استطاع الفنان "يحيى القنطار" أن يطور آلة "الربابة" من آلة شعبية تقليدية بسيطة بنمط ألحانها وأسلوب عزفها إلى آلة موسيقية بأبعاد فنية متطورة تحمل الأبعاد العلمية الفنية بألحان إبداعية جديدة.

حول العزف على آلة "الربابة" وتطويرها وخروجها من إطارها التقليدي، مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 3 كانون الثاني 2019، التقت الفنان "يحيى القنطار" الشاعر والملحن، وبيّن قائلاً: «استهوتني آلة "الربابة" مذ كنت في السنة الرابعة من عمري؛ حين زارنا الشاعر الشعبي وعازف "الربابة" "صابر معروف"، حيث تسللت أنغامها إلى قلبي وعقلي، فما إن ذهب الضيف حتى امتشقت قوس "الربابة" وحاولت العزف عليها، وكانت حينئذٍ أطول مني، لأنني في الرابعة من العمر، وبدأت أتعلم عليها، وحين كنت في الصف الثالث الابتدائي أصبحت عازفاً على آلة "الربابة"، ودخلت مسابقة الرواد، ونلت المرتبة الأولى وكنت رائداً على مستوى القطر في العزف في الصف الخامس، حتى إنني قدمت في الإذاعة السورية أغنية وطنية، وهناك مسألة ربما جعلتني أكثر مهارة حين كنت صغيراً؛ فالأصابع الأربعة استخدمتها معاً، أما الإبهام فلم أستطع استخدامه لقصر يدي على عمود "الربابة"، وأخذت مني هذه الطريقة في العزف مدة طويلة حتى تقدم بي السن وأصبحت أستخدم الإبهام، لكن قبل استخدامه؛ وهو من ضروريات العزف كنت أقدم ألحاناً شعبية متنوعة، ولعلني أول من استخدم الأصابع الأربعة معاً على آلة "الربابة" في "السويداء"، إذ كان جل اهتمامي الخروج من النمط التقليدي السائد، فقد عمد الشعراء إلى تقديم أنماط تراثية مثل: "الشروقي، والهجيني، والفن، والعتابا" ضمن دائرة معينة وألحان ثابتة، لكنني حاولت تطويرها وأدخلت التكنيك الموسيقي إلى تلك الآلة؛ وهي وتر واحد من الشعر، وفكرت ملياً بدراسة الأبعاد الموسيقية وعزف المقامات بكامل أزمنتها، حتى إنني قدمت "الشروقي"؛ وهو من الألحان البدوية التي قلما يستوعب المتلقي مفردات كلمات القصيدة إلا إذا كان ابن البيئة نفسها، وهي تحتاج إلى المد الصوتي في أواخر الكلمات حسب ألحانها المتعددة، بطريقة تفردية، وجزأت الكلمات والألفاظ بأسلوب بات المتلقي يعي ما يسمع ويطلبها، وعليه كسرت الحاجز التقليدي بذلك لأنغام "الزوبعي، والباسلي، والغياثي" وغيرها، وقدمتها كلمة كلمة وضمن عرب صوتية طربية».

حين تستمع إلى الموسيقار "يحيى القنطار" تندهش ببراعة العزف والألحان التي يقدمها والأداء المميز، حتى تظنّ أنه يعزف على آلة الكمان وليس على "الربابة"، لتعدد الألحان والمقامات والأبعاد الفنية والجمال الحسي المميز به في اندماجه بين ما يعزف ويؤدي بصوته الرخيم، فهو عازف رفيع المستوى ومطور حقاً لآلة "الربابة"، وذو صوت شجي، وشاعر له حضوره المسرحي اللافت

أما من ناحية العزف بين القرار والجواب بالصوت واستخراج أنغام موسيقية، فتابع "القنطار" بالقول: «لقد استخدمت لأول مرة التكنيك الموسيقي على "الربابة"، وبالتالي بدأت أقدم القرار والجواب المتلائم لطبيعة الأداء؛ وذلك بتكرار الكلمة المغناة والجملة اللحنية، وهي نوع من الطرب الشعبي، حتى حين قدمت أول لحن لي؛ وهو موجه إلى قريتي "داما" بعنوان: "يا حلوة بداما" ووزعت اللحن نفسه على كلمات مختلفة بعنوان: "يا ديرتي يا ديرتي وداعاً يا حبيبتي"، ردد هذا اللحن على شفاه آلاف الناس، مع التأكيد أنني لم أقلّد أحداً، وربما ما أتميز به أنني أعيش وأتفاعل مع معاني الكلمات الشعرية بإحساس، وأقدمها بألحان تحمل البعد الجمالي الحسي حتى تكوّنت لدي لوحة فنية متكاملة بالكلمات واللحن والأداء والعزف، إضافة إلى موهبة الصوت التي وهبني الله إياها بطبقات القرار والجواب، لهذا منذ نصف قرن وأنا أعزف وأغني وما زلت أبحث عن التجديد في هذه الآلة ذات الوتر الواحد وأكتشف بها كل ما هو جديد ومبدع، فهي تتماهى مع روحي وباتت جزءاً مني ولا يمكن أن أبتعد عنها، وربما حبي لها جعلني أعزف عليها أغاني طربية للسيدة "أم كلثوم" وغيرها من كبار المطربين العرب، التي تحتاج ألحانهم إلى براعة في الأداء والعزف والتوزيع».

وعن مهارة العزف وبراعته وأسلوب التكنيك الحديث، أوضح شاعر "الربابة" "أدهم البربور" قائلاً: «ما يميز الفنان "يحيى القنطار" ليس فقط أنه عازف "ربابة" من الطراز المميز، بل لأنه استطاع أن يخترق المألوف والحصول على أفئدة سامعيه من أفراد المجتمع، وانتزع ألقاباً منا؛ إذ كما عرف الموسيقار "فريد الأطرش" بأنه "ملك العود" والموسيقار "رياض السنباطي" بأنه اللحن الخالد، فإن الفنان "يحيى القنطار" موسيقار وسلطان العزف على آلة "الربابة" بما يتميز به من براعة تكنيكية بين العازفين حتى بات الكثيرون ممن يحبون العزف يتقمصون أسلوبه وطريقته ونهجه، ولا بدّ من ذكر ملاحظة أنه استطاع استثمار العلامات الموسيقية المتاحة بالكامل على هذه الآلة بأسلوب تقني رائع ومنهجي مميز، مع امتلاكه الإحساس بالأداء».

ومن أحد المستمعين إلى عزفه بين الأوساط الاجتماعية "عادل الحكيم" المهتم بالتراث الشعبي أشار قائلاً: «حين تستمع إلى الموسيقار "يحيى القنطار" تندهش ببراعة العزف والألحان التي يقدمها والأداء المميز، حتى تظنّ أنه يعزف على آلة الكمان وليس على "الربابة"، لتعدد الألحان والمقامات والأبعاد الفنية والجمال الحسي المميز به في اندماجه بين ما يعزف ويؤدي بصوته الرخيم، فهو عازف رفيع المستوى ومطور حقاً لآلة "الربابة"، وذو صوت شجي، وشاعر له حضوره المسرحي اللافت».

الجدير بالذكر، أن الشاعر والفنان "يحيى القنطار" من مواليد قرية "داما" بمحافظة "السويداء"، عام 1967.