وجّه الباحث "نشأت كيوان" بوصلة اهتمامه إلى عنوان اختلف عن المعتاد؛ ليطرق بوابة اللباس والحلي في "حوران" من خلال شواهد أثرية لفنّون النحت والفسيفساء في العصر "الروماني"؛ لتكون محور أطروحته لرسالة الدكتوراه.

رسالة اتخذت طابع التميز لكونها من الدراسات القليلة التي عكفت على تحليل الحالة المثيولوجية والتكوين الاجتماعي؛ التي أفصحت عنها منحوتات المرحلة في المنطقة الجنوبية، ليكون اللباس والحلي رسالة إخبارية معرفية عن مجتمع "حوران" في عصر فاض بالفن وتوافر من بقاياه، وهو ما منح الباحث فرصة الدراسة والتوثيق؛ كما جاء في حديث الدكتور "محمد الزين" أستاذ الآثار والتاريخ الكلاسيكي في جامعة "دمشق" كلية الآثار، مع مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 3 نيسان 2016؛ الذي أشرف على الرسالة، وقال: «لا نجانب الصواب إذا ما عرّفنا بمقومات انتقاء العنوان وتميزه لكونه يطرح للمرة الأولى على مستوى جامعة "دمشق"؛ مستنداً إلى ما توافر من قطع بازلتية اقترنت بتلك الفترة، ولكون الباحث ابن المنطقة، وعاملاً في هذا المجال، فقد ابتعد محور البحث عن الخيارات المعتادة للطلبة التي تتجه في هذا القسم إلى قضايا تأخذ أبعاداً سياسية لمراحل إنسانية مختلفة، مطعماً البحث بنكهة فنية لتكون منحوتات الآلهة والتماثيل في العصر الروماني في منطقة "حوران" مرتكز البحث ومادته الغنية التي كرّس لها سنوات دراسته وبحثه الدقيق، بالتالي فإن الانتماء إلى هذه المنطقة خلق إمكانية التواصل مع ما كان وما تطورت إليه الألبسة والحلي، ليؤكد أن لكل منها مستنداً ضارباً جذوره في أعماق التاريخ التي تركت آثارها في "حوران" كالفسيفساء، والرسوم والأفاريز، والبيوت التي كوّنت الوثائق المادية.

قدم الباحث "نشأت كيوان" نتاج عمل وخبرة سنوات أمضاها في إدارة متحف "السويداء"، وما امتلك هذا المتحف من ذخائر بازلتية غنية بقيت بعيدة عن الدراسات المحلية، لنجد دراسات أجنبية وأبحاثاً لرحالة مرّوا بالمنطقة، والحرص على التفرد وإغناء البحث جعل من مقتنيات المتحف وما توافر في المنطقة من شواهد وأدلة نقطة الانطلاق لبحث جديد بمختلف الصور، بالتالي فإن ثمار الجهد تتعدى فكرة الحصول على معدل متميز، إلى إضافة مخطوط قيّم لكل المهتمين والمتخصصين بالآثار الكلاسيكية والمواضيع الفنية المرتبط بالبازلت بهذه المنطقة بالذات. ومع العلم بالظروف الطارئة التي عرقلت عملية الوصول إلى بعض الأماكن، لكن كانت حالة البحث عن مرجعيات موثقة عملية معقدة أنجزها الباحث لتكون قيمة مضافة إلى البحث، وعرضت لتفاصيل أثرت الدراسة التي تناولت فترة كانت معلومات اللباس والحلي فيها غير موثقة بمخطوط واحد جمع وفنّد قراءات سابقة كتبت منفصلة في أبحاث مختلفة العناوين

وبحكم المتابعة القريبة تلمست الجهد الكبير الذي احتاج إليه البحث، والعمل الميداني والتقصي عن كل ما يوثق رسالته التي أعدّها عملاً علمياً متكامل الأركان، يمكن الاستفادة منه بالدراسات الاجتماعية والفلكلورية والتراثية».

الدكتور نشات كيوان مع لجنة التحكيم

في تقديم مناقشته بيّن الباحث "نشأت كيوان" مبررات البحث وتصنيف دراسته حسب الفئات الاجتماعية؛ بدءاً من لباس الآلهة، ومن ثم بقية فئات السكان في تلك المنطقة، وقال: «تم اختيار البحث لكون "حوران" منطقة إقليمية في الجنوب السوري، وقد شغلت حواضرها مكانة جيدة في "سورية"، حيث قدمت مجموعة من الفنون التي أثرت موضوع البحث من خلال التعرف إلى ماهية اللباس ومجموعة الشواهد القيمة خاصة فنّا النحت والفسيفساء، لأتناول الإطار التاريخي والجغرافي للمنطقة لكون الفترات التاريخية لها تأثير كبير بماهية اللباس من خلال السلطات السياسية التي سيطرت عليها، والأقوام التي عاشت على أرضها مثل "الأنباط".

وفي الفصل الثاني إضاءة على لباس الآلهة المذكورة التي عبدت ووجدت لها شواهد أثرية سواء أكانت تلك الآلهة رئيسة أم ثانوية، وهل هي محلية أم وافدة، ومدى تأثير التسميات التي نعتت بها بعض الآلهة، مثل: "بعل شامين"، أو "زيوس"، أو "جوبيتر"، ونعالج من ناحية أخرى لباس الآلهة المؤنثة التي استطعنا الحصول على الأدلة الثرية التي وضحت شكل اللباس وتفاصيله، حيث تمكنا من توضيح التسلسل الزمني لبعض الألبسة والتعرف ببعض الآلهة، وكيف لعبت ثقافات المنطقة دوراً ببلورة هذا اللباس.

مع الدكتور محمد الزين

وببحث لباس الرجال تمكنّا من معرفة بعض الفئات والطبقات الاجتماعية في هذه المنطقة من خلال لباسهم، مثل طبقة الفرسان، والرجال المدرعون الذين يدلّون إما على أباطرة أو حكام أو ضباط، وأصحاب بعض المهن التي انتشرت مثل: "الفاخوري"، و"المزارع". إضافة إلى لباس بعض الرجال الذين حملوا صفة دينية، مثل: الكهنة، وخادمو الأضاحي، وحاملو المشاعل.. إلى ما هنالك».

وبما يخص ألبسة النساء اللواتي ارتدين عدداً من الألبسة، ونتائج البحث، يضيف الباحث بالقول: «تسهيلاً لدراسة لباس النساء اللواتي أظهرت المنحوتات أنهن ارتدين عدداً من الألبسة ومتمماتها، فقد قسمنا لباس النسوة حسب ارتدائهن غطاء الرأس أم لا، لكن لم نستطع أن نحدد طبيعة بعض النسوة للنقص في الأدلة الكتابية لحصر الملامح العامة لهن من خلال لباسهن، ولنستكمل بحث الحلي والتزيين، وقد كان اعتمادنا الأكبر على الحلي التي ظهرت في فنون المنطقة، وقد تنوعت بين أقراط وأطواق وخلاخل، إضافة إلى بعض التزيينات التي تعدّ مكملة للباس، مثل الأزرار والدبابيس، وما ارتدى بعض الآلهة المذكرة والمؤنثة، وكذلك الرجال من بعض أنواع الحلي، مثل الأطواق على سبيل المثال.

ليتوصل البحث إلى نتائج نجمل فيها ما توصلنا إليه بذات منهجية وتسلسل توزيع اللباس على الفصول وتبيان أصول اللباس في "حوران"، ومدى انعكاس الثقافات التي انتشرت على أرض هذه المنطقة سواء المحلية الشرقية منها، أو الوافدة وخصوصاً "الإغريقية"، "الرومانية"، وكذلك مدى تأثير العبادات بذلك، وكيف استطاع سكان "حوران" تكييف كل ذلك وصهره في مسألة تصميم ملابسهم التي كان الطابع الشرقي المحلي ظاهراً في كثير من تفاصيلها».

"أشرف أبو ترابي" ماجستير آثار كلاسيكية، تابع الباحث بحكم الاهتمامات المشتركة، وعرض للخبرة العلمية التي دعمت البحث وأوصلته إلى النجاح وقال: «قدم الباحث "نشأت كيوان" نتاج عمل وخبرة سنوات أمضاها في إدارة متحف "السويداء"، وما امتلك هذا المتحف من ذخائر بازلتية غنية بقيت بعيدة عن الدراسات المحلية، لنجد دراسات أجنبية وأبحاثاً لرحالة مرّوا بالمنطقة، والحرص على التفرد وإغناء البحث جعل من مقتنيات المتحف وما توافر في المنطقة من شواهد وأدلة نقطة الانطلاق لبحث جديد بمختلف الصور، بالتالي فإن ثمار الجهد تتعدى فكرة الحصول على معدل متميز، إلى إضافة مخطوط قيّم لكل المهتمين والمتخصصين بالآثار الكلاسيكية والمواضيع الفنية المرتبط بالبازلت بهذه المنطقة بالذات.

ومع العلم بالظروف الطارئة التي عرقلت عملية الوصول إلى بعض الأماكن، لكن كانت حالة البحث عن مرجعيات موثقة عملية معقدة أنجزها الباحث لتكون قيمة مضافة إلى البحث، وعرضت لتفاصيل أثرت الدراسة التي تناولت فترة كانت معلومات اللباس والحلي فيها غير موثقة بمخطوط واحد جمع وفنّد قراءات سابقة كتبت منفصلة في أبحاث مختلفة العناوين».

الجدير بالذكر، أن الباحث "نشأت كيوان" من مواليد قرية "سهوة الخضر" عام 1980، وقد نال شهادة الدكتوراه شهر آذار 2016 بمعدل 82 بالمئة.