لم يتعامل "المنذر الشوفي" أستاذ الجغرافية مع التعليم كمهنة، بقدر ما يعدّه فنّاً؛ إن أتقنه المعلم يصل إلى محبة الطالب وزيادة الثقة التي هي أساس نجاح العملية التربوية، عرف بطريقته المتفاعلة ورغبته بتطوير مهاراته العلمية، لتدريس مادة يتجنبها كثر لصعوبتها، بينما يراها بمنظور آخر كمادة تتلاقى مع علوم الطبيعة والحياة.

الأستاذ "المنذر الشوفي" تحدث من خلال مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 26 كانون الثاني 2019، وقال: «لم يكن هذا الاختصاص رغبتي منذ البداية، ولم أكن أفكّر به؛ خاصة ضمن دراستي للفرع العلمي.

إذا الليل مدّ جسور الظلام وأرخى على الناس ثوب الهيام ## وأسدل شعراً كما عندليب ## فأندى به الأرض طيب الكلام ## دمشق التي أسكنتها القلوب ## أريج البنفسج زهر الخزام ## دمشق التي أمطرتها السنون ## حكايا الخلود وهمس السلام ## عذوبة ما في الوجود دمشق ## ففيك المحبة قطر الغمام ## تعالي إليّ وأرخي الشجون ## فقلبي صبٌّ بك مستهام

بعد أن دخلت قسم الجغرافية وجدت فيه ما يلامس حياتنا اليومية من ظواهر عديدة، عندما ننظر إليه كعلم تطبيقي. لهذا أيقنت أنه عندما نبحر فيه نسير باتجاه النجاح. وأصبحت زيادة المعرفة في هذه المادة مهمة ومشروعاً اشتغلت عليه خاصة في مجال التدريس؛ بهدف اكتساب المعرفة في مجالات الجغرافية الغنية».

المدرّس المنذر الشوفي خلال الدرس

يصف طريقته بتقديم المادة وعلى أي تجربة يعتمد بالقول: «تعودت المناهج القديمة إدراج هذه المادة ضمن نطاق الحفظ والعلوم الإنسانية، لكنها في الحقيقة مادة تصل بين الظواهر الطبيعية والبشرية؛ فهي ترتكز على المواد العلمية، وخاصة المساحة والفلك ودراسة المياه والمناخ، وتأخذ من العلوم الإنسانية ما يتكامل معها.

وبرأيي لا تقتصر مهمة المدرّس على إعطاء المعلومة، فالمدرّس الناجح يجب أن يمتلك الشخصية المؤثرة والأسلوب الشائق، وبقدر ما يستطيع أن يقرّب المادة إلى أذهان الطلاب ويحببهم بها من خلال آلية الفهم والتركيز على التحليل والاستنتاج، ينجح في عمله، كما يمكن الاستفادة من وسائل التكنولوجيا كمقاطع الفيديو والبرامج العلمية كعامل مشوّق؛ لهذا يجب التركيز على خبرات الطلاب، ومنحهم المساحة الكافية للتعبير عن أفكارهم.

مع إحدى طالباته

أظنّ أن ما زاد من اهتمام طلابي بدروسي تناول مواضيع حياتية تتعلق بالجغرافية؛ أي ربطها بالواقع والعلوم الأخرى، وساعدني على ذلك إلمامي بعلوم أخرى كالرياضيات والفيزياء، لكوني نلت الثانوية بالفرع العلمي، وأجيد اللغة الفرنسية إلى جانب محبتي للغة العربية وكتابة الشعر».

تطوير المهارات توجه فردي ورغبة حققها بالترجمة لمراجع باللغة الفرنسية واستكمال الدراسات العلمية إلى جانب الشاشة التفاعلية، وقال: «كانت ترجمة كتاب عن الحالة السكانية جزءاً من عملي للحصول على الدراسات العليا، وزادت من معرفتي، وخاصة في مجال التخطيط الإقليمي ودراسة السكان، فتعرفت إلى طريقة تعامل العرب مع هذا العلم بأسلوب رياضي واستخدام الرياضيات كمبدأ أساسي في دراسة حركة السكان والديمغرافية السكانية، وعلى الرغم من الصعوبات في الترجمة وخاصة المصطلحات الرياضية، إلا أنها كانت تجربة ممتعة، أتطلع إلى تكرارها إذا شاءت الظروف؛ فهي تتطلب جهداً كبيراً، لكن الفكرة قائمة. بفضل هذه التجربة درست الأدب الفرنسي، لكن لم أكمله بسبب ظروف صعبة، وكانت تجربة أغنتني بالمعرفة والثقافة؛ فاللغة ثقافة واسعة للمدرّس.

المدرّسة سمر رشيد

بالنسبة للوح التفاعلي، فهي تجربة جميلة تختصر الوقت وتسهل التواصل مع الطالب داخل وخارج الصف، يفضّل أن تعمّم على المدارس والصفوف، فبالنسبة لي تعودت استخدام السبورة العادية كوسيلة إيضاح تنجح في إيصال المعلومة إلى الطلاب؛ لأن رسم الخريطة والأشكال التوضيحية أمام الطالب أمر مهم لفهم المادة وتسهيل الحفظ، إضافة إلى المتابعة المستمرة، وبعدها تابعنا مع الشاشة التفاعلية، وإن كانت اختبارات الشاشة التفاعلية ناجحة، فهي ثمرة لعمل سعيت إلى إنجازه لتطوير مهارتي، فأنا أقدم واجبي وانطلاقاً من أن التعليم فنّ وليس مهنة فقط.

قناعتي أن عملية تطوير المهارة ملزمة وضرورية للمعلم، فهو أيضاً بحاجة إلى الدعم المادي والاستقرار، فإن جاز لنا الحلم بتغيير نمط التعليم، فإن نجاحه مرهون بإعطاء المعلم حقه المادي والمعنوي الذي يكفل له حياة كريمة، فعندما يتعافى التعليم يتعافى الوطن، وهناك طاقات مؤهلة لبناء كوادر تعليمية».

من قصيدة "دمشق" التي كتبها اخترنا:

«إذا الليل مدّ جسور الظلام

وأرخى على الناس ثوب الهيام

وأسدل شعراً كما عندليب

فأندى به الأرض طيب الكلام

دمشق التي أسكنتها القلوب

أريج البنفسج زهر الخزام

دمشق التي أمطرتها السنون

حكايا الخلود وهمس السلام

عذوبة ما في الوجود دمشق

ففيك المحبة قطر الغمام

تعالي إليّ وأرخي الشجون

فقلبي صبٌّ بك مستهام».

مديرة مدرسة "كمال نصر" "سمر رشيد" عبّرت عن تجربته الغنية، وقالت: «مدرّس متميز أسميه الموسوعة؛ لأنه بالفعل مرجع علمي قدم زاداً غنياً من المعلومات والأفكار في مادته، وكزملاء تابعنا معه رحلة البحث وتطوير المهارة، تميز بالمستوى العالي في تقديمه للمادة العلمية لطلابه؛ إذ إنه شمولي الثقافة، ولم تتوقف معارفه عند حدود الجغرافية بل وصلت إلى اللغة العربية والفرنسية والعلوم والرياضيات، حيث غرس في نفوس طلاب ثانويتنا حب المعرفة، إضافة إلى ذلك طريقته بالتدريس؛ إذ ينتقل من الرياضيات إلى الفلسفة والشعر لتصب بمجملها في الجغرافية؛ وهو ما حرّض طلابه على الاهتمام بالمادة بشغف وطلب المزيد.

حالة استثنائية للمدرّس والزميل، وثقة كبيرة بطلابه والزملاء جعلته محور التفاعل ومصدراً للعطاء في مجالات عدة، ترك أثراً طيباً بالعمل والتعامل التربوي المدروس، وخرّج طلاباً اقتدوا به وبفكره النيّر».

"رنيم أبو شاهين" طالبة سنة رابعة معلم صف، إحدى طالباته التي تأثرت به، قالت: «تابعنا كأنه صديقنا وليس معلماً، مؤكداً أن المعلم يستفيد من طلابه كما يستفيد الطلاب منه. وعندما كانت أي طالبة منا تقدم درسها في مرحلة "الستاج" ينتبه إلى حركاتها وأسلوبها بالإعطاء، وحتى الأخطاء الإملائية إذا كانت موجودة، مثل وضع التضعيف على الكلمات؛ لكوننا نتعامل مع طالب ابتدائي، وكان ينتبه متى يكون تعزيز أداء الطالب ضرورياً. مثال للمدرّس الناجح، تابعته كيف يتفاعل مع الفكرة ويحثنا على الاهتمام بأسلوب علمي قائم على معرفة واسعة، ومع الوسائل الحديثة امتلك أسلوباً ينسجم مع تطورها.

يكفي أنه باحث دائم عن كل جديد في اللغة العربية، كتب الشعر باللغة الفصحى، يقدم من فيض معارفه وترجمته لمراجع بالفرنسية، ولا يقف عن حدود ما تحتضنه كتب المناهج، لتمكنه من مادته، وحضوره القوي كمدرّس خبير، وهو مرجع نعود إليه في كل المواضيع».

ما يجدر ذكره، أن "المنذر حسن الشوفي" من مواليد "الكفر" عام 1971، حاصل على دبلوم دراسات عليا، اختصاص جغرافية بشرية عام 2000، ودبلوم تأهيل تربوي، شارك في تأليف المناهج عام 2010 للصف الثامن، ومصادر التعلم للصف الأول الثانوي للمناهج الحديثة، واتبع دورات دمج التكنولوجيا بالتعليم وتطوير المناهج ودورة الألواح التفاعلية. مدرّس في مدرسة المتفوقين، كتب الشعر، وشارك بعدة أمسيات شعرية على مستوى المحافظة.