مع جيل شاب قرض الشعر وقدمه في سنوات الحرب تنثر "خلود شرف " قصائدها بنبض يجد في الشعر والفنون طريقاً للحياة بجمال وإنسانية على الرغم من وجع وإحساس جعل ديوانها الأول "رفات فراشة" يطوف بلغات عدة.

في أشعارها مكابدة لحياة تنطق بمفردات الطبيعة وعمقها الغائر، ليكون لكل ما فيها روحاً وهتافاً وشغفاً يسترسل مع ألحانها صوفية المد عميقة التجربة التي توحي بخبرة أبعد من تاريخ النشر والتقديم؛ وهو ما دفعنا إلى السؤال عن دافع كتابة الشعر للشباب في زمن رديء السمعة والوقع خلال لقائها مع مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 14 تشرين الثاني 2017، وقالت: «الكتابة في زمن الحرب، كوردة في الصحراء، لا تقتل ولا تنال من ضعيف، جل ما تفعله أن تحيا بجمال، وترنو لحياة شفيفة كروحها.

أظن حالياً أنني عاطلة عن العمل، لكنني استمتعت طوال المدة الماضية بإنجاز بحث ثقافي عن الشعر في "سورية" بعد عام 2011، ومنه تعلمت الكثير، فقدمت المعرفة لي سعادة ومسؤولية تجاه ما حاولت إنجازه، كما أنني أعمل الآن على كتابة ما يشبه السيرة الذاتية كرحلة في خضم سنوات المأساة، وثمة مجموعة شعرية تحاول إيقاظ جناحيها من السبات لترفرف كمجموعتي الأولى، لكن كلها مشاريع لم تظهر بعد على الورق

الكتابة في زمن الحرب اختزال الإنسانية؛ الحلم الذي تصبو إليه البشرية في زمن هستيريا القتل والمادة، لا وقت للصراع والموت، ثمة وقت لنحيا بأسلوب يليق بإنسانيتنا التي كافأنا أنفسنا على إبداعاتها، وكأنما هي حدث نادر لا تجيده البشرية، ولطالما ابتدعت جوائز لتقييم العمل الفني والإبداعي والأدبي، وسميت جوائز سلام، ففطرة البشرية محفزة على القتل والنسل والتوالد، لإثبات ذاتها. والفنون بكافة أنواعها تأتي لتذكرنا بطموحنا إلى الإنسانية التي لا بد أن نحيا بها، فلو اجتمعت كل المواهب الفردية عند كل البشر في الفنون، لحصلنا على حياة تليق بإنسانيتنا، بعيداً عن الرداءة».

الشاعرة خلود شرف

بين حالة مهنية كانت فيها متخصصة في المجال المخبري، وخيار ذاتي أخذها إلى الأدب والشعر بعيداً عن صفتها المهنية عندما تجاوب قلمها لهذا الخيار، وقالت: «في كل شخص بذور تحمل في جيناتها قدرة قلم أو ريشة أو جسد، ينسجون مقامات عريقة للفنون، لكننا ننسى كل هذا ونركض برحلة الجري وراء الماديات وقساوة الحياة والعيش، كل منا فنان وشاعر ومتأمل وراقص، لكن الألم يذكرنا بعمقنا ويستنبط منا قدرات مذهلة لم نكن نعي أنها منا، وأنا مثل كل هؤلاء السوريين الذين ما فارقهم الألم على أي عتبة من عتبات السنوات السبع المنصرمة.

الكتابة تشفي تقرحات الحرب والفقد والتشرد والجوع، وبها عالجت روحي المكلومة العاجزة أمام فداحة ما أصابنا. لكل فعل رد فعل، وقلمي كان رد فعل على مأساتنا».

الشاعرة رولا حسن

عن إصدارها الأول "رفات فراشة"؛ مجموعة شعرية عبرت حدود المنطقة وترجمت إلى لغات عدة، حدثتنا: «مجموعتي الأولى التي أنجزتها خلال خمس سنوات سبقت إصدارها، تفاوتت بين قمة الألم والفقد، خاصة فقدي لطفلي وحرماني منه، وبين أنوثة أعادت ذاكرتها على أبواب الأسطورة، هرباً من واقع لا يعاش، لم تكن مأساتي وحدي، كانت مأساة وفاجعة لشعب إنساني، فبقيت إلى الآن أعيش في الخيال، تارة أمتهن العزلة، وتارة أحيا بفرح لأقوى على العزلة من جديد، مجموعتي الأولى لم تخرج عن تجربتي الذاتية أبداً، بكل وجوهي وتناقضاتي وطموحي وحبي وعجزي. لذلك هي كما رأيتها ماضٍ محمل بدم وألم، ومستقبل مرهون بحلم وأمل.

كل ما هو صادق يصل بسرعة، والعالم مرهق يحتاح إلى من يذكره بالصدق، نحن كبشر امتهنا الحياة ككذبة، الصدق ثقيل الحمل علينا، لكننا نتمناه، وما فعلته "برفات فراشة" أنني كتبت من ألم، ومع أن الإنسان متناقض، لكن لحظة الألم تعريه من الكذب، ربما لذلك وصلت نصوصي وترجمت معظمها إلى عدة لغات، منها: الفرنسية، والإيطالية، والإنكليزية».

عن العمل ومخطوط ومجموعة شعرية قادمة، قالت: «أظن حالياً أنني عاطلة عن العمل، لكنني استمتعت طوال المدة الماضية بإنجاز بحث ثقافي عن الشعر في "سورية" بعد عام 2011، ومنه تعلمت الكثير، فقدمت المعرفة لي سعادة ومسؤولية تجاه ما حاولت إنجازه، كما أنني أعمل الآن على كتابة ما يشبه السيرة الذاتية كرحلة في خضم سنوات المأساة، وثمة مجموعة شعرية تحاول إيقاظ جناحيها من السبات لترفرف كمجموعتي الأولى، لكن كلها مشاريع لم تظهر بعد على الورق».

ضمن ملف "الموجة الجديدة في الشعر السوري" أنجزته الشاعرة والكاتبة "رولا حسن" بإضاءة تحليلية عن شاعرات سوريات، تناولت تجربة "خلود شرف" وقالت: «ينزع نصها إلى الشفاهية من دون أن يعتمد على المنطق الجمالي للغة الحديثة، فيعلو منطق المجاز اللغوي على البوح الإنساني، وتبدو الخلفية المعرفية واضحة أو طاغية أكثر من فعل القول.

حيث تلعب "خلود" لعبتها الذكية في استثمار طاقات السرد في نص يمكن القول عنه إنه نص حسي معرفي، حيث تتوالد الإيماءات والدلالات المعرفية التي تعمل عملها في تشكيل كسر متوالٍ للإيهام بمعايشة الواقع، لكنها تعمد عبر ذلك إلى الدخول عميقاً في الوجود والداخل الإنساني عبر لغة -كما أسلفت- غنية بالإشارات، وهي والحال كذلك تقارب القول الصوفي من حيث جمالياته الكتابية، فهي تقيم بينها وبين الطبيعة وأشيائها علاقات قلبية، كما يعبر عن ذلك بالمعنى الصوفي؛ فكل ما في الطبيعة وما حولها عبارة عن إشارات ورموز تعبر عن هذا العالم وتشابكاته بلغة تأتي في كثير من الأحيان فيضاً أو شطحاً، ورغبة وإرادة في كشف عميق، وهي في ذلك تقارب كثيراً في كتابتها وقولها الشعري جماليات الكتابة الصوفية.

في هذه الكتابة يبدو الميل قوياً إلى الخروج عن أدبيات الكلام، وكأنها انتظار لغير المنتظر، حيث يبدو كل شيء وكأنه رمز أو إشارة أو إيماءة، وربما حلم في نص يقوم بكليته على المجاز الموظف».

من نصوصها نختار "هندباء":

"الهندباء طرية

السكين وسيلتي

ثمة صوتٌ يستغيث ما إن أشق الجذر

خذلت فطرتي

أبي بينما يقلب التراب صاح:

دعي للحياة خط عودة".

ما يجدر ذكره، أن الشاعرة "خلود شرف" من مواليد قرية "المجيمر" عام 1981، درست عام 2005 لغة عربية، كلية الآداب في جامعة "دمشق"، خريجة معهد طبي، قسم مخابر تحاليل طبية 2003، عملت في الحقل الطبي لمدة عشر سنوات، أنجزت بحثاً عن التراجيديا في الشعر في "سورية" المنشور بعد عام 2011. صدرت لها مجموعة شعرية بعنوان: "رُفات فراشة" عام 2016، تُرجمت عدة قصائد منها إلى الفرنسية والإيطالية، ونشر من نصوصها وإصدارها في صحف عدة في الوطن العربي و"لندن" وصحيفة "الحياة".