يعدّ الأديب "صالح عزام" واحداً من الأدباء الذين اهتموا بالتكثيف اللغوي في أشعارهم، والأجناس الأدبية التي أبدع فيها، وخاصة القصة القصيرة جداً الأكثر قابلية لذلك.

حول التكثيف اللغوي في الشعر، مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 6 تشرين الأول 2018، التقت الشاعر "صالح عزام" المجاز في اللغة العربية، والمدرّس لأكثر من ثلاثة عقود ونيف، حيث بيّن قائلاً: «الشعر كونٌ بحدّ ذاته مستقل تصنع سماءه كينونات الشعراء، وخصوصياتها الأدبية، فكل يدور في مدارات ذلك الكون اللا متناهي، فالفكرة كانت وما زالت على الأرصفة، لكن الخلق الجديد لها يكون مداراً في رحاب الكون الشعري، لم أجد في الحديث عن ذلك الموضوع في الكون الشعري كلمة تعطيه معناه أكثر من كلمة "رتق"؛ أي إنه الالتصاق والانكماش الذي لم يصنع الكون من هذا الالتصاق وليس بمعناه إلا "فتقناهما"، لأن الكون الشعري لن يكون بديعاً إلا بعد الفتق اللغوي البديع الذي يشبه إبداع الكون بجمالياته، وهنا ندرك خطورة التكثيف عند من لا علاقة له بالشعر والأدب، وبتصورنا أن مفهومه هو الإعتام الفكري أو الظلام، أو انكمش في حالة ممزوجة حتى أصبح أصغر من الذرة، إلى درجة أنه يجذب الضوء فلا يستطيع الإفلات منه. أنا أبحث عن الشعر الحي، عن الماء اللطيف الذي يولد الحياة ويعكس ضياء الشعر وألقه، وهذا هو التكثيف، فهو حالة إبداعية تغني وتضيف إلى اللغة والفكر معاً، فعكسه التبخر؛ وهو ما يولد ضياء الفكر والجمالية في الشعر، وفي قصيدتي "اغسلوا دمنا" فيها من ذلك النمط في الدلالة والمعنى التاريخي للزمان والحدث المعاصر عبر دعوة، فأقول:

بلغة الفكر هذه سردية تاريخية لتاريخ صراعات العرب مع أنفسهم، لكنها لحظة حداثية معاصرة تطلب أن نغسل دم هذا التاريخ عن الجذور التي مازالت تمد إلينا القتلى، وتبعدنا عن إنسانيتنا، فأقول في قصيدتي متابعاً: "اغسلوا دمنا بعطر الورد... كي يغدو الغد نجماً... فينير الظلمة فينا" فالغد معادل إنساني مشرق لماضٍ ما زال يلحقنا بسواده وجهله، المطلوب النص الجمالي الذي يبرز الفكرة في معان ومظاهر مدهشة بلغة انزياحية إباحية لا تسقط المعنى، بل ترسم آفاقاً مدهشة تتعلق بجسد التواصل الأدبي ما بين الشاعر والمتلقي، فالمتلقي جزء من عملية الإدهاش عندما يخلق للكلمات معاني أخرى قد لا ينتبه إليها الشاعر، وهنا دور الأدب في خلق حالة توعوية لدى المتلقي في مستوياته المختلفة

"اغسلوا دمنا عن قحطان... عن عدنان... عند منذر وعن غسان... وأبي ترابٍ عن عثمان... عن الشطآن والخلجان... عن المجوس والنيران... عن الصلبان والقرآن... عما أنزل الرحمن... من كتب الأديان... اغسلوا دمنا"».

الناقدة إيمان نعيم

وتابع الشاعر بالقول: «بلغة الفكر هذه سردية تاريخية لتاريخ صراعات العرب مع أنفسهم، لكنها لحظة حداثية معاصرة تطلب أن نغسل دم هذا التاريخ عن الجذور التي مازالت تمد إلينا القتلى، وتبعدنا عن إنسانيتنا، فأقول في قصيدتي متابعاً:

"اغسلوا دمنا بعطر الورد... كي يغدو الغد نجماً... فينير الظلمة فينا"

الشاعر صالح عزام

فالغد معادل إنساني مشرق لماضٍ ما زال يلحقنا بسواده وجهله، المطلوب النص الجمالي الذي يبرز الفكرة في معان ومظاهر مدهشة بلغة انزياحية إباحية لا تسقط المعنى، بل ترسم آفاقاً مدهشة تتعلق بجسد التواصل الأدبي ما بين الشاعر والمتلقي، فالمتلقي جزء من عملية الإدهاش عندما يخلق للكلمات معاني أخرى قد لا ينتبه إليها الشاعر، وهنا دور الأدب في خلق حالة توعوية لدى المتلقي في مستوياته المختلفة».

وحول التكثيف برؤية نقدية أشارت الناقدة "إيمان نعيم"، بقولها: «لعل أكثر ما يلفت انتباه القارئ عدم استخدام الكاتب الأديب "صالح عزام" حروف العطف؛ الواو والفاء وغيرهما، وهو ما يشدك إلى البحث ضمن ماهيته في الإبداع أو الابتداع نصاً ولغة ومعاني وغايات، وربما دعاني ما قرأته للشاعر في البحث عن دلالته في شعره، فإذا هو اقتصار للمعاني والغايات بكلمات قليلة، فإننا نجد في كتاباته نصاً تام المبنى من ناحية الزمان والمكان مع تقنيات الحبكة والتشويق والإثارة والوحدة الشعورية المتكاملة في بنية القصيدة، وكلها مكثفة فيما أسماه أديبنا قصيدة، وهي فعلاً لا تتجاوز سطوراً قليلة، وربما يعجز عنه العديد من الأدباء، إنها عملية الاختصار للألفاظ والحروف للمقدمة والخاتمة والعرض في عملية الإبداع، وهذه العملية تشد القارئ في زمن السرعة المسيطر على القراء المنفلتين من قيد الإطالة، إذ باتت قراءة النص الطويل مهمة مملة للقارئ وسط هذا الكمّ الهائل من غزو المعلومات للأدب والشعر، الذي أصبح يكتبهما كل من لا يجيد الكتابة، ولعلنا نجد في بعض نصوص الشاعر "صالح عزام" تكثيفاً إبداعياً لافتاً باهراً نستشفه من خلال قصائده المتنوعة».

صالح عزام يقرأ من أشعاره

الجدير بالذكر، أن الشاعر "صالح عزام" من مواليد "السويداء"، عام 1960. له ديوانان قيد الطبع، هما: "نسيم الروح"، و"روح وحر".