جسّد "برهان السعدي" أبطال التاريخ على جنبات طريقه، مجاوراً حلم "أنجلو" في رسم السقوف والجداريات، فتعامل مع النحت، ونهل من سمو الخشب أفكار ثنائياته، وسجل آخر تجاربه مع الجلد.

تجربة واسعة الأفق أنتجت من روح هذا الفنان أعمالاً متنوعة الصبغة، فقد اختبر من الخامات ما راقه، ولم يسجن حلمه في أسلوب واحد، فكلما امتلأ كأسه، انتقل إلى أسلوب آخر بأفق مفتوح على التجديد.

فضاء مفتوح أستنشق منه طاقة للانتقال بين المادة والفكرة، معطياً للروح سعة تحتمل هذه الحالة خوفاً من الروتين والتكلس، فالتغيير يعطيني الراحة والتجدد، وإذا كانت تجربتي الأولى في السقوف وتجسيد "آدم وحواء"، فإن تجربة ثانية للسقوف كانت من تراث وطبيعة منطقتنا وهي عبارة عن نساء بالزي الجبلي، ورافقتها بجداريات ناقشت أفكاراً جديدة، وبتقنية أعمق من حيث الصورة والرؤى، ومنها تحولت إلى أعمال أخرى من البيئة الشعبية، وكانت أقرب إلى واقعنا والمحيط بالطريقة النافرة "الروليف"، مقتبساً من روح الزيتي جمالية اللون ضمن حالة جديدة

وأضاف لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 14 آب 2017 قائلاً: «أستعيد بذاكرتي مشوار العودة إلى المنزل في المرحلة الابتدائية بعد أن أجمع بقايا "الطبشور"، لأمارس هوايتي برسم شخصيات على الجدران في مدخل منزلي، وأجسدها كما ظهرت صورها في كتاب التاريخ، فأرسم "سعد زغلول" و"إبراهيم هنانو" و"عبد القادر الجزائري" وشخصيات أخرى مستعيناً بذاكرة بصرية نمت بين أوابد رومانية عايشتها في مدينة "شهبا" حيث ترعرعت، وتابعتها عن قرب بوصفها منتجاً إنسانياً بقي خالداً. وكانت الجائزة التي نلتها في مجلة "أسامة" وآراء من تابع شخصياتي خطوة على طريق اعتناق الفن.

من ثنائيات برهان السعدي نحت على الخشب

بوجه عام، لم يكن الفن عملاً طارئاً أو حالة مستغربة على أسرتي، فقد كان جدي "صالح السعدي" وأعمامي من أوائل من رسموا بالزيتي في منطقتنا، ونقلوا التجربة على ساحة المجتمع، واستفدت من تجاربهم التي أسسوها بجهد ومعرفة وولع بالفن كنموذج لتجميل الحياة وزيادة ألقها. كانت التجربة والبداية بالرسم الزيتي مع أول رحلة إلى "لبنان"، فطبيعته الجبلية وأشجاره وبحره قادوا تأملاتي الذاتية لأدخل في حوار مع صاحب أحد القصور الذي طلب مني تزيينه، وأجد نفسي مدفوعاً برغبة الاقتداء بتجربة "مايكل أنجلو" بالرسم على سقوف الكنائس، مستنداً على ذاكرتي، وكيف جسد سرّ الخليقة، وكان اختباراً كبيراً من حيث الأسلوب والفكرة ليبقى العمل وما جسدته من جداريات معرضي الدائم الذي يعرض هذه التجربة الفنية، التي أعدّها بداية جميلة لعملي في ذلك البلد».

تجربة اختبار بينه وبين المادة خارجاً من الروتين والتكرار ليكون له في كل مرحلة رحلة مع خامة جديدة وإجادة رسمت حضوره الجميل، وقال: «فضاء مفتوح أستنشق منه طاقة للانتقال بين المادة والفكرة، معطياً للروح سعة تحتمل هذه الحالة خوفاً من الروتين والتكلس، فالتغيير يعطيني الراحة والتجدد، وإذا كانت تجربتي الأولى في السقوف وتجسيد "آدم وحواء"، فإن تجربة ثانية للسقوف كانت من تراث وطبيعة منطقتنا وهي عبارة عن نساء بالزي الجبلي، ورافقتها بجداريات ناقشت أفكاراً جديدة، وبتقنية أعمق من حيث الصورة والرؤى، ومنها تحولت إلى أعمال أخرى من البيئة الشعبية، وكانت أقرب إلى واقعنا والمحيط بالطريقة النافرة "الروليف"، مقتبساً من روح الزيتي جمالية اللون ضمن حالة جديدة».

الفنان وائل هلال

النحت جاء متأخراً ليكلل ما سبق من تجارب، وأضاف: «من اللوحة النافرة عملت على عمق اللوحة، وكانت خطوتي إلى النحت، وبداية جديدة بالإحساس بالمادة لتكون مجسمة، وجربت الحفر على الخشب، وبالنسبة لي كان التعامل معه ممتعاً من حيث اختلاف الأسلوب والأدوات، فهو يختلف كثيراً عن الرخام، وهو بحد ذاته طريقة جميلة مع مادة مختلفة.

وكانت الثنائيات حالة جسدتها وفق رؤية شعرت بأن الخشب مناسب لها، ولرمز الحياة التي تكون ثنائية في الأغلب. وفي النهاية كانت عملية الحرق على الجلد فكرة قديمة أذكرها عندما حصلت على حقيبة، وحاولت تجميلها وإضفاء صبغة ذاتية عليها، حيث حرقت على جلدها رسوماً شكلت شيئاً جميلاً، ووفق رؤيتي اليوم عدت لأطور هذه التجربة، وهي عالم جديد بتقنية مختلفة تحتاج إلى الكثير من الشفافية والرقة، وتتكامل مع بحثي عن نوع من النجاح لا يوصف بالشهرة، فهي ليست حلمي، وما أبحث عنه فرصة تتحدث بعمق عن إحساسي الحقيقي بالمادة واللون، لأقدم عملي الخاص الذي يتلاقى مع نجاحات فنانين كبار بحالتي الذاتية، وفكرتي الخاصة من دون تزييف أو جري غير مأمون النتائج للشهرة والدوران في مدارات المنافسة والتقليد».

من أعمال برهان السعدي بالحرق على الجلد

التنويع وحرية الفكرة عنوان طرحه النحات "وائل هلال" عندما تحدث عن تجربة الفنان "برهان السعدي"، وقال: «نوعية خاصة من الأعمال اقترنت بهذا الفنان المجرب الدائم لخامات جديدة غير مأسور بطبيعة المادة والأسلوب، وقد تابعت الكثير من تجاربه التي أظهرت مقدرته ورؤيته الفنية الجميلة، ففي تجارب الزيتي قدم حالة لونية غنية لامست الطبيعة والتعبير، وبانتقاله إلى النحت، فقد استفاد من شفافية الفكرة متقناً تقنيات العمل والتعامل مع الكتلة والفراغ ليقدم أعمال البازلت، ويرتقي منها إلى الخشب، وثنائيات ميزته عن تجارب سابقة معطياً لهذه المادة ما تحتاج إليه من تميز وخصوصية، وأتصور أن تفاعله سيكلل بنجاحات قادمة.

وإن إنصافه لروحه التواقة للجمال وعدم ادعاء التميز وخوض التجارب برغبة المتعلم والمتفاني في متابعتها والنجاح، حالة فنية تستحق الوقوف عندها لنتعرّفه أكثر، ونفهم مرجعيته الفكرية التي أنتجت هذه الرحلة موثقة خطواتها بأعمال معبرة وجميلة، فهذه روح الفنان الباحث عن النجاح، وله نصيب كبير منه».

الجدير بالذكر، أن الفنان "برهان السعدي" من مواليد "شهبا" عام 1959، لمعت تجاربه في "لبنان"، وله معرض دائم في أحد قصورها، وله عدة مشاركات في معارض جماعية. أنتج تجربته الذاتية التي وثقت بعدد كبير من الأعمال المقتناة بالزيتي والبازلت والخشب.