تعدّ مضافة "ريمة حازم"، أو كما أطلق عليها "نجمة الصبح" من أقدم المضافات في "جبل العرب"، وواحدة من الأماكن التي حوت قصصاً وحكايات تناقلتها الألسن وحفظتها الذاكرة حتى يومنا هذا.

حول تاريخ ونشأة المضافة، مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 27 أيلول 2018، التقت المؤرخ "إسماعيل هنيدي"، فتحدث بالقول: «ذكرت كتب التاريخ عن قرية "ريمة حازم" العديد من المواقف التاريخية وخاصة عبر طريقها المعروف بطريق الحج الممتد إلى مدينة "حمص"، لكن المفارقة أن هذا الطريق الذي مرّ عليه "هرقل" ربما الحديث عنه يحتاج إلى شرح مفصل، لكن توجد في القرية مضافة أطلقت عليها ألقاب متعددة؛ منها "نجمة الصبح"، وهي التي تمّ ترميمها عام 1881 على يد البنّاء اللبناني "ديك الشويري" الذي جاء إلى "جبل العرب"، وبنى ثلاثة مقاعد في قرى مختلفة، إذ يذكر بعض الناس الذين تواتروا الأحداث أنها أول سكنى قريتنا "ريمة حازم" عام 1641، من آل "المصري"، ووجدت فيها آثار مكان المضافة والكنائس وغيرها، لكن المضافة التي أسسها الشيخ "عبد الله هنيدي" الملقب بـ"أبي حمد" نقلت حجارتها من جنوب القرية، وهذه الحجارة قديمة تعود إلى عصور غابرة؛ لأن النقوش التي عليها تجعلنا نتأكد أنها أقدم من العصور الرومانية وفق بعض علماء الآثار الذين زاروا القرية وأكدوا أن المعلومات التاريخية والأماكن الأثرية مهمة فيها. وإذا ما دخلنا إلى المضافة نجد (النقرة) القديمة وأماكن وضع الاحتياجات، وهي قائمة على أعمدة أقدم منها بكثير، وسقفها مصنوع من الخشب الشامي القديم، والباب اليدوي الذي يعود قدمه إلى زمن إنشائها. وقد جرت أحداث ووقائع دوّنها التاريخ في أرجائها، وبعضها دوّنها المعاصرون عبر التواتر، ولكن -يا للأسف- لم يبقَ أحد ممن عاصروها، وإنما بدورنا ننقل ما حُفظ في الصدور عن تلك الأحداث».

مثّلت المضافة الجامعة والمدرسة الاجتماعية؛ فمن خلالها كان صدور التوجيهات والإرشاد، وبناء الشخصية الاجتماعية والإنسانية، ونشر القيم والأخلاق والمعارف، لأن الذاكرة الشعبية الزاخرة بالأحداث تتناقل حكايات ووقائع ما جرى داخلها، إذ بها يتعانق الصليب والهلال، ومن خلالها يتم الصلح بين المتخاصمين، وقريتنا ذات التنوع الديني لم تشهد يوماً خلافاً واحداً، ولعل هذا التوافق الأخوي واجتماع كافة الأطياف فيها يومياً لشرب القهوة وتداول الأحاديث؛ جعلها منارة وإشعاعاً معرفياً تنويرياً؛ لذا أطلق عليها "نجمة الصبح"؛ وهي كذلك قولاً وفعلاً

وعن بعض الأحداث والوقائع أوضح "توفيق البيطار" أحد أهالي القرية، بالقول: «عرفت مضافة "آل هنيدي" في قرية "ريمة حازم" بلقب ظلّ متداولاً لعقود خلت، وهي "نجمة الصبح"؛ فمنذ الصباح الباكر تفوح منها رائحة البنّ والهيل من خلال أدوات القهوة المرّة العربية، وخاصة "النجر" أو "المهباج" الذي بصوته يجلب الضيوف، فأبوابها مشرعة وجدرانها الواسعة العالية، ومساحتها الوافرة وكرم أهلها واستقبالهم، خاصة أن مؤسسها الراحل الشيخ "عبد الله هنيدي" كان واحداً من عقلاء المنطقة وصاحب مواقف مشرفة ضد الاستعمار العثماني، فقد قدم ابنه "حمد" شهيداً في معركة "المزرعة الأولى" ضد الأتراك، وهو الوحيد على ست فتيات، وعليه مثّلت المضافة برلماناً حقيقياً للتشاور وأخذ العلم وإصدار قرارات الحرب والسلم، وحلّ النزاعات والخلافات القديمة بين القبائل العربية والمحلية، وذكر كبار السن أن أحفاد الأمير "عبد القادر الجزائري" جاؤوا وأقاموا بهذه المضافة مدة زمنية، كما جرى اجتماع مهم في المضافة عام 1894 لأخذ القرار ضد "ممدوح باشا"، وجرت معركة كبيرة».

إسماعيل هنيدي يشرح عن حجارتها

أما الإعلامي "عبد الله القطيني" وهو أحد أبناء القرية، فيقول: «إن زائر المضافة يشعر بأهميتها التاريخية، ويشاهد الحجارة التي نقشت عليها كتابات وحروف تعود إلى عصور غابرة، وحين زارنا وفد من الآثار واطلع على طبيعة الحجارة، اكتشف أنها مبنية على أوابد تاريخية قديمة تعود في قدمها إلى مئات السنين، والدلالة على قدمها أن هناك حكايات اجتماعية متداولة عن أحد أجدادي من آل "القطيني"؛ وكان فارساً مقداماً قد دخل بفرسه لفك أزمة حدثت، وغرس رمحه بين صخور تلك المضافة وأمامها تحديداً، الأمر الذي دفع بأحد العقلاء الحضور أن يغرس بدلاً من الرمح رمز الحرب؛ شجرة من أجل نشر المحبة والوئام والصلاح بين الأنام، ومازالت تلك الشجرة إلى يومنا الحالي شاهدة عيان على تلك الحادثة التاريخية».

أما إمام القرية الشيخ "جميل مسعود هنيدي"، فبيّن أهميتها في التوعية قائلاً: «مثّلت المضافة الجامعة والمدرسة الاجتماعية؛ فمن خلالها كان صدور التوجيهات والإرشاد، وبناء الشخصية الاجتماعية والإنسانية، ونشر القيم والأخلاق والمعارف، لأن الذاكرة الشعبية الزاخرة بالأحداث تتناقل حكايات ووقائع ما جرى داخلها، إذ بها يتعانق الصليب والهلال، ومن خلالها يتم الصلح بين المتخاصمين، وقريتنا ذات التنوع الديني لم تشهد يوماً خلافاً واحداً، ولعل هذا التوافق الأخوي واجتماع كافة الأطياف فيها يومياً لشرب القهوة وتداول الأحاديث؛ جعلها منارة وإشعاعاً معرفياً تنويرياً؛ لذا أطلق عليها "نجمة الصبح"؛ وهي كذلك قولاً وفعلاً».

المضافة من الداخل
مع بعض أهالي القرية