لمهنة تصليح الساعات في "السويداء" حكاية يرويها أقدم شخص مازال يعمل بها حتى الآن، تعلّم هذه المهنة بمفرده وعشقها فأبدع بها معتمداً الصدق أكثر من الرزق.

مدونة وطن "eSyria" زارت بتاريخ 17 تموز 2016، محلّ "حسن ملاك" الكائن في شارع "الشعراني" بمدينة "السويداء" للتعرف أكثر إلى أقدم ساعاتي في المنطقة منذ خمسة وأربعين عاماً، الذي تحدث عن بدايته في ستينيات القرن الماضي، يقول: «معروف ومنذ القدم أن من يرغب بتعلم صنعة أو مهنة معينة، يتعلمها ممن يعملون بها، ولكن قصتي بدأت مع تصليح الساعات من رغبة في الاكتشاف، فكانت تجذبني دقة صناعة الساعة، وأول محاولة للإصلاح بدأتها مع ساعة منبّه ألمانية الصنع لأحد جيراني، وأثناء فحصها كسرت أحد الدواليب، وهو ما اضطرني للذهاب إلى بلدة "الكفر" إلى الشيخ "أبو يوسف حسين علم الدين"، الذي كان يعمل بتصليح الساعات، لجلب القطعة المكسورة في فصل الشتاء على الرغم من قساوة الجو وتساقط الثلوج».

"حسن ملاك" إنسان صادق، وكريم النفس، ومؤمن، ويعامل الناس بضمير وبما يرضي الله، أنا شخصياً أعرفه منذ زمن بعيد، أثق به وبعمله الدقيق والمتقن، حتى الأشياء الثمينة والغالية نسلّمها له بكل ثقة

ويتابع: «الشيخ "علم الدين" شجعني كثيراً على الاستمرار في المهنة، بعد معرفته بحبي وعشقي لها، وأعطاني الدولاب المكسور ومفكاً وملقطاً لمساعدتي على العمل، وبالفعل تابعت حتى أتقنت المهنة جيداً، وبدأت استقطاب الزبائن من قريتي والقرى المجاورة، حتى التحقت بخدمة العلم.

"حسن ملاك"

وأثناء خدمتي كنت أقوم بتصليح الساعات لكل من لديه ساعة معطلة، حتى أنني أخذت إذناً من الضابط المسؤول لأركب "لمبة" فوق سريري الخاص كي أتمكن من تصليح الساعات ليلاً».

افتتح "ملاك" محله في مدينة "السويداء"، بعد عامين من العمل في "صلخد" وعن تلك المدة، يقول: «لم يكن هناك إقبال كبير لعدم وجود عدد كبير من السكان، انتقلت بعدها في عام 1960 إلى مدينة "السويداء"، وكانت المحطة الأخيرة والممتدة حتى اليوم، فقد مضى على افتتاحي هذا المحل خمسة وأربعون عاماً، وبنفس المنطقة الموجود فيها حالياً في "شارع الشعراني"، كان المحل في السابق عشرة أمتار ونصف المتر، ولكن نتيجة التوسع العمراني في المنطقة، اكتفيت بهذه المساحة الصغيرة التي تخدم عملي واستثمرت الباقي».

أثناء العمل

وعن المنافسة، يقول: «عندما افتتحت محلي كانت مدينة "السويداء" فيها ثلاثة أشخاص يزاولون هذه المهنة؛ أنا، و"قاسم قرعوني"، و"نسيب العقيلي"، ما زلت إلى اليوم على رأس عملي، أما زملائي، فقد وافتهم المنية منذ مدة، هذه المهنة لا تحتاج إلى منافسة أو غيرها، فالسوق يستوعب جميع الراغبين بالعمل، ولكنها تحتاج إلى شخص يحب عمله، فلولا عشقي لمهنتي لما استطعت الاستمرار حتى اليوم، وأعمل فيها ليل نهار، حتى إنني افتتحت ورشة صغيرة في منزلي».

وعن الصعوبات التي اعترضت عمله منذ البداية وإلى اليوم، يجيب: «قديماً كانت تعترضني أشياء كثيرة في تصليح الساعات وتستغرق مني الوقت حتى أعلم الآلية، ولكن في الوقت الحالي لم يعد شيء يصعب علي في الساعة، وفيما يتعلق بالصناعة القديمة، فلدي قطع تبديل لأي تفصيل، كما أنني حالياً وكيل وكالات عالمية للساعات في المحافظة، أما بالنسبة للصناعات الجديدة، فنادراً ما نجد لها قطع تبديل، وعلى صعيد الأدوات، ففي السابق كنت أفكّ البراغي الصغيرة في الساعة بـ"شفرة" الحلاقة التقليدية والملقط، وكان العمل مجهداً ويحتاج إلى دقة، اليوم الأدوات الحديثة سهّلت العمل».

"حسن ملاك" و"نواف قطيش"

في محلّه تجد عبارة تقول: (الاعتماد على الصدق خير من الاعتماد على الرزق)، عنها يقول: «هذه العبارة هي خلاصة تجربتي في التعامل المادي والأخلاقي مع الناس طوال خمس وأربعين عاماً في العمل، كثر من أخذوا ساعاتهم من دون دفع أجور تصليحها على الرغم من ضآلة الأجر، إلا أنني لا أملك إلا السماح بحقهم، فأنا لا أذكر أنني اختلفت مع الزبائن يوماً، هذه المهنة تحتاج إلى صبر، ولا ينجح فيها الشخص الأرعن والطائش، وتحتاج إلى قلب ميت لا يعرف الملل والتعب نظراً إلى ساعات العمل الطويلة».

"نواف قطيش" مدرّس لغة عربية متقاعد من مواليد 1935، عنه يقول: «"حسن ملاك" إنسان صادق، وكريم النفس، ومؤمن، ويعامل الناس بضمير وبما يرضي الله، أنا شخصياً أعرفه منذ زمن بعيد، أثق به وبعمله الدقيق والمتقن، حتى الأشياء الثمينة والغالية نسلّمها له بكل ثقة».

"سلمان نعيم" مغترب في "فنزويلا" التقيناه أثناء إجازته في الوطن في محل الساعاتي، ويقول: «لدي ساعة ثمينة اشتريتها من "بولونيا"، وتوقفت عن العمل، وهي بحاجة إلى بطارية فقط، عرضتها على جميع العاملين في تصليح الساعات في "السويداء"، فلم يتمكن أحد من معرفة كيفية فكّها، ومنهم من طلب أن تبقى لديه لمدة ساعة أو أكثر، ولكنني أرغب بإصلاحها أمامي، ولم أجد إلا شيخ الكار العم "حسن" الأجدر في هذا المجال، فجميع من في السوق أخبرني عن خبرته في هذا المجال».

يذكر أن "حسن ملاك" من مواليد قرية "سهوة الخضر" في محافظة "السويداء"، عام 1936، حاصل على الشهادة الابتدائية للتعليم عام 1952.