كثرت الألحان الغنائية ذات الطابع الجغرافي المتعلقة بالمكان، ومنها ألحان متداولة في "جبل العرب"، بعضها وفد من مناطق سورية عديدة، وبعضها من إبداع فناني الجبل، أكثرها ألحان محلية شعبية اجتماعية متعددة الأنماط، ومرتبطة بالمكان.

حول الألحان ذات الطابع الجغرافي والاعتماد على البيئة المحلية، مدونة وطن "eSyria" وبتاريخ 18 كانون الثاني 2017، التقت الباحث التراثي الدكتور "أسعد منذر"، الذي بيّن قائلاً: «اختلف معظم الباحثين في هذا المجال على تحديد النمط الغنائي، بالاعتماد على البيئة والعادة ونمط الحياة، فهناك أكاديميون اعتمدوا بيئة محلية محددة، وتم دراستها وفق الجغرافية المحدودة والمحصورة بها، لذلك نجد أصحاب هذا الرأي يختلفون مع الباحثين في رؤيتهم للفن الغنائي البدوي "الهجيني" في طرائق التعبير والتصوير على الرغم من وحدة الأداء والمساحة الصوتية في المنطقة الخاضعة لإيقاع موحد وألحان متقاربة في بنيتها، خاصة أن "الهجيني" تعتمد على اللحظة والتعبير والوصف بصورة ودلالة هي الأقرب إلى الدراسة النقدية في مضمونها وبنيتها، إذا دخلنا في التراكيب والمفردات والبناء الفني والوحدة المتكاملة للشعر.

هناك أيضاً "الْمَشْحُون"، وقد سمي كذلك لأنه يثير العاطفة؛ أي إنه مشحون بالعاطفة والمشاعر، ولحن "السُّعُونْ" ومفردها سِعْن، وهي الشِّكْوَة الكبيرة، وفي تسمية أخرى يقال له القُرْقَعَة، وكانت تغنيه النساء أثناء خضِّ اللبن بواسطة "السعن". و"الزَّاغ" وقد سمي بهذا الاسم لأن لحنه شبيه بصوت طائر الزَّاغ، الذي يشبه النعيق. ولحن "المُمَوَّج" سمي بهذا الاسم لأن في لحنه مُمَوَّج، وفيه طَعْجَة أو حَنْوَة من الانحناء، كما يسميها الشاعر "علي الجراح". و"الرَّحَى"، وقد أخذت تسميته من "الرحى"، وهي الطَّاحونة. وكذلك "المِشْكَاهْ" التي أخذت تسميتها من الشَّكْوَى أو التَّشَكِّي مما يواجهه الإنسان من صعوبات الحياة وظلم بني البشر. ولحن "الْمَهْمُومْ"، أخذت تسميته من الهَمّ، وجمعه هُمُوم

برؤية ثانية مختلفة، نجد أن "الهجيني" من أهم أنواع الغناء في البادية العربية الممتدة من عمق "شبه الجزيرة العربية" إلى عمق "بلاد الشام"، وما على صلة بهما من أرياف "الأردن وفلسطين وسورية والعراق"، لكن "الهجيني" الذي تجاوز الفيافي والمراعي إلى المدن والقرى، خاصة في حفلات السمر والمناسبات الاجتماعية الفرحة تعددت أوزانه الإيقاعية وألحانه الغنائية، فمنها ما انتظمت ألحانه في ثماني أو عشر وحدات زمنية، ومنها ما انتظمت في اثنتي عشرة أو ست عشرة وحدةً زمنية، كما تعددت أنواعه وتفرعاته، واختلفت تبعاً لذلك مسمياته».

الباحث الدكتور أسعد منذر

أما عن نوع الألحان، فقد بيّن الباحث التراثي "بشار أبو حمدان" قائلاً: «هناك ألحان عديدة، منها: "الكَرَكِي" نسبة إلى مدينة "الكرك" التي اشتهرت بهذا اللون من الغناء، ولعل الفنانة الكركية "ميسون الصناع" هي أشهر من غنّى "الهجيني" في "الأردن"، وخاصة الهجيني الكركي، وهي وافدة. وهناك "الِمْرَادَدِهْ"، وهو غناء يتم بالتبادل بين مغنيين اثنين، حيث يبدأ المغني الأول الغناء ثم يرد المغني الآخر بإعادة الغناء نفسه، كذلك فإنه يمكن أن يغني المغني الأول الجزء الأول من المقطع الغنائي في حين يكمل المغني الآخر غناء الجزء الثاني من المقطع نفسه، وذلك بهدف تسلية النفس من مشقة العمل أو عناء السفر، وقد يكون الغناء بين مجموعتين بالطريقة نفسها. وألحان "الزَّوْبَعِي"؛ أي السريع نسبة إلى الزَّوْبَعة التي تثير الغبار في الصحراء. و"المَطْعُوج"؛ وهي كناية عن الحركة الأدائية المزخرفة في آخر المقطع الغنائي من "الهجيني". و"البَدَوي" نسبة إلى موطنه الأصيل البادية وأهله منذ القدم البدو. وهناك "الفَلاَّحِي" نسبة إلى أهل الريف الفَلاَّحِين، الذين يعملون بالفِلاَحة والزِّراعة، حيث انتقل غناء "الهجيني" من البادية إلى القرى والأرياف، وهو يغنى لديهم أحياناً بمرافقة آلة "الشَّبابة" بدلاً من آلة "الرَّبابة" البدوية، وكثيراً ما يُغَنَّى الهجيني الفَلاَّحِي من دون مرافقة آلية.

وهناك "الرَّجَّادِين"، ومفردها رَجَّاد أو رَيجُود، وهو الشخص الذي يقوم بنقل ما يحصده الحصَّادون من الحقل إلى البَيْدَر، ليتم دَرْسه واستخراج الحُبوب منه. أما "المَيَّاحْ"، فقد سمي بهذا الاسم لكون لحنه يشبه ميحة حركة الدَّلو في ماء البئر. و"الرَّاكِز" أخذ تسميته من الرّكُوز والاتِّزان».

الشاعر عدنان علم الدين

وتابع "أبو حمدان" بالقول: «هناك أيضاً "الْمَشْحُون"، وقد سمي كذلك لأنه يثير العاطفة؛ أي إنه مشحون بالعاطفة والمشاعر، ولحن "السُّعُونْ" ومفردها سِعْن، وهي الشِّكْوَة الكبيرة، وفي تسمية أخرى يقال له القُرْقَعَة، وكانت تغنيه النساء أثناء خضِّ اللبن بواسطة "السعن". و"الزَّاغ" وقد سمي بهذا الاسم لأن لحنه شبيه بصوت طائر الزَّاغ، الذي يشبه النعيق. ولحن "المُمَوَّج" سمي بهذا الاسم لأن في لحنه مُمَوَّج، وفيه طَعْجَة أو حَنْوَة من الانحناء، كما يسميها الشاعر "علي الجراح". و"الرَّحَى"، وقد أخذت تسميته من "الرحى"، وهي الطَّاحونة. وكذلك "المِشْكَاهْ" التي أخذت تسميتها من الشَّكْوَى أو التَّشَكِّي مما يواجهه الإنسان من صعوبات الحياة وظلم بني البشر. ولحن "الْمَهْمُومْ"، أخذت تسميته من الهَمّ، وجمعه هُمُوم».

الشاعر "عدنان علم الدين" عضو مجلس إدارة جمعية "الأدب الشعبي وأصدقاء التراث"، أوضح جمالية الألحان المحلية بقوله: «من جمالية الألحان المحلية المتداولة في "جبل العرب" التي تسمى "الهجيني"، ولها جمالية غناء وقدرة على حمل شتى المضامين ومختلف الموضوعات الحياتية لدى البدو والريفيين، فقد أخذت تنوعات هذا الغناء الجميل مسميات أخرى متعددة، منها: "هجيني المد والجزر"، و"هجيني الفزَّاع"، و"هجيني النَّطِّي"، وهناك "الهجيني الطويل"، و"الهجيني القصير"، وغيرها. وهناك تسميات ليست بالضرورة حكم قيمة تبقى رأياً؛ إذ قد نختلف مع موثقيها وربما في ما يطلق عليه من تسميات ارتجالية؛ لأن الأغراض لا تنسب للشعر وتحقق له التميز.

الأستاذ بشار أبو حمدان

والألحان حالة إبداع كما الشعر، إلا أنه ارتبط ارتباطاً وثيقاً بالمكان والجغرافية، وابتعد عن المنهجية البحثية في الوصف والتعبير وأنواع الغناء وتعدد الألحان، خاصة أن معظم الدراسات انحصرت في طبيعة المكان والصور المرتبطة بها، من دون التعمق في الإيقاع الوزني، ومنها على سبيل المثال الهجيني الطويل والقصير، وإلى أي نمط موسيقي ينتمي الهجيني المحدد من قبل الباحث ذي التوجه الواحد للمكان والجغرافية، ولدراسة الهجيني لابد من تحديد الهدف والتوحيد، بالاتفاق على الأوزان المعتمدة والأغراض المتعددة».