من أصقاع المعمورة جمع قطعاً تراثية وصلت إليها عينيه حفظها "مرسل بلان" في منزله بمحبة، فأصبحت ذخيرة تراثية خالصة ومتحفاً ثرياً للزوار والمهتمين.

لم يعد من أسفاره خالي الوفاض، بل حمل ما جذب بصره وأفرح روحه من قديم القطع والمقتنيات التي عاشرت أيدي القدماء في "السويداء" وقريته "ملح" ومناطق مختلفة من العالم، قناعته أن الفن والحرفة هبة الإنسان وما صنعه بيديه خالط الفن وعجن بذكريات الزمان القديمة؛ لذا يعزّ عليه التفريط بها كما أخبر مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 30 أيلول 2018، أثناء زيارتنا لمضافته التراثية التي جمعت عشرات الآلاف من المقتنيات صغيرها وكبيرها بحس فني جميل؛ باعتبارها متحفاً تراثياً، وقال: «أكثر من خمسين عاماً كانت فيها طبيعة العمل تقتضي التنقل بين عدة محافظات ودول، كان للعمل وقت وللتراث أوقات أقصد فيها أسواق ومناطق قديمة، فلا معنى للزيارة بالنسبة لي بلا التجوال وملامسة ثقافة هذا الشعب والتعرف إلى ما يصنعه الأهالي من قطع فريدة، وأصول صناعتها وتاريخها وفائدتها.

اختلفت زينة العرائس عبر الزمن، وفي كل منطقة نجد منها الكثير، لكن الأكثر ثقلاً والأجود نوعية تلك الإكسسوارات القديمة التي تعاملت معها النساء في مدن مختلفة داخل وخارج "سورية". في هذا الركن جمعت تيجان وأساور وعقود من أنواع صافية وثمينة؛ مطلية تلمع ببريق الألماس وتضيء الظلمة ليلاً، تجاور علب العطر والمكاحل الفضية والذهبية والمشغولة بأنواع مختلفة من ممتلكات القصور والأسر الملكية. صور نقلت فيها ثراء بعض عائلات تلك الأزمنة ورفاهية تظهر من مقتنياتهم آلاف من القطع تزين المكان

هي موهبة رافقتني وخلقت أهمية لأي شيء من أغراض المنزل المعدنية والخشبية والقطع التزيينية، وكل ما تمكن الإنسان من تشكيله للاستفادة منه في المنزل ومتطلبات الطعام والشراب. أختزن في ذاكرتي التفاصيل عن هذه المقتنيات. حاولت قدر الإمكان جمع الأجمل منها؛ (عقود، سبحات، أحجار كريمة، حجارة ملونة، أصداف)، وقطع لا يعرفها كثر؛ أضفتها إلى مقتنياتي اليوم وجمعتها في أحد أركان مضافتي لتضاف إلى عشرات الآلاف من المقتنيات، التي رغبت أن تكون مما استخدمت، وأضفت إليها الكثير. على سبيل المثال: احتفظت من سنوات الشباب بكل سبحة اشتريتها ولم تكن قطعة عابرة، بل كانت من أحجار العقيق والمرمر، وغيرها من حجارة كريمة معروفة المصدر، أبقيتها ليصل عددها إلى المئات بألوان وأشكال وأنواع لكل منها قصة أحصيها بالحبة وأقوم بتفقدها، لتكون على الدوام جميلة ومرتبة؛ فهي نوع من الذكريات ورصيد أعتزّ به».

مرسل بلان في مضافته التراثية

في هذه المضافة يسير البصر على هدي جمال قطع الكريستال وبريق النحاس، وتطوف مع الفضة الخالصة إلى أزمان كانت فيها هذه القطع زينة للقصور وأبهى الأماكن، كما أضاف العم "أبو خلدون"، وقال: «حرصت خلال سنوات العمر أن أبحث عن كل ما هو فريد، كثر يتوقعون أن آخر الصيحات بالأواني والإكسسوارات هي النوع الفريد والعصري. أنا اخترت اتجاهاً آخر وأدرت العجلة إلى الخلف، فباتت أقدم القطع بغيتي والأكثر فرادة بالنسبة لي، وبدأت من مقتنيات منزلنا القديمة من النحاس، وأستعيد زمناً كان والدي يشتريها ويزود بها منزلنا القديم في قرية "ملح"؛ فقد عمل بالتجارة عقوداً طويلة، وهو أول من نقل النحاس من المدينة و"دمشق" إلى قريتنا "ملح" لنملك منه الكثير؛ فالنحاس كان المادة الأولية لكل الأواني المنزلية بعد الفخار.

بعد الانتقال إلى "السويداء" حافظت على كل الأواني الكبيرة منها والصغيرة. يكفي لمقلاة نحاسية عمرها مئتا عام أن تكون بين هذه المقتنيات تلك التي طهت فيها جدتي وأمي طعام المحبة للعائلة لتزين المكان بعبير الذكرى، ومثلها قطع كثيرة متعددة الاستخدام.

أركان تزخر بالجمال

إلى نحاس المنزل القديم أضفت الكثير، هذا المعدن مضى له عزّ كبير في عصر الأجداد، فلماذا نهدره؟ معه نتذكر حكايات كبار السنّ؛ همومهم أفراحهم، وكل ما جال في ذاك الزمان، وقد جعلت أهم المواقع في مضافتي لهذه النحاسيات، تعكس تسلسلاً جميلاً لمعظم العصور؛ كيف كان قديماً، وكيف تم تطويره، هنا يظهر للزائر كيف ارتقت حرفية صناعته وصولاً إلى هذا الزمن.

وفي أركان جانبية أضفت قطع الفضيات؛ الأطباق و"شمعدانات"، ومجسّمات اشتريتها بما ادخرت. بحثت عن مجموعاتها حاولت جمع القدر الأكبر. وبالنسبة لي، لم تكن هذه العملية هدراً للمال، بل كانت صناعة لمال من نوع آخر؛ مال مقاوم للزمن المتصالح معه ليزيده مرور السنوات لمعاناً، لا يقل عن ضياء قطع زينت بالكريستال وأنواع مختلفة لها قيمتها نقلت من مسيرتها وترحالها بين الأمكنة الكثير، وأسست بجانبها مكتبتي الخاصة، التي جعلتها متخصصة لكتّاب جادوا بها هدية لتزيد من ألق مقتنياتي ندرة وجمالاً».

الفنان مروان جمول

إكسسوارات العرائس لها زاوية نادرة بكل ما للكلمة من معنى؛ يعرفنا بها ويقول: «اختلفت زينة العرائس عبر الزمن، وفي كل منطقة نجد منها الكثير، لكن الأكثر ثقلاً والأجود نوعية تلك الإكسسوارات القديمة التي تعاملت معها النساء في مدن مختلفة داخل وخارج "سورية". في هذا الركن جمعت تيجان وأساور وعقود من أنواع صافية وثمينة؛ مطلية تلمع ببريق الألماس وتضيء الظلمة ليلاً، تجاور علب العطر والمكاحل الفضية والذهبية والمشغولة بأنواع مختلفة من ممتلكات القصور والأسر الملكية. صور نقلت فيها ثراء بعض عائلات تلك الأزمنة ورفاهية تظهر من مقتنياتهم آلاف من القطع تزين المكان».

عن مشروعه الذاتي الذي بناه بجهده الخاص وفكرة المتحف لكل المهتمين في المحافظة قال: «أنا أحد جامعي المقتنيات التراثية، وفي مدينتي أشخاص مثلي بذلوا الكثير من الجهد لتختزن منازلهم بآلاف القطع النادرة. ما نسعى إليه من خلال جمعية "العاديات" -التي أنا عضو فيها- أن نؤسس نواة متحف تراثي نتعاون فيه كمشروع مع الجهات المختصة، ولن نبخل بتقديم ما يغني المتحف ويحفز على تطوير المشروع، كي لا تبقى هذه المقتنيات رهينة المنازل، وتقدم إلى كل من بحث عن المعرفة والجمال؛ فهذه المقتنيات ثروة معرفية لا يمكن تجاهلها، وهي وصيتي لعائلتي وأولادي الذين نقلت لهم هذه الهواية لنحفظ منها كل ما هو جميل وله قيمة».

الفنان "مروان جمول" زائر دائم لهذه المضافة ويحفظ من الصور والأخبار ما يعبر عن قيمة المقتنيات والجهد الكبير لجمعها، كما حدثنا بالقول: «في كل زيارة إلى منزل جاري "مرسل بلان" ألاحظ قطعة جديدة في أحد أركان هذه المضافة، التي تكتنز بأجمل المقتنيات وأندرها، فلكثرة الأنواع والأشكال التي تشغل الناظر يتوقع أنه عرف ما احتوت أركانها، لكنه في زيارة ثانية يعود ليكتشف الجديد. إلى جانب جهوده التي استمرت عقوداً طويلة في الجمع وشراء الأندر، يظهر ذوقه الجميل في عرضها وتصنيفها من المدخل الذي يعرض المستحاثات وملاعق الفضة والآلات الموسيقية والسبحات وعقود الخرز القديمة من قارات مختلفة، إلى النحاسيات والفضة والكريستال والخشبيات والصدفيات واللوحات الفنية و"البراويز" والقطع التزيينية، وكل ما يخطر في بالك.

رسائل من عصور جميلة حملت لوناً فريداً، والأجمل أنه قادر على تقديم الكثير من المعلومات عنها وزمنها، وأقدم الأماكن التي استقرت فيها، ومن امتلكها، والسعر الذي حصل عليها به، ومن أين، تاريخ غني لا تفي حقه زيارة واحدة، وهو المرحب بالزوار وكل المهتمين بالزيارة، للتعرف إلى ذخيرته التراثية التي تكبر وتتمدد لتعم أرجاء منزله، محاولاً استثمار كل الأركان بفنية وذكاء ليعرض أجمل ما لديه وأندره، هذا المكان يليق به اسم المتحف، على أمل أن يتحقق حلمه وحلم رفاقه في هذه الهواية، بتأسيس متحف كبير يجمع جهود كل جامعي المقتنيات التراثية على مستوى المحافظة».

ما يجدر ذكره، أن "مرسل بلان" من مواليد عام 1949 قرية "ملح"، ومستقر بمدينة "السويداء"، عمل في أعمال حرة لها ارتباط بمدن الملاهي، يرحب بالزوار، ولديه عدد كبير من المهتمين الذي يقصدون مضافته المتحف.