سئل عن عدد رعيته في بلدة "القريا"، فأجاب إن كل أبناء البلدة رعيته، وإذا استهجن السامع، فالأب "عبد الله الشحيد" راعي كنيسة "مار ميخائيل" للروم الكاثوليك عبّر عن حالة كهنية وروحية كان محورها العمل ودليلها العطاء.

تنقل بين القرى بالمواصلات العامة سنوات طويلة ليقدم الخدمة الروحية لأبناء رعيته، وفي بلدته التي ولد فيها وباشر دعوته الكهنوتية، ومثل رجل الدين العامل على الساحة الميدانية بشعور إنساني ارتكز على حالة معرفية جهد عليها، مقدماً نفسه لرعيته والطوائف الأخرى بعمل فاض عن ساعات اليوم التي تمنى لو تكون أطول، كما تحدث أثناء زيارة مدونة وطن "eSyria" لكنيسة "مار ميخائيل" في بلدة "القريا" بتاريخ 16 أيلول 2017، وقال: «في هذه البلدة كنيسة حفظت جدرانها القديمة رسالة حياة والدي "بولس الشحيد" ككاهن أمضى سنوات العمر بين جدرانها، حيث عُمّدت وارتقت روحي على يديه لأرغب باكراً في الدخول بحياة الرهبان، وعندما زارنا الأب "موسى الكبوشي" في سبعينات القرن الماضي دعاني لأرافقه، وكان لدي رغبة بذلك، لكن الوالدة خيرتني إما السعي لأكون راهباً طريقه القداسة، أو كاهناً أخدم رعيتي، وكنت في مراحل العمر التي لا تمكنني من الدفاع عن رغبتي لأستجيب لرأيها وأتبع مسار الكهنة الأجلاء وأترك طريق الرهبنة.

درست في معهد القديس "أنطونيوس البدواني" للعلوم اللاهوتية والإنسانية في "لبنان"، وتخرجت فيه الذي رعاه الأب "أنطونيوس دهمان"، وكان قديساً له تلامذته. استفدت كثيراً من هذه المرحلة التي كانت قصيرة، وتفرغت بعدها لدروسي بسبب مرض الوالد، حيث أراد المطران أن يمنحني درجة الكهنوت المقدس قبل وفاة والدي، وهذا ما كان، وارتسمت عام 1994 كاهناً لهذه الكنيسة وعلى مذابح الأبرشية كلها

فأنا ابن أسرة مؤلفة من اثني عشر ولداً كنت أصغرهم، وهذا مبرر والدتي لأكون قريباً بعد استشهاد أخي في حرب تشرين التحريرية، وأتابع بعدها مشروع التعليم وألتحق بالثانوية التجارية والمعهد التجاري والدراسة الجامعية، لأكمل مشروع الحياة مع زوجتي "سعاد يعقوب الذيب"، وهي قريبتي التي ساعدتني في مسيرتي الكهنوتية بصبر وتحمل كامل للمسؤولية في المنزل وخدمة كبار السن».

الأب عبد الله الشحيد راعي كنيسة الروم الكاثوليك في بلدة القريا

في غمامة على مذبح كنيسة "صما الهنيدات" رؤية زوجته التي شجعته على الدخول في الخدمة الكهنوتية التي حلم بها طفلاً، وفق ما أضاف الأب "عبد الله"، وقال: «درست في معهد القديس "أنطونيوس البدواني" للعلوم اللاهوتية والإنسانية في "لبنان"، وتخرجت فيه الذي رعاه الأب "أنطونيوس دهمان"، وكان قديساً له تلامذته. استفدت كثيراً من هذه المرحلة التي كانت قصيرة، وتفرغت بعدها لدروسي بسبب مرض الوالد، حيث أراد المطران أن يمنحني درجة الكهنوت المقدس قبل وفاة والدي، وهذا ما كان، وارتسمت عام 1994 كاهناً لهذه الكنيسة وعلى مذابح الأبرشية كلها».

عمل ميدانياً ولاهوتياً مستجيباً لنداء قوي واسع الطيف، لتجديد الكنيسة وتعزيز الحضور الديني بأعمال تخدم المجتمع، وقال: «ظهر التعب على جدران الكنيسة القديمة وأرضياتها، في الوقت الذي كثر فيه زوارها من مختلف الطوائف نسبة لحالة من التلاقي والمحبة عشناها ونعيشها في هذه البلدة، وثقة كانت لها ثمار بيني وبين إمام هذه البلدة، لأباشر الرخص والمخططات بمفردي لتوسيع الكنيسة وننطلق بفضل عطاء المحسنين من أبناء الرعية ومساعدات كريمة، ونعد المكان الذي يليق برفع الصلوات ويحتضن الزوار بمزيد من المحبة التي عمرت الجدران وزينت وأسست لكنيسة كبيرة وحديثة. حرصت على زينتها بأيقونات إطارها خشبي وفق طلبي، لأن الخشب أقرب إلى الحياة؛ فهذا المكان للحياة ورؤية جديدة لمحبة وإنسانية تجمع كل أهالي بلدتي.

الدكتور عماد الجبرائيل

وأذكر يوم زارنا البطريرك "غريغوريوس الثالث" عام 2003 وبارك الكنيسة، سألني المحافظ عن عدد الرعية، فأجبته: اثنا عشر ألف نسمة، وقال: بلدة "القريا" كلها اثنا عشر ألفاً. فقلت: هي رعيتي المؤلفة من الموحدين والمسيحيين. وبالفعل هذا الواقع الذي نفهمه؛ فالكنيسة مكان محبب ومقدس بالنسبة لكل أهلنا».

ومن أبناء رعيته من عزّ عليه تنقله المرهق بالمواصلات العامة لخدمة رعيته، وسعى ليتبرع له بسيارة، وكان له موقف يتحدث عنه أهالي البلدة أخبرنا به وقال: «الصديق "غسان الرمحين"، الذي ساعد في ترميم الكنيسة، زارني في يوم بعد أن التقيته وأنا أتنقل بين "صما الهنيدات" و"عنز" و"رضيمة الشرقية"، وعدد من القرى للقيام بواجبي الروحي والتعليمي، قدم مبلغاً لأحصل على سيارة تخدمني بهذه المهمة، لكنني رفضت الهدية لأقدمها بأسلوب آخر، حيث اشترينا بالمبلغ عدداً من رؤوس البقر بلغ 28 رأساً، ورغبت بتقديمها للأسر المحتاجة من كل الطوائف، وهذا ما كان.

من مزار القديسة فيرونيكا جولياني الذي أسسه في الكنيسة الأب عبد الله

هذه الأعمال استهلكت الوقت ليضاف إليها حفظ أعمال الكنيسة من الولادات والوفيات والزواج، وكل ما يمكن أن يوثق، وأنا عضو بالحركة الكهنوتية المريمية العالمية، ولنا مشاريع توعوية دينية كبيرة تابعتها للفائدة الروحية والثقافية في المجال اللاهوتي، فالكاهن طالب علم وطالب العيش بمحبة مجردة، وعملنا لتطبيق تعاليم الرب، فمهام الكاهن في هذه المرحلة التي عايشنا فيها أوجاع الحرب وآهاتها أكبر لنختصر المسافات بيننا وبين كل من يطلب المساعدة ونقدم المحبة بصدق ونقاء. وتصبح القداديس غنية الحضور بأبناء الرعية، وكل من أراد المشاركة والاستماع إلى خطاب الرب، ففي هذه الكنيسة ظاهرة تسترعي الاهتمام لكون زوارنا كثر من كل الطوائف، وتربطنا بهم صلات الود والثقة والتعاون الدائم لنخفف قدر الممكن من آثار الخلل الاجتماعي وتقديم إرشادات لبناء الأسرة، وتحصين التربية سائراً على مقولة: أعطني كاهناً يعيش التقوى والفضيلة، أعطيك رعية تسكن السماء».

دور اجتماعي وديني عرّف به الطبيب "عماد الجبرائيل" مدير مستشفى "صلخد"، وقال: «من أسرة كهنوتية خدمت الكهنوت بكل معانيه الدينية والإنسانية كما يخدمه الأب "عبد الله" الآن، وهي خدمة لا تنتظر المقابل وغير موجهة إلى رعيته الموجودة في البلدة، بل هي لكل الناس. وهو يخدم واجبه الديني بامتياز، وفي الوقت نفسه يؤدي دوره الاجتماعي الفاعل والمتوازن والمحبوب، وقد كان له دور ملحوظ في تنمية العلاقات الاجتماعية واللحمة الوطنية على أسس المحبة واحترام الآخر. وهو يؤكد دائماً أن الإنسان لا يمكن أن يحب الله وهو يكره أخيه الإنسان، ويؤكد أن عيشنا مع الآخرين هو عيش أخوي، وليس مشتركاً فقط، ونحن إن كنا نعيش محبة السيد المسيح، فنحن نعيش ونتمثل القيم والعادات والتقاليد المعروفة في هذه المحافظة التي نعتز بها، ومنها نرتقي إلى حب الوطن الغالي الذي نطلب له في صلواتنا الأمن والأمان والسلم والسلام.

كاهن عمل باليد ليحدث الكنيسة ويبنيها في قلوب الرعية، ويضيف إليها مزار القديسة "فيرونيكا جولياني"، وركناً خاصاً للقديس "شربل"».

الجدير بالذكر، أن الأب "عبد الله الشحيد" من مواليد "القريا" عام 1954، معمد بكنيسة "مار ميخائيل القديمة"، نشر أكثر من ألف صفحة لنشر تعاليم الرسل والقيم المريمية، خريج اقتصاد في جامعة "بيروت العربية".