كانت محاولة عدد من النساء العودة إلى الفن بعد انقطاع طويل فرصة لكسر حاجز الروتين اليومي للأمومة، وشغفاً مختبئاً في حنايا الروح لهواية لم تكتمل فصولها بسبب الزواج والعمل، وعندما حانت الفرصة للعودة تلقفنها كطفل صغير تحققت أحلامه بلحظة.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 4 أيلول 2017، المربية "إيمان صالحة" العائدة إلى الفن بعد حلم جميل داعب مخيلتها في دخول كلية الفنون الجميلة، فتكرس ذلك لابنتها بعد زمن طويل، قالت: «كثيراً ما تختبئ في داخلنا أحلام، تزور ذاكرتنا بين الحين والآخر، ومنعتنا الظروف من تحقيقها، ومن دون أن نشعر كنا نروي هذه الأحلام لنراها رغبة ملحة عند أولادنا بتحقيق ما لم نستطع تحقيقه لأنفسنا. وبعد أن بدأت ابنتاي الخطوة الأولى باتجاه ذاك الحلم الذي كان يسكن ذاكرتي في الوصول إلى كلية الفنون الجميلة، وبعد انقطاع لأكثر من عشرين عاماً، وبتشجيع من زوجي وأبنائي كانت محاولتي العودة إلى رسم شيء ما، حاولت أن أسرق الوقت واللجوء إلى مرسم الفنان "طلعت كيوان" الذي يشرف على تعليم أبنائي، حيث وعدت ابنتيّ بالمشاركة في معرض جماعي بلوحة، وبدأ التحدي مع نفسي أولاً، ومع المحيط ثانياً، وكيف أنجز وعدي وأنا أم لأربعة أبناء لهم احتياجاتهم ومتطلباتهم التي لا تنتهي، غير الوظيفة.

قد تكون الأزمة والفراغ القاتل بانتظار ما سيأتي كلها أسباب للعودة إلى الهواية، الفراغ لا ينطبق عليّ؛ لأن كل وقتي مملوء بالعمل، لكن كثيرات من النساء كادت الأزمة الحالية تقتلهن، وكان الرسم هو المخرج. أعشق البورتريه والألوان الزيتية والعلاقة المتشابكة فيها، وسر الظل والنور، فهي تأسرني مذ كنت صغيرة، وأعشق الانفعالات الإنسانية، وأحاول تصويرها بريشتي

ولم يبقَ للافتتاح غير يومين، وما زالت لوحتي بيضاء، ووعدي يتلاشى شيئاً فشيئاً، فمسكت قلمي، ورحت أسابق الزمن حتى وضحت ملامح امرأة بوجه جميل في وقت لا يزيد على ساعتين، وهكذا عدت إلى ذاتي، وحققت وعدي، واشتركت بالمعرض الذي ضم مجموعة من النساء العائدات مثلي إلى الورقة والقلم، وريشة اشتاقت إلى لمس الأصابع».

المهندسة نغم المصفي في أول معارضها الجماعية

المهندسة المعمارية "نغم المصفي" عادت مصادفة كما قالت، وهناك أسباب كثيرة تجعل الرسم حاجة مهمة للحياة، وتابعت: «العودة إلى الرسم هاجس وحلم قديم من أيام الطفولة، وبعض الأحلام لا تموت، وتعيدنا بغتة إلى طفولتنا في الوقت الذي نظن فيه أننا كبرنا. في غمرة انشغالاتنا بالعمل ومسؤولياتنا الملقاة على عاتقنا تجاه الأولاد والمنزل، كان عندي إيمان بأن داخل كل إنسان روحاً مبدعة قادرة على أن تخرج إلى النور، وتصنع الجمال والفرق أيضاً، فالعودة كانت مصادفة بحتة، والفضل للفنان التشكيلي "طلعت كيوان" الذي آمن بموهبتي وشجعني، وآمل أن أستمر».

كانت عودة مجموعة ليست بقليلة من النساء خلال معرض جماعي مفاجأة كبيرة للمتلقي، خاصة في ظل الأزمة الحالية التي أخذت من معنويات الكثيرين من الناس، وعن ذلك تضيف: «قد تكون الأزمة والفراغ القاتل بانتظار ما سيأتي كلها أسباب للعودة إلى الهواية، الفراغ لا ينطبق عليّ؛ لأن كل وقتي مملوء بالعمل، لكن كثيرات من النساء كادت الأزمة الحالية تقتلهن، وكان الرسم هو المخرج. أعشق البورتريه والألوان الزيتية والعلاقة المتشابكة فيها، وسر الظل والنور، فهي تأسرني مذ كنت صغيرة، وأعشق الانفعالات الإنسانية، وأحاول تصويرها بريشتي».

لوحة للفنانة ميلانة شرف

ربة المنزل والمتعددة المواهب والناشطة الاجتماعية "ميلانا شرف"، قالت عن عودتها إلى الفن: «منذ ولادة الفتاة، ونحن ندعو لها أن تكون أجمل عروس، حتى يصبح أملها وحلمها أن ترى فارس الأحلام، وتنسى مستقبلها العلمي والمهني، وبعد الزواج تأتي الأمومة بمشاعرها الرائعة التي تشغل الأم عن أحلامها وطموحاتها ومواهبها. بعد زواجي انتقلت أحلامي إلى أولادي، وتمنيت أن يستطيع أبنائي تحقيق كل ما يرغبون، فحاولت أن أنمي مواهبهم، وأخبئ شغفي للفن بداخلي، وعندما كبر الأولاد وخفّت قليلاً متطلباتهم مسحت غبار السنوات عن هوايتي وحلمي، وعدت إلى الريشة والورقة والقلم، وبعودتي ما زلت الأم والزوجة و"ميلانا" التي تحب الرسم والقراءة.

ومع ترتيب أولوياتي زاد عندي الوقت للرسم وإعادة تدوير الأشياء المهملة والعمل في منظمة "بيتي أنا بيتك" التي زادتني سعادة؛ فعندما نجعل أبناءنا هدفنا وإنجازنا للمستقبل، نكبلهم لأننا لا نقبل خروجهم عن خط رحلتنا، وعندما نرسم لنا حلماً بعيداً عنهم، ننجح وهم ينجحون».

طبيعة صامتة

الفنان "طلعت كيوان" الذي أطلق هذه المبادرة، وجمع العديد من النساء الراغبات بالعودة إلى الفن، قال: «أظن أن الحالة العامة التي وجدن فيها عن غير قصد، دفعتهن إلى اقتناص الزمن والفرصة، فوجود الأبناء ضمن مكان يعج بالفن والرسم كان السبب الرئيس في تذكر الموهبة. والروتين اليومي الذي تعيشه المرأة إن كانت ربة منزل أو عاملة، كان من ضمن تلك العوامل لكسره والابتعاد عن نمطيته. الفنانات العائدات بعد غياب طويل كن يحتجن فقط إلى تحريك الذاكرة والتوجيه، وكسر حاجز الخوف مع اللوحة والريشة. وكان وجود توقيت محدد لمعرض جماعي دافعاً مهماً لتطوير الإمكانيات والأدوات، وهو ما كان فعلاً عندما اشتركن جميعهن في المعرض الذي أقيم في 3 آب في صالة المعارض بمديرية ثقافة "السويداء"، وحاز اهتماماً كبيراً ومتابعة من قبل متذوقي الفن التشكيلي».