عندما تصغي إلى حوار المهندس "حيان هلال" تعرف أنك أمام تجربة واقعية فيها من حقيقة العمل والبحث عن المعرفة؛ وهو ما أهّله للنجاح في المغترب للدراسة واكتساب المعارف العلمية والموسيقية المتميزة.

فبين رحلة اغتراب طويل وهذه الرحلة نقاط لا تقاس بالزمن، لأننا ببساطة نعالج رصيد هذا الشاب الذي استطاع أن يدير زوايا القدر وفق طموحه ورغبته في الحصول على الشهادة ككل طالب علم، لكنه عمل لتكون الشهادة تتويجاً لباقة من المهارات؛ أولها الاندماج مع مجتمع جديد، إلى جانب التدريس والفن ودراسة المعلوماتية في آنٍ واحد.

لقد أثبت لنا "حيان هلال" خلال مدة قصيرة قدرته على الاندماج، فقد استطاع أثناء عمله معنا في كلية الرياضيات تقديم دروس ممتازة بلغة رائعة جعلته أهلاً لثقة الطلاب، وهذا نتاج مميز لمدة اغتراب قصيرة إن كان على مستوى اللغة، أو المادة التي درّسها متابعاً دراسته بنجاح

عن هذه الرحلة تحدث "حيان هلال" عبر مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 3 حزيران 2018، وقال: «لم أبحث طويلاً قبل أن أجد أنّ "ألمانيا" هي أحد أفضل الأماكن للطلاب. وبما أنّ المعلوماتيّة كانت رغبتي منذ الصغر، فقد استطعت استعادة حلمي الأساسي في دراستها، بعد أن فقدت أملي في هذا في "سورية" نتيجة نظام المفاضلة. كنت قبلها أدرس العمارة في جامعة "دمشق"، لكنني اضطررت إلى ترك الكلية بسبب ظروف الحرب.

حيان هلال

وعلى الرغم من الصعوبات التي يتعرّض لها الشخص كل يومٍ في "ألمانيا"، إلّا أنّ الجو فيها مشجّع على الدراسة والعمل بطريقة رائعة، إن صرفنا النظر عن الصعوبات المالية، فإن اللغة الغريبة التي لم ندرس عنها أبداً من قبل، تعدّ الحاجز الأساسي أمام كل تطوّر في هذا البلد. أدركت هذا باكراً، فبدأت دراستها المكثفة منذ اليوم الأول لوصولي، ولم يمض أكثر من ثمانية أشهر حتى اجتزت امتحان اللغة المخصص لدخول الجامعة. عملت بعدها على إتقان الفصحى الألمانية من خلال تقليد حركات الفم. نطقي الألماني الصحيح جعل كل من يتعامل معي من الألمان يتفاجأ بأنني لست ممن عاشوا طفولتهم في "ألمانيا". فكان هذا السر في قدرتي على إنشاء علاقات وثيقة مع الكثيرين من الألمان. وبسبب انفتاحي على كل جديد، استطعت المشاركة في تقاليد ألمانية، لم يكن يظن أحداً أن أجنبيّاً مثلي قد يقوم بها، تماماً كما يفعل الألمان.

في الفصل الأول في الجامعة فهمت أحد التمرينات في الرياضيات بطريقة خاطئة؛ حللته وفق فهمي الخاطئ، فاستغرق مني أكثر من عشر ساعات. وعندما شرحت لأستاذي كيف حللته، أدرك أنني قد قمت بحل تمرين أعلى بكثير من مستواي، فأُعجب بأنني لم أستسلم على الرغم من الوقت الكبير وصعوبة التمرين الذي فهمته، وسألني بضعة أسئلة عن حياتي، وأدرك أنني محتاج إلى عمل يؤمن لي الاستقلال المادي، فعرض عليّ أن أقوم بمساعدته على كتابة المحاضرات؛ ما إن عملت معه، حتى أدرك أن قدراتي الرياضية مميّزة، فأمّن لي فرصة عمل بمرتّب أعلى؛ وهي تدريس الرياضيات. التجربة مفيدة جداً، استطعت من خلالها كسب احترام الطلاب، وزادت ثقتي بنفسي.

البروفيسور يوهانِّس براشه

في نهاية البكالوريوس في المعلوماتية، أيقنت تماماً أن أكثر ما يشدّني فيها هو الذكاء الصنعي؛ فمهمة الحاسوب القيام بالعمليات الحسابية المعقدة. في الذكاء الصنعي، هذه العمليات الحسابية هي الذكاء البشري بذاته، تصوّر أنّ كلّ ما كنا نظن أنّه حكراً على البشر، أصبح اليوم ممكناً مع الذكاء الصنعي. أذكر هنا مشروعين مما أنجزته حتى الآن: الأول موسيقيّ، وهو برنامجٌ تعطيه لحناً فيكتب لك لحناً آخر، وتكون النتيجة لحنين منسجمين يحققان المتعة للمستمع إذا ما استمع إليهما معاً. اقتصر برنامجي هذا على قواعد الموسيقا الكلاسيكية. مهمة التوزيع الموسيقي التي يحتاج المؤلفون الموسيقيون إلى الكثير من الوقت لإنجازها، يمكن أن تنجز بلحظات من قبل هذا البرنامج. أما المشروع الثاني فهو مشروع التخرج، وكان عن الخط العربي، وهو برنامج تعطيه لوحة بخطٍ عربيًّ معين، فيقول لك نوع الخطوط فيها. هنا أيضاً يمكن لهذا البرنامج تصنيف آلاف اللوحات إلى خطوطها في لحظات، بدل أن يقوم البشر بهذا ببطء».

الرسم والعزف مواهب الطفولة تابعها وحقق فيها الجدارة، كما أضاف: «وعندما كنت في سنّ العاشرة، لفت أبي نظري إلى الخط العربي، فأحببته، فاهتم بهذا اهتماماً شديداً واشترى لي أثمن الأقلام والأحبار. لم يمض وقت طويل قبل أن أكسب المرتبة الأولى في أولمبياد الخط العربي في "سورية" عندما كنت في الثانية عشرة من عمري. انتقلت بعدها إلى الموسيقا، بدأت تعلّم العزف على آلة الكمان، ثم انتقلت إلى البيانو ليساعدني في التأليف. لم أمضِ الكثير من الوقت في المعاهد، بل تعلمت أغلب ما تعلمته بنفسي. عندما انتقلت إلى "ألمانيا" أكملت في المجالين على نحوٍ سواء، فأصبحت أُدعى إلى الحفلات، فعملت بجهد أكثر لأجاري من حولي. شاركت في ثلاث حفلات مع أوركسترا جامعة "كلاوستال"، وثلاث حفلات فردية على البيانو. أما في مجال الخط، فقد تبنتني مدرسة للفن وتعلمت فيها فن الخط الألماني. أنجزت معرضين حتى الآن، كتبت في أحدهما قصيدة طلاسم للشاعر "إيليا أبو ماضي" بالعربية مع الترجمة الألمانية بالخطين الديواني العربي والألماني. وقد عُلّقت هذه اللوحة في مكتبة جامعة "كلاوستال" فيما بعد، وستبقى هناك».

الطالبة سراة حرب

أستاذه البروفيسور "يوهانِّس براشه" الذي لمس مواهبه في الرياضيات وقدراته في الاندماج والتفاعل مع المجتمع الألماني قال (الترجمة من الألمانية): «لقد أثبت لنا "حيان هلال" خلال مدة قصيرة قدرته على الاندماج، فقد استطاع أثناء عمله معنا في كلية الرياضيات تقديم دروس ممتازة بلغة رائعة جعلته أهلاً لثقة الطلاب، وهذا نتاج مميز لمدة اغتراب قصيرة إن كان على مستوى اللغة، أو المادة التي درّسها متابعاً دراسته بنجاح».

مواهب متعددة أهّلت طريق النجاح؛ هكذا عبّرت "سراة حرب"، طالبة الطب البشري في "ألمانيا"، وقالت: «أعرف "حيان" منذ أن كنّا في "سورية" قبل السفر، وأعرف أنّ لديه اهتمامات كثيرة تشغل وقته، وعلى الرغم من أنّ الفرصة لم تتوفر له لتطوير مواهبه تلك في "سورية"، إلّا أنّه أثناء السفر التقى أشخاصاً كُثُر، لديهم هوايات في العزف والخط والرسم وحتى الرياضيات، فاستطاع نشرها أكثر، وعزف مع أوركسترا الجامعة، والتحق بمشغل رسم، وطوّر مواهبه كثيراً.

ذكاؤه وقدرته على تنظيم الوقت بين الدراسة والفن والعمل، أهّلاه لإظهار تميّزه. الفصل الماضي كان آخر فصل في البكالوريوس، وقد عمل فيه على مشروع التخرج الذي دمج فيه دراسته مع اهتمامه بالخط العربي، ونال درجةً عالية. "حيان" حالياً يدرس الماجستير بجامعة "آخن"، وأتوقع له نتائج متميزة تبعاً لاهتمامه وجهوده وأبحاثه المتعددة».

الجدير بالذكر، أن المهندس "حيان هلال" من مواليد "السويداء" عام 1993، انتقل إلى "ألمانيا" عام 2014 كانون الثاني، تخرج مهندس معلوماتية عام نيسان 2018، يدرس الماجستير بتخصص الذكاء الصنعي. كما أنه قد كان أحد المتحدثين على منصة TEDX هذا العام بموضوع الفرق بين العرب والغرب.