يجري تلبيس العباءة التقليدية للثوابت الاجتماعية وفق مراسم مجتمعية ثابتة، وهي تدخل ضمن منظومة من العادات والتقاليد متبعة منذ ما ينوف عن ثلاثة قرون.

حول عادة تلبيس العباءة، مدونة وطن "eSyria" وبتاريخ 1 كانون الأول 2017، التقت الباحث التاريخي "إبراهيم جودية" عضو "الجمعية التاريخية"، الذي قال: «عاش "جبل العرب" منذ ثلاثة قرون على عادة اجتماعية حدد نظامها الأهل والأجداد وفق رؤية تنظيمية للمجتمع، حيث تجلى فيها احترام القيم والتوزيع الجغرافي والمكاني، إذ عرف أن العباءة التقليدية أو الزعامة محصورة في شخصيات محددة أطلق عليها اصطلاح "الأرسان الخمس"، وهم: "آل الأطرش" المتمثلة بأمارة "دار عرى"، و"آل عامر" في "شهبا"، و"آل هنيدي" في قرية "المجدل"، و"آل نصار" في قرية "سالي"، وهم ممثلون عن أكثر من سبع قرى في الجبل، و"آل عز الدين الحلبي"، وهم الذين يمثلون كل من جاء من "حلب" إلى الجبل، إضافة إلى شيوخ العقل الأجلاء الثلاثة، وهم من "آل الهجري، وجربوع، والحناوي"، وباقي العباءات لا تتم مراسم عليها، بل يتم اتفاق وتوافق على التعامل معها كزعماء للعائلات، مثل: "آل كيوان، وآل نصر، وآل عزام، وآل أبو عسلي". وعند وفاة شيخ أو زعيم العائلة وفي العزاء تتم دعوة الزعماء الخمسة، ومشايخ العقل، ويجري تلبيس العباءة لصاحب المناسبة، وهذه العادة ما زالت إلى يومنا الحاضر متبعة، وكان آخرها منذ أشهر قليلة في قرية "المجدل" مع "آل هنيدي" عندما توفي "أبو منصور فضل الله هنيدي"، جرى الاتفاق على تسليم ابنه "عاطف هنيدي" خلفاً له، وكان ذلك وفق مراسم اجتماعية متبعة».

تعدّ الزعامات التقليدية المتمثلة بـ"الأرسان الخمس" ومشايخ العقل الثوابت الاجتماعية، وفي حال التعديل في ترتيبهم تتم دعوة أهالي الجبل قاطبة من عمر عقد إلى الكهل، ويتم الاتفاق على تغيير أو استبدال، لكن هذه الظاهرة ساهمت في وضع حلول عديدة في المجتمع، ومثلت عاملاً ثقافياً مجتمعياً في تحديد نظام المجتمع والتوصل من خلالهم إلى اتفاقيات من شأنها نشر الأمن والأمان، والمساهمة في حل النزاعات والخلافات المحلية، والتوصل إلى تنظيم المجتمع تنظيماً فيه الحرص على الثابت الاجتماعي الحامل للثابت الوطني، من خلال أن تلك الأرسان ومشايخ العقل عبر التاريخ لم يتم اختيارهم إلا لإرثهم الوطني والانتمائي، ومحافظتهم على الأرض والعرض، وكانوا أصحاب دور ومضافات تاريخية مازالت حجارتها تشهد لهم إلى يومنا، ربما هذا الأمر جعلهم المرجعية الاجتماعية والدينية

أما عن طريقة وأسلوب تلبيس العباءة، فقد أوضح المحامي "ماجد الأطرش" المهتم بالتاريخ وتوثيقه: «هناك عرف اجتماعي اتفق عليه أهالي "جبل العرب" منذ ثلاثة قرون تقريباً، يتم العمل به، وهو يتجسد وفق أعراف اجتماعية، حيث تتم دعوة جبل العرب بجميع القرى، ويحضر من استطاع الحضور في "الموقف العام"، وحين استحضار جنازة الزعيم أو الأمير أو الشيخ المتوفى، وقبل مراسم الصلاة عليه أصولاً، يجرب دعوة "الأرسان الخمس" المؤلفة من أميري دار "عرى وشهبا"، وزعماء آل هنيدي، وآل نصار، وآل عز الدين، ومشايخ العقل الثلاثة، ويمسك العباءة من المنتصف "آل الأطرش"، ومن اليمين مشايخ العقل، ومن اليسار "آل عامر"، وباقي العائلات الخمس، ويتم وضع العباءة على أكتاف مستحقها ممن اتفق عليه من أسرته وأهل قريته على تسلم مقاليد الزعامة. وبعد تلبيس العباءة يضع "أمير دار عرى" يده بيد الزعيم الجديد، ويدور على الحضور للمباركة له، وبدوره يقوم بشكر الحضور على مشاركتهم، ويكون ذلك توافقاً اجتماعياً واتفاقاً كاملاً، ويصبح من تلك اللحظة زعيماً يقوم بممارسة صلاحياته الاجتماعية بحل الخلافات والنزاعات، ويعمل على رأب الصدع بين كافة الأطراف المتنازعة، ويحمل إرث أهله وأجداده بمواقفهم الوطنية والإنسانية والأخلاقية، ويكرس القيم المتفق عليها بالأعراف والتقاليد. بالمقابل يتعامل المجتمع مع "الأرسان الخمس" ومشايخ العقل بصفة المرجعية الاجتماعية والدينية على حد سواء».

الأستاذ إبراهيم جودية

وتابع المحامي "ماجد الأطرش" بالقول: «تعدّ الزعامات التقليدية المتمثلة بـ"الأرسان الخمس" ومشايخ العقل الثوابت الاجتماعية، وفي حال التعديل في ترتيبهم تتم دعوة أهالي الجبل قاطبة من عمر عقد إلى الكهل، ويتم الاتفاق على تغيير أو استبدال، لكن هذه الظاهرة ساهمت في وضع حلول عديدة في المجتمع، ومثلت عاملاً ثقافياً مجتمعياً في تحديد نظام المجتمع والتوصل من خلالهم إلى اتفاقيات من شأنها نشر الأمن والأمان، والمساهمة في حل النزاعات والخلافات المحلية، والتوصل إلى تنظيم المجتمع تنظيماً فيه الحرص على الثابت الاجتماعي الحامل للثابت الوطني، من خلال أن تلك الأرسان ومشايخ العقل عبر التاريخ لم يتم اختيارهم إلا لإرثهم الوطني والانتمائي، ومحافظتهم على الأرض والعرض، وكانوا أصحاب دور ومضافات تاريخية مازالت حجارتها تشهد لهم إلى يومنا، ربما هذا الأمر جعلهم المرجعية الاجتماعية والدينية».

ملاحظة: مصدر الصورة الرئيسة من الزميل الصحفي "مالك الشاعر".

المحامي ماجد الأطرش