعض الخضار كتجربة بين الأشجار مثل "البامية الجبلية"، فنثرتها في الأرض من دون أي اهتمام، وقد أعطت تلك النبتة إنتاجاً يفوق التصور لأن الأرض خيرة ومرتاحة وتعطي من يعطيها، ومن ناحيتي فقد قلبت هذه المزرعة حياتي رأساً على عقب، على الرغم من أن لي عملي الخاص قبل أن أهتم بالزيتون، وبعد أن توفي المهندس المشرف على المزرعة باتت في عهدة المهندس العاشق للشجر "عادل الجرماني" الذي يطبق عليها أفكاره الجديدة، واكتشاف ما تكتنزه من أسرار مخفية».

وتحدث المهندس المشرف على المشروع "عادل الجرماني" عما يقدمه للمزرعة لتعطي بهذه الطريقة، ويقول: «تبلغ أعمار الأشجار 25 سنة فقط، وهو ما يخولها لتعطي كل طاقتها في الحالات العادية، حيث تقدم لها كافة الخدمات اللازمة بالطرائق العلمية والعملية الصحيحة من حيث الوقت والاحتياجات، طريق الخدمة، والكميات المناسبة من الماء، قبل إضافة الأسمدة يتم تحليل التربة ومعرفة المعادلة السمادية، وبناءً عليه يتم التسميد حسب الاحتياج الغذائي للأشجار، وتتم المكافحة بناء على قراءات المصائد الفرمونية الموجودة بين الأشجار، وعند تحديد موعد ظهور الآفة وعتبتها الاقتصادية وخاصة "ذبابة ثمار الزيتون"، إضافة إلى تقديم دفعات من الري التكميلي خلال الفترات الحرجة ومرحلة نمو الشجرة خلال الموسم، وكذلك الحراثة والتقليم في مواعيدها، وطلاء جذوع الأشجار بالكلس، أما عملية القطاف فتتم يدوياً بعد استبعاد الثمار المتساقطة على الأرض وعدم جمعها مع الثمار السليمة والمقطوفة حديثاً، التي تنقل إلى المعصرة بصناديق بلاستيكية صحية خلال مدة لا تتجاوز ثلاثة أيام وعلى دفعات متتالية؛ لكون المزرعة يقدر إنتاجها لهذا العام بمئة طن، ويخزن الزيت الناتج بعبوات مطلية باللكر الغذائي وضمن شروط تخزين زيت الزيتون المثالية».

بعض أدوات المزرعة

تدخل المزرعة اختبارات جديدة للاستفادة القصوى من أرضها، بفضل صاحبها المنفتح على العلم، الذي يعطي العاملين فيها أجوراً عالية جداً، وهم بدورهم يقومون بأعمال جبارة للمحافظة على المستوى المتقدم للأعمال؛ حيث يضيف "الجرماني": «بعد تجربة الطرائق العضوية هذه السنة والنجاح الذي وجدناه، تدخل شجرة الزيتون في مرحلة التحول إلى الزراعة العضوية، وتقسم إلى قسمين: (الزيتون العضوي، والإنتاج الحيواني العضوي)، أما عملنا الجديد فينحصر في إنتاج "الوردة الشامية"؛ على أن تطبق على كافة أقسام المزرعة شروط التحول إلى الإنتاج العضوي بكل المقاييس من حيث استخدام التسميد الأخضر، والاستفادة من مخلفات المزرعة بالتسميد من بقايا التقليم ومنتجات الثورة الحيوانية، وتصنيع السماد العضوي وإنتاج الغاز الحيوي والسماد العضوي السائل عن طريق المخمرات العضوية بالمزرعة، وبدأنا التخطيط لعصر ثمار الزيتون الناتج عن طريق إنشاء معصرة زيتون خاصة بالمعصرة فقط».

رب الأسرة والعامل في مجال تربية المواشي والطيور "عصمت الشاهين" تحدث عن معرفته بمنتجات المستثمر "عبد الله"، ويقول: «أتعامل مع منتجاته منذ زمن، ولا أعرفه شخصياً، لكن الزيت الذي ينتجه في مزرعته شيء راقٍ وطيب المذاق، وهو مراقب دائماً لأن العبوات تذهب إلى النقابات والمؤسسات، ويشترك بالمعارض، وبحسب العاملين معه فهو يعطي العامل أجره على أكمل وجه، ولا يبخل على أرضه التي تعطي بغير حساب».

التحول إلى الزراعة العضوية