للعزاء طقوسه وعاداته، لكنه يحمل قيماً اجتماعية خاصة في "جبل العرب"، فهو محكمة إنسانية تحاسب أفراد المجتمع على أفعالهم أثناء العزاء أمام عائلاتهم بخاصية معروفة، لكنها غير ظاهرة.

حول طقوس العزاء وعاداته، مدونة وطن "eSyria" وبتاريخ 23 تشرين الثاني 2017، التقت الباحث الاجتماعي "هيسم أبو سعيد" عضو اتحاد الكتاب العرب، الذي بيّن قائلاً: «تمثل طقوس العزاء في "جبل العرب" نمطاً اجتماعياً له أبعاده الثقافية والوجدانية والإنسانية، ويحمل بين مضامينه أساليب وعبارات كل حسب ما قدم للمجتمع من أعمال صالحة خلال حياته، وما فعله هذا من صلاح ومحبة وإخاء، وسعيه الدؤوب إلى الإيمان والتوكل، وهذا الفعل جزء من منظومة أخلاقية، وهذه الأفعال إذا ما أتقنها المرء في حياته، تشاهد أهله في عزائه يقفون شامخين ورافعي الرؤوس بأعماله وفعله، وهناك أمثلة عديدة على ذلك، فقد جاء أحد الرجال وهو صاحب فطنة وحكمة، ودخل أحد أماكن العزاء المعروف بـ"الموقف"، وبعد أن قدّم واجب العزاء، سأله أحد أقاربه: ماذا شاهدت؟ فقال كلمته المشهورة: (هناك رجال مدنقدرة، ورجال معنقرة). وحين سأل الناس عن معنى الكلام، فكانت الإجابة من العقال إن الرجال (المدنقدرة) هم الرجال الذي كان ميتهم أعماله غير صالحة بين أفراد مجتمعه، وهو منبوذ لفعله السيئ، فتشاهدهم (مدنقري) الرأس؛ أي رؤوسهم تنحني إلى الأسفل. أما الرجال (المعنقرة)، فهم الرجال الذين رؤوسهم شامخة؛ لأن ميتهم من أصحاب المواقف المذكورة الصالحة والأخلاق الرفيعة بين أفراد أسرته وبلدته، ويحسب له حساب بعقله وفطنته وحكمته، وعليه تصبح المحكمة الاجتماعية صاحبة القرار في تحديد المسار بين أن يقف المرء مرفوع الرأس أو منتكس الرأس كما يقال. وفي الحالتين للتعبير عن ذلك هناك مجموعة من العبارات في مراسم العزاء، وهي تنمّ عن مكانة المتوفى الذي لا تجوز عليه سوى الرحمة، لكن المحاكمة الاجتماعية هي صاحبة القرار بذلك ضمن العادات والتقاليد المتبعة في "السويداء"».

حين يذاع خبر وفاة شخص ما، فوراً ترى أفراد المجتمع في قريته أو مدينته وقبل تحديد يوم العزاء له، يتوافدون إلى منزله لتقديم واجب العزاء، ويستذكرون أعماله وأفعاله متأسفين على رحيله، بينما من كانت أعماله مخالفة للسمات الاجتماعية العامة، فأفراد المجتمع لا يكترثون له، وربما القسم الأكبر لا يحضر العزاء، وإذا حضر تكون عبارات المجاملة لأهله وذويه فقط، ولعمري هي محاكمة اجتماعية قاسية جداً على أهل المتوفى وذويه؛ وهو حافز للمرء أن يعمل أعمالاً إنسانية وأخلاقية مع أهله وذويه وأقاربه وأبناء مجتمعه في مجالات متعددة

وبيّن المحامي "عثمان العيسمي" نمطية العزاء والعبارات قائلاً: «ترتبط "السويداء" في عاداتها وتقاليدها بحكم قيمة لعبارات العزاء، التي تحمل بمجملها التعبير عن الرضا والصبر والسلوان، كأن يقف الناس أمام أصحاب العزاء، ويقولون العبارات التالية: (عظّم الله أجركم، إن شاء الله بسلامة أعماركم، الله يرحمه ويبقيكم، إن شاء الله بتكون خاتمة الأحزان، عز علينا بمصابكم، مشاركينكم بالمصاب). بالمقابل لكل عبارة هناك رد من أصحاب العزاء، وهنا تكمن العبارات وتداولها إذا كان هناك محاكمة أم لا، إذا تم ذكر خصال المتوفى إن كان صالحاً ودوداً كريماً شهماً وفياً، أو كان عكس ذلك، ترى الناس تقدم العزاء من دون أي شهادة، وهو تعبير على أن المشاركة بالعزاء للأحياء من ذوي المتوفى وليس كرامة الميت، حيث يتم تداول عبارة: (الأجر للحي مش للميت)؛ أي المشاركة تمت من أجل أقارب المتوفى، وهذا دليل على محاكمة الميت اجتماعياً بعدم إطلاق عبارات الرحمة المتكررة، ويكون العزاء بارداً لا يحمل أي نوع من الحماسة أو الحزن أو علامات الفقد، كما لو كان الميت رجلاً أو امرأة ذات قيمة أخلاقية وإنسانية تشاهد أفراد المجتمع يتهافتون على ذكر خصالهم الحميدة، وبعضهم يعبرون عنها بالدموع، وعن حاجة المجتمع إلى رأيه وموقفه».

الأستاذ هيسم جادو أبو سعيد

وعن علامات المحاكمة الاجتماعية بيّن المصور الصحفي "أكرم الغطريف" بقوله: «حين يذاع خبر وفاة شخص ما، فوراً ترى أفراد المجتمع في قريته أو مدينته وقبل تحديد يوم العزاء له، يتوافدون إلى منزله لتقديم واجب العزاء، ويستذكرون أعماله وأفعاله متأسفين على رحيله، بينما من كانت أعماله مخالفة للسمات الاجتماعية العامة، فأفراد المجتمع لا يكترثون له، وربما القسم الأكبر لا يحضر العزاء، وإذا حضر تكون عبارات المجاملة لأهله وذويه فقط، ولعمري هي محاكمة اجتماعية قاسية جداً على أهل المتوفى وذويه؛ وهو حافز للمرء أن يعمل أعمالاً إنسانية وأخلاقية مع أهله وذويه وأقاربه وأبناء مجتمعه في مجالات متعددة».

الأستاذ المحامي عثمان العيسمي
من مراسم العزاء