يعدّ "جاد الكريم فندي غزالي" واحداً من المدرّسين الذين رسموا خطاً متميزاً بمسلكه وسلوكه التربوي والاجتماعي من خلال مبادراته الإنسانية والأخلاقية، حيث يواظب على إعطاء الدروس العلمية للذين يرغبون بلا مقابل حبّاً بالعلم ورواده.

حول سيرته وأعماله مدونة وطن "eSyria" وبتاريخ 10 تموز 2017، التقت الأستاذ "غزالي"، الذي تحدث عن البدايات قائلاً: «في شهر شباط من عام 1953 كانت ولادتي في قرية "ملح" التي لها مع التاريخ شأن، ومع الحياة الاجتماعية مكانة، عشت فيها بكنف أبوين فلاحين، توفى الوالد، وكنت في سنتي الجامعية الأولى، فأصبحت المعيل لأسرتي في وقت مبكر، فعملت بالزراعة وباقي الأعمال اليدوية.

في شباط 2013 بلغ الستين من العمر، وهو مجبر على مغادرة صفه بقوة القانون، فطلب المتابعة مع طلبة الشهادة الثانوية حتى انتهاء العام الدراسي مجاناً، وكان له ذلك. وإلى الآن ما يزال مواظباً على التواصل مع مدرسته وزملائه وطلابه

درست في جامعة "دمشق" الرياضيات، واخترت هذا الفرع رغبةً به؛ إذ إن علاماتي في الثانوية العامة تؤهلني لدراسة الهندسة، لكنني آثرت الرياضيات. ساهمت مع زملائي بإحداث مدرسة ثانوية، وبطبعي لا أرغب في المناصب الإدارية على الرغم من إغراءاتها لقناعتي بأن العمل التربوي والمهني في الصف والتماهي مع الطلاب ورؤية النجاح هما غاية وسعادة للمدرّس، ولهذا لم أعمل في الإدارة قط، بل كنت سعيداً حينما كان الطلاب يأتون إليّ، وأقوم بتدريسهم داخل وخارج الدوام الرسمي. حاولت تبسيط مادة الرياضيات على الرغم من صعوبتها عند من لا يرغبها، والكثيرون ممن درّستهم لم يحتاجوا إلى دروس خاصة، وما زلت وبعد نصف عقد أحنّ إلى الصف والتدريس، ولو كان التقاعد بلغ أشدّه لدي، لكنني مؤمن بأن رسالة المعلم لا تنتهي، ولهذا في موسم الامتحان أقوم بإعطاء المناهج للطلاب، وأفتش عنهم لنتعاون في تبسيط تلك المادة».

الأستاذ جاد الكريم غزالي

من طلابه الدكتور "فايز بو إسماعيل" من بلدة "ملح"، الذي أكد بالقول: «كان لمعلمنا "جاد الكريم فندي غزالي" الدور البارز في إنجاح العملية التربوية منذ المراحل الأولى في البلدة؛ إذ رفض أي عمل إداري وبقي مثابراً على العمل كمدرّس في الصف حتى تقاعده. وهو حريص أن يشارك أهل بلدته في جميع مناسباتهم بحضور مميز، وقد عرف بتميزه حين استطاع جعل مادة الرياضيات لينة طيعة، فمن يتابع معه جيداً في الصف لا حاجة له إلى درس خاص، ومن صفاته أنه عدو كرسيه في الصف، ولا يمكن أن يضيع منه دقيقة في حصته الدرسية؛ لذا دائماً يستكمل إعطاء المنهاج المقرر بالموعد المحدد. ومن ناحية أخلاقية، فهو لم يتقاضَ يوماً أجراً من طالب على مساعدة ما، ودائماً يعرض على طلابه المساعدة داخل وخارج أوقات الدوام ومجاناً، وفي إحدى السنوات كان يعمل في ثانوية "ملح" وبساعاته الطبيعية المعتادة، وفي المقابل لم يكن هناك مدرّس للرياضيات في قرية "عرمان" البلدة المجاورة لمكان عمله، فلم يتردد لحظة بالذهاب إلى تلك المدرسة إضافة إلى عمله؛ لأنه يعدّ ذلك واجباً عليه، حتى إن بعض الحصص لم يتقاضَ أجراً عليها، وحينما داهمه المرض بالتهاب حاد في المرارة، التي وجب استئصالها آثر التريث حرصاً على عدم التقصير في إعطاء المنهاج لطلابه، ونتيجة ذلك نقل إسعافياً إلى المستشفى لتجرى له العملية فوراً بعد أن كادت تودي بحياته».

وتابع بالقول: «في شباط 2013 بلغ الستين من العمر، وهو مجبر على مغادرة صفه بقوة القانون، فطلب المتابعة مع طلبة الشهادة الثانوية حتى انتهاء العام الدراسي مجاناً، وكان له ذلك. وإلى الآن ما يزال مواظباً على التواصل مع مدرسته وزملائه وطلابه».

د. فايز بو إسماعيل

الجدير بالذكر، أن المربي "جاد الكريم فندي غرالي" متزوج ولديه أربعة أبناء، يعشقون الهندسة بفروعها المختلفة.