بين الدلالة والصورة، علاقة متبادلة يتميز بها الشعر، ويستشعر بها المتلقي، وتختلف المدارس الشعرية في نوعية الصورة المقدمة للقارئ، حداثوية كانت أم تقليدية.

وفي يوم "الشعر العالمي"، وحول الدلالة والصورة وحداثتها، مدونة وطن "eSyria"، بتاريخ 18 آذار 2017، التقت الشاعر "محمد حديفة" عضو المكتب التنفيذي في اتحاد الكتاب العرب، الذي قال: «الشعر الذي هدفه الوصول إلى ذهن المتلقي وسمعه وبصره، يعمد إلى اتخاذ وسائل عدة، يستعملها من أجل تحقيق هذه الغاية والوصول إليها، ومنها الصورة الشعرية التي يجب أن تأخذ شكل اللوحة الفنية المرسومة، والمشكلة من ألوان الطيف، لتقدّم للمتلقي بشكل يجعله أسيرها، لحسن بهائها ورونقها المختلف، وتأخذه إلى زمن وعالم مختلفين، من هنا يعمد الشعراء المحدثين الآن إلى التركيز على الصورة في شعرهم، التي عليها أن تقدم على شكل ومض سريع وشديد الإبهار، كي تحفر عميقاً في ذهن المتلقي، وتطيل المقام في أعماقه، وهي إن فعلت ذلك، تكون قد أدت الغرض المرجوّ منها».

الشعر الذي هدفه الوصول إلى ذهن المتلقي وسمعه وبصره، يعمد إلى اتخاذ وسائل عدة، يستعملها من أجل تحقيق هذه الغاية والوصول إليها، ومنها الصورة الشعرية التي يجب أن تأخذ شكل اللوحة الفنية المرسومة، والمشكلة من ألوان الطيف، لتقدّم للمتلقي بشكل يجعله أسيرها، لحسن بهائها ورونقها المختلف، وتأخذه إلى زمن وعالم مختلفين، من هنا يعمد الشعراء المحدثين الآن إلى التركيز على الصورة في شعرهم، التي عليها أن تقدم على شكل ومض سريع وشديد الإبهار، كي تحفر عميقاً في ذهن المتلقي، وتطيل المقام في أعماقه، وهي إن فعلت ذلك، تكون قد أدت الغرض المرجوّ منها

ويضيف "حديفة": «وقد عمد الشعراء المحدثون إلى الاشتغال على الصورة، بعد أن لاحظوا تأثيرها الكبير في صناعة العملية الشعرية، وقد لجأ النقاد قديماً وحديثاً إلى وضع تعريفات متعددة للعمل الإبداعي في الشعر، فمنهم من عدّه كلمة مختلفة، ومنهم من عرّفه على أنه إيقاع وجرس موسيقي، بينما الأغلبية العظمى من النقاد عدّوه صورة مشغولة بعناية. وبرأيي، فإن الشعر يتكوّن من كل هذه الأمور مجتمعة، إلا أن الصورة تبقى في مقدمة هذه التفسيرات جميعها، لأن الشاعر الذي يعرف أوزان "أبو الخليل الفراهيدي" مثلاً، يستطيع أن يأتي بأي كلام، حتى لو كان مباشراً وسطحياً، ويصنع من هذا الكلام قصيدة، لكنها ستبقى قصيدة عادية، وغير مؤثرة، ونقول عندها إن هذه القصيدة تفتقر إلى العمق في الطرح، ولم تستطع أن تقدم لنا صورة رشيقة وعميقة. لذلك فإنني أرى أن من قال إن الشعر صورة تتقدم على كافة العناصر في القصيدة، لم يجافِ الحقيقة أبداً، بل أصاب كبدها وقال الصواب».

الشاعر محمد حديفة

أما الشاعر "موفق نادر" عضو اتحاد الكتاب العرب، فيقول عن حداثة الصورة الشعرية: «تكاد الصورة الشعرية أن تكون أكثر العلامات الفارقة في حداثة الشعر، وثمة كثير من الأدلة على هذه الفرضية؛ فانطلاقاً من فكرة "أرسطو" التي تقول إن الخيال والعاطفة هما جوادا العربة اللذان يزرعان فيافي الوجود بها، ومن دونهما سوف تظل العربة محض هيكل بارد أصم، يتأكد أن لا شعراً باهراً من دون مخيلة نضرة، تغتسل بمائها أشياء الوجود الكالحة، لتعود زاهية متألقة كما يريدها الشاعر المبدع، ولقد كوّنت المخيلة وما أنتجته من صور في الشعر الحديث ما يشبه انتفاضة كاسحة اقتضت -مع حركتها هذه- رهانها على تطور مرموق في ذائقة المتلقي، حتى يمكنها استيعاب هذه النقلات الفنية المذهلة في بناء الصورة الشعرية المعاصرة، فإذا كان القدماء قد دهشوا للتشبيهات الضمنية التي تقيم علاقات بين المجردات والذهنيات، مثل ما بناه "أبو تمام" في نعي الحسد:

"وإذا أراد الله نشـــر فضــيلة... طويت، أتـاح لـها لســان حســود

الشاعر موفق نادر

لولا اشتعال النار فيما جاورت... ما كان يعرف طيب عرف العود"

أو للتشبيه التمثيلي بما يتضمنه من عناصر متراكبة في حدي التشبيه الأساسيين، مثلما وصف "امرؤ القيس" حصانه:

"مكرٍّ مفرٍّ مقبلٍ مدبرٍ معاً... كجلمود صخر حطّه السيل من عل"».

وتابع "نادر" بالقول: «إذا كان ذلك كله مدهشاً يوماً ما مع الاستعارات المكنية وتشخيصها والتصريحية وتجسيدها، فإن الرمز في الصورة الحديثة أضاف كثافة ودهشة وغموضاً موحياً، تجعل هذه الصورة وكأنها منخلعة عن البلاغة العربية ومجازها تماماً، لأنها يصعب أن تنضوي تحت مفردات دراستها، فهنا سوف نجد نتاج اللا شعور حاضراً بكامل فوضاه الساحرة، وما سماه النقد بالغموض الماسي، ليسبغ على اللغة دلالات لم تعهدها من قبل، فكيف يمكن أن ننسب للبلاغة التقليدية قول "أدونيس":

"عائلة من ورق الأشجار

تجلس قرب النبع

تجرح أرض الدمع

تقرأ للماء كتاب النار"

أو قول "محمود درويش":

"اتركيني هناك

كما تتركين الخرافة فيمن يراكِ"

أو قوله في إحدى قصائد كتابه العجيب الذي يصلح عنوانه: "أثر الفراشة" دليلاً على صحة ما نزعم هنا:

"كان نهراً له ضفتان

وأم سماوية أرضعته السحاب المقطر

لكنهم خطفوا أمه

فأصيب بسكتة ماء

فمات على مهله، عطشاً"

إنه تشكيل جديد وتعالقات غير مألوفة، تبنيها الصورة الحديثة في النص، لتنقله نقلة نوعية باتجاه الإيحاء والكثافة والعمق والبؤر الدلالية غير المباشرة أو التقليدية، فكأن بالقصيدة الحديثة، قد اقتربت بذلك كثيراً مما يرضي "ابن سينا" حين هتف: (إن الشعر للتعجيب، وليس للتفهيم)، نافضة عن كاهلها كثيراً من ملامح تراثنا البلاغي الذي اكتنز به علم البيان المعروف، وإن كان ذلك قد أبعدها عن عدد غير قليل من قراء الشعر التقليديين، لكنه بالمقابل قرّبها من جوهر الشعر الحق».