انقطعت "سوسن نصار الجرمقاني" عن المدرسة عشر سنوات، عادت بعدها بشوق لتزرع بذرة العلم، وتأخذ بيد كل من حالت الظروف بينه وبين اكتسابه، ساعية لتطوير نفسها ونيل الشهادة الجامعية.

تتحدث "سوسن" عن تجربتها بفيض من المحبة والفرح لكونها تجاوزت ظروفاً غيرت خارطة أيامها، وانتقلت منها بفضل الإرادة والسعي إلى الأفضل؛ كما تحدثت من خلال مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 7 آذار 2019، وقالت: «عشر سنوات كانت فترة فارغة من أي نشاط، ولا أعرف اليوم كيف اتخذت قراراً عندما كنت طفلة بترك المدرسة، في الوقت الذي تذهب به رفيقاتي إليها لتحصيل العلم الذي لم أعرف أثره إلا بعد معاناة طويلة مع الفراغ من أي عمل، كنت في الصف التاسع، ولم أتمكن من الحصول على الشهادة الإعدادية. وبعد مرور عشر سنوات نمت بداخلي رغبة قوية بإكمال مشواري العلمي بتشجيع كبير من والدي، فعدت لأؤسس علاقتي مع الكتاب، وكنت بعيدة كل البعد عن القراءة والحفظ. كان عليّ أن أعوّض ما فات، وبالفعل اتبعت دورات في معهد خاص لأدرس المناهج.

عملت لنيل الشهادة الثانوية للمرة الأولى، وتابعت لأكسب فرصة الدخول إلى الجامعة. أعدت دراسة البكالوريا مرة ثانية، وبالفعل حصلت على فرصة، وسجلت في كلية الحقوق في تحدٍّ واضح للذات أولاً، ولأثبت أن لدي القدرة على الاستمرار. بعدها عملت على اكتساب مهارات متنوعة من خلال اتباع دورات التنمية البشرية، وحصلت على عدة شهادات إلى جانب اتباع دورات إعداد مدربين في الحساب الذهني، حيث حصلت على الاعتماد بشهادة مدرّب أطفال بتقدير ممتاز، ثم التحقت بدورات رياضيات العباقرة، وفي كل دورة نخرج مجموعة من الطلاب المتميزين، وأحد طلابي تأهل للميدالية الفضية على مستوى القطر، وأتوقع للباقين نتائج متميزة

التزمت بساعات قراءة كانت مرهقة في البداية، لكنني لم أتوقف، وعملت بجد حتى نلت الشهادة، وكنت الأولى على طلاب المعهد الخاص، والسابعة على منطقة "صلخد"، وبعدها بدأت أبحث عن كل ما يطور تجربتي فرحة بما أنجزت، مع أنني كنت أعرف أنني مراقبة من محيطي وسؤال دائم هل سأحقق النجاح، وملاحظات بعض الأشخاص التي خلت من التشجيع والتحفيز على المتابعة، لكنني تابعت.

سوسن الجرمقاني

ولأن لديّ أحلاماً كبيرة بتطوير ذاتي، كان هدفي أن أسخر تجربتي لمن حولي عن طريق الإصرار والإرادة، فالمستحيل غير موجود والتجارب كفيلة بإثبات ذلك، والعلم أشبه بالأبواب، كلما ارتقيت بمستوى تعليمي، فتحت أمامك أبواب جديدة، وقد يكون تعليم الكبار من ردات الفعل الإيجابية التي نفذتها لأقدم الفائدة لمن فاتهم قطار العلم».

من الإعدادية إلى الثانوية إلى الجامعة؛ طريق بدأ متأخراً، لكنها وصلت، وتقول: «عملت لنيل الشهادة الثانوية للمرة الأولى، وتابعت لأكسب فرصة الدخول إلى الجامعة. أعدت دراسة البكالوريا مرة ثانية، وبالفعل حصلت على فرصة، وسجلت في كلية الحقوق في تحدٍّ واضح للذات أولاً، ولأثبت أن لدي القدرة على الاستمرار.

مينا الحلبي

بعدها عملت على اكتساب مهارات متنوعة من خلال اتباع دورات التنمية البشرية، وحصلت على عدة شهادات إلى جانب اتباع دورات إعداد مدربين في الحساب الذهني، حيث حصلت على الاعتماد بشهادة مدرّب أطفال بتقدير ممتاز، ثم التحقت بدورات رياضيات العباقرة، وفي كل دورة نخرج مجموعة من الطلاب المتميزين، وأحد طلابي تأهل للميدالية الفضية على مستوى القطر، وأتوقع للباقين نتائج متميزة».

تعليم الكبار فرصتها لتقديم تجربتها الخاصة لدعم الفتيات، وتضيف: «كان من بين الوعود التي قطعتها على نفسي، وأحاول دائماً الالتزام بها أن أقدم تجربتي لشابات بحاجة إلى الدعم وأمد لهن يد العون للاستمرار، وهذا ما أقوم به اليوم، حيث تفاعلت مع إعلان على إحدى الصفحات الاجتماعية في قريتي "عرمان"، على شبكات التواصل؛ طلب فيه ملتقى "شباب أهل الخير" متطوعة لتعليم الكبار، وكانت فرصة مناسبة شعرت بأهميتها وكأنني كنت أبحث عنها، فتواصلت معهم وباشرت العمل لتعليم مجموعة من النساء والشابات، وحققنا نتائج متميزة بعد أشهر قليلة.

مع طلابها

وهذا جزء من الحلم في الحصول على الشهادة الجامعية مع التسجيل دبلوم تقاني للعلوم السياحية، ومتابعة نشاطي كمدربة للحساب الذهني ورياضيات العباقرة، ليكون يومي عبارة عن مجموعة واجبات أقوم بها بحماسة، وبحث دائم لاكتساب المعرفة والوصول إلى غايات وأحلام تكبر مع كل خطوة».

"رنا صيموعة" إحدى الشابات التي تعلمت على يدي "سوسن"، واكتسبت من خبرتها، قالت: «المعلمة "سوسن" نموذج حقيقي للعطاء والعمل، ومن اليوم الأول الذي باشرت به تعليمنا في دورة تعليم الكبار، لمست اندفاعها ورغبتها في مساعدتنا للعودة إلى مقاعد الدراسة، وفي كل مرة كانت تخبرنا فكرة عن مواقف مرت بها وصعوبات اعترضت طريقها، وكيف استطاعت تجاوزها وتحقيق هدفها.

كل ذلك كان حافزاً قوياً للاستمرار، فاللقاء بمن خاض تجربة يقدم دليلاً على أن فرصة النجاح مع توفر الإرادة أمر ممكن، إلى جانب الأسلوب المميز الذي عملت به على تبسيط المعلومات؛ وهو ما دفعني إلى الاستمرار والاستعداد للامتحان والنجاح؛ لأكمل معها مرحلة قادمة أعوض فيها ما فاتني، خاصة أنها تعطينا الدعم المعنوي الكبير للمتابعة بعد فترة انقطاع طويلة، لكنني وزميلاتي حاولنا وتخرّجنا في الدورة بتقدير جيد؛ وهذا بحدّ ذاته نجاح طبعت "سوسن" بصمتها عليه».

تلاقت مدرّسة اللغة الإنكليزية والمترجمة "مينا الحلبي" معها في مراحل العمل والتدريس بالوكالة، ولمست إصرارها على النجاح، وعبّرت عن رأيها بالقول: «جميل أن تستأنف شابة مشوارها التعليمي بعد التوقف لتكتسب فرصة جديدة للتعلم ونيل الشهادات العلمية، عبّرت عن اهتمام بمتابعة مشوارها وعدم الركون، لديها إصرار كبير وإرادة حولتها من شابة بلا عمل إلى متطوعة وطالبة جامعية ومعلمة لأكثر من تخصص، وانتقلت إلى الضوء خلال عدة سنوات، كافحت لتهتم بعائلتها وتعليمها وترسم طريقها للمستقبل بإخلاص للهدف.

واليوم هي مدرّبة متميزة في مجال الحساب الذهني ورياضيات العباقرة، ومتطوعة لتعليم الكبار، لتشرف على عدد كبير من طالبات العلم، ونعرف جميعنا صعوبة هذه المهمة والجهود التي تبذلها من دون مقابل، لهدف واحد تقدم من خلاله تجربتها لشابات من الوافدات والسيدات من أهالي منطقتنا».

ما يجدر ذكره، أن "سوسن الجرمقاني" من مواليد "عرمان" عام 1980، بعد انقطاع عشر سنوات نالت الشهادة الإعدادية والثانوية لمرتين، وطالبة في كلية الحقوق، اكتسبت مهارات متعددة، أهمها تعليم الكبار، وهذا مشروع تخطط للتوسع به وتقديم الفائدة لمجتمعها.