حتى هذه اللحظة تخرج العروس من بيتها وهي تبكي، حتى لو كانت ذاهبة إلى منزل ابن عمها الملاصق لمنزل ذويها، فتلك الدقائق من النواح إعلان عن رحيلها إلى بيئة جديدة، وتأسيسها لحياة خاصة، حيث ترافقت الدموع مع النصائح والتعليمات بقالب غنائي حزين.

تطور العادات والتقاليد، التي ترافقت مع تطور متسارع لهذه المناسبات في كل مكان، لم يمنع الدموع و"التناويح"، لكون العروس سوف تغادر منزل ذويها وهي محاطة بأهلها وأقاربها؛ وهو ما جعل بعض تلك الأغاني باقية إلى الآن. حيث يقول الباحث والروائي "فوزات رزق" لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 5 آذار 2019، عن ذلك: «منذ زمن، وحين كانت العروس تزف إلى قرية أخرى، كانت النسوة يودعنها بالبكائيات (التناويح) تارة، وبالأهازيج التي تحمل طابع البكاء تارة أخرى. وما زالت هذه العادة موجودة في بعض الحالات؛ وإن كانت بوتيرة أقل. وكثيراً ما كانت تحمل وصايا ونصائح من أجل كيفية التعامل مع الوسط الجديد».

لبستك الأحمر طيي علــــى طيي.. لبستك الأحمر شغل الأكابريي وانت طالعة قولي بخاطرك يا خيي.. صرت غريبي ديروا بالكن ليي يا ست فلاني لا تنسي مودتنا.. ولا تنسي الدلال اللي تدللتي بحارتنا ون راح خيـــك لعندك قوليلو.. سلم يا خيي عا بنات ضيــــــعتنا

ويذكر مقطعاً من إحدى الأغاني التي أوردها في كتابه "ذاكرة جبل":

عرس تقليدي من السبعينات

«سوحي يا دموع العينٍ سوحي وهالغربي نقضتلي جروحــي

ليموني يا معرض ورقـــــــــها وهالعروس سبحان من خلقها

الكاتب والباحث فوزات رزق

بالله يا طير كتبـــلي عا ورقها وسلّم يا طير عاجملة رفقــها

وما هو بخــاطري والله فارقها اكتبلا يا طير عن أمّا الحنوني

سلّـــــم يا طير عا جملة رفقها وتجدد غيرنا نحنا افتــــــرقنا

وإذا من ديارهن نحنا مرقنــــا قلّلن يا طير ظلّوا تذكــروني».

ومن المتعارف أن العروس التي تنتقل من منطقة إلى أخرى، يطلق عليها (الغريبة)، وهو ما يجعلها في دائرة الضوء، فتصب النصائح لها بعدم الإكثار من الحديث في وسطها الجديد، لأن كل كلمة محسوبة عليها، وتكون معرضة لكي تجلب النقد لأهلها في حال كانت كلماتها بغير مكانها، حيث تركزت أغاني النواح على ذلك، كما جاء على لسان "رزق"، حيث أضاف:

«غربي وكربي ولا يرحم أبو الغربي.. كل مين قالت غريبي أحرقت قلبــي

قولوا للغريبي تجعل بيتها قبرها.. ولا تكثّر الهرجات بين الغرايــب

ان لفلح الهوا ثوبها عيّــــــروها.. وقالوا يا غريبي من أية نسايب

بيك يا فلاني ع سرير الورد ربــاكي.. يا عقد جوهر يا لولو ثناياكــي

أن أخذتي العريس وظليتي بهناياكي.. عودي اذكرينا ونحنا ما مننساكي».

ومن الأغاني الخاصة التي تلقيها صديقات العروس عند الرحيل:

«لبستك الأحمر طيي علــــى طيي.. لبستك الأحمر شغل الأكابريي

وانت طالعة قولي بخاطرك يا خيي.. صرت غريبي ديروا بالكن ليي

يا ست فلاني لا تنسي مودتنا.. ولا تنسي الدلال اللي تدللتي بحارتنا

ون راح خيـــك لعندك قوليلو.. سلم يا خيي عا بنات ضيــــــعتنا».

ويورد الشيخ "شكيب الشاهين" أحد الأشخاص المعروفين في منطقة "شهبا" بحفظ الأغاني، والاهتمام بالتراث اللا مادي عن تلك العادات: «كانت تلك الدقائق من أصعب اللحظات على أهل العروس وأقاربها، فبعد أن يقوم الجميع بوداعها عندما يصل العريس مع "عزوته"، وتتم مرحلة (النقوط) كل حسب استطاعته، تقوم إحدى النساء بالنقر على الدف، وسط سيل جارف من الدموع، حيث يسمع النواح قبل أن يبدأ الشباب الذين يرافقون العريس بالجوفيات الحماسية التي تعلن انتهاء مراسم الوداع، ومن تلك الأغاني ما يحث على احترام أم العريس وجعلها بمكانة الأم الحقيقية:

"يا عروس ما بحتاج وصيكي.. لا تخلي حدا بالدار يشكيكي

مرت عمك عزّيــــها وحبيها.. واجعليها مثل إمـك تربيكي

يا لابسي الأبيض طية على طيـــــة.. يا لبس أهل الشام يا لبس الأفندية

طلعتي من الدار قولي بخاطرك بيي.. أني عروسة فلان ديرو بالكن ليي".

وحتى الآن تنتشر في الأرياف البعيدة عن المدن تلك العادات، ويتمسك الأهالي بها باعتبارها من الطقوس الجميلة، ومهما تطورت الحياة فإن لحظات الوداع القاسية تبقى مستمرة، لكون العروس سوف تبدأ حياة جديدة في مكان آخر، وقد كان بعد المكان الجديد عاملاً آخر في السابق لكي تكثر النصائح والإرشادات، خاصة أن المواصلات في الماضي كانت قليلة، وقد تمر أشهر قبل أن تزور الفتاة إلى بيتها الأول».