بين العقل الجمعي والرؤية الإنسانية، عمل "مرعي أبو صعب" على تجسيد مقولة: (الله يرحم من كان يجبر المكسورة قبل كسرها)، متخذاً من التجبير الجسدي مثلاً للتجبير الاجتماعي؛ فباتت مقولته دستور عمل بين الناس.

حول مبادرته الاجتماعية والإنسانية في تجبير الكسور الجسدية والاجتماعية، مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 5 شباط 2019، التقت "نصر أبو صعب" أحد أبناء شقيق الراحل "مرعي أبو صعب"، الذي أوضح قائلاً: «ولد الراحل الشيخ "مرعي أبو صعب" في قرية "الرحا" عام 1882، ضمن أسرة فقيرة تعمل بالزراعة وتربية الماشية؛ أسوة بأهل القرية جميعاً. شارك مع قائد الثورة السورية الكبرى "سلطان باشا الأطرش" في معارك الثورة كواحد من الثوار، وخلال المعركة امتهن مهنة الجبار العربي "المجبر"، وكانت البداية في معركة "المزرعة" عام 1925 حين عثر على حقيبة طبية مملوءة بالأدوية وقطع "الشاش" وبعض المساحيق الطبية، فقام بعلاج المصابين، وجميع من عالجهم ساعدهم على الشفاء. تمرس على علاج الجرحى والكسور، وعندما رأى الدكتور "عبد الرحمن الشهبندر" طبيعة عمله وطريقة تجبيره لأحد الثوار، منحه الثقة في العمل ولقبه بصاحب اليد البيضاء، فكان طبيباً عربياً حتى بات يقصده المرضى من المحافظات السورية وخاصة المنطقة الجنوبية. وفي عام 1968، ذهب إلى "حلب" لمعالجة مريض مكسور بثلاثة كسور في العمود الفقري، وبعد أشهر قليلة شفي المريض بفضل طاقته الإيجابية».

ما يميز شخصية الراحل "مرعي أبو صعب" أن ابتسامته الوضاءة تبعث الأمل في الحياة، وهو الذي عاش ما يقارب قرناً من الزمن، وكانت وصيته لنا كأبناء أن يكون التسامح عنوان حياتنا؛ لأن الحياة تمضي وتبقى الأعمال الطيبة خالدة. كوّن شخصيته على التوافق، وظل ينشر ثقافة التكافل حتى وفاته، وكثيراً ما كان يستمع إلى كلام لا يرغبه؛ ويغض النظر والسمع عنه، ويعمل عكسه، حتى فرض على خصومه الاحترام، وبات الناس يعملون على حل النزاع بينهم بمقولة: (بتجبروها أنتم ولا منجيب الشيخ "مرعي أبو صعب" يجبرها؟)، وما زالت إلى يومنا تردد أمام الناس

وتابع: «حمل مبادرة إنسانية واجتماعية طوال حياته، حيث كان يقوم بالتجبير مجاناً، وقبل قرن من الزمن سادت عادة المصالحات والخلافات لأسباب صغيرة، وتم طرح مبادرة لحلها بتجبير الكسور لتكون عاملاً لحل النزاعات والخلافات، حيث جرى خلاف بين عائلتين كبيرتين في قريته، وبعد أن كان الخلاف كبيراً، مرض ابن شيخ العائلة الثانية أو الخصم، وبعد خصام طويل قام الراحل "مرعي أبو صعب" بالذهاب بمبادرة شخصية وعالج الطفل على الرغم من الشتائم التي تلقاها من أهله، حتى جاءت زوجة الخصم وصرخت في وجه زوجها قائلة: إن "مرعي أبو صعب" يقوم بعلاج ابنك. وكانت مبادرته تلك أول حل بعد أن كان متفشياً بينهم، وأصبحت تلك الحادثة ثقافة في القرية يرددونها على ألسنة المجتمع كعادة في حل أي خلاف قائلين: (منجيب المجبر "أبو حسن مرعي بو صعب" حتى يجبر الخلاف أم تجبرونها أنتم بمعرفتكم؟) فكانت تلك المبادرة من المجبر فعلياً بجمع بين التجبير الجسدي والاجتماعي، وباتت عادة اجتماعية متداولة حتى الآن في القرية».

إحسان أبو صعب

وأشار "فاضل أبو زكي" من أهالي قرية "الرحا"، والمعاصر للراحل الشيخ "مرعي أبو صعب" قائلاً: «كان للراحل حضور اجتماعي وعشائري؛ ليس فقط على مستوى قرية "الرحا" فحسب، بل على مستوى المحافظة، خاصة أنه تميز بعقله وحكمته، ونتيجة تواضعه وتسامحه فقد عمل على إصلاح ذات البين بين أفراد المجتمع بمبادرة قام بها بمعالجة أحد أطفال عائلة الخصوم في القرية التي كانت عائلته متخاصمة معها، كان علاجه ومبادرته الإنسانية سبباً لحل النزاع والخلاف بين العائلتين، الذي دام لمدة طويلة حتى فرض على أبناء مجتمعه أن يخاطبوه بأنه جبر المكسور قبل كسره. والجدير بالذكر، أنه كان يتمتع بسعة صدر كبيرة، إذ كان يسمع شتيمته بأذنه، ولا يرد إلا بالحسنى، كما استطاع ربط الجبل و"حوران" بصداقات اجتماعية ومواقف وطنية كبيرة».

وأشار "إحسان أبو صعب" من أبناء القرية، بالقول: «ما يميز شخصية الراحل "مرعي أبو صعب" أن ابتسامته الوضاءة تبعث الأمل في الحياة، وهو الذي عاش ما يقارب قرناً من الزمن، وكانت وصيته لنا كأبناء أن يكون التسامح عنوان حياتنا؛ لأن الحياة تمضي وتبقى الأعمال الطيبة خالدة. كوّن شخصيته على التوافق، وظل ينشر ثقافة التكافل حتى وفاته، وكثيراً ما كان يستمع إلى كلام لا يرغبه؛ ويغض النظر والسمع عنه، ويعمل عكسه، حتى فرض على خصومه الاحترام، وبات الناس يعملون على حل النزاع بينهم بمقولة: (بتجبروها أنتم ولا منجيب الشيخ "مرعي أبو صعب" يجبرها؟)، وما زالت إلى يومنا تردد أمام الناس».

نصر أبو صعب