رسم شخصيته الفنية المولعة بالاستكشاف والبحث خارج تفاصيل الجسد وقياساته، لقناعة يعبر عنها الفنان "ياسر خطار" بأن الخطوط والضربات السريعة منجز تطورات فنية عنونت رحلته مع الفن.

مزيج من اللون الهائم بين خطوط صريحة في تعبيرية مغرقة بالصدق عن تجليات المرأة وشخوص لم تملها ريشة الفنان الذي سار في رحلة بحث فاضت برؤاه الإنسانية الخارجة عن التقليد؛ كما تحدث من خلال مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 20 نيسان 2019، وقال: «كل فنان له أسلوب خاص يقدم نفسه من خلاله، بالنسبة لي الخطوط والضربات السريعة ميزت لوحتي التي عزفت على هذا الإيقاع السريع الذي تبنى به اللوحة وهذه الملامح التي تتكامل بعفوية لكنها مدروسة، أنا أبني ملامح هذا الشخص من دون الدخول بتفاصيله بحرفيتها؛ وهذا الخط يعطيني ملمحاً وروحاً وحركة سريعة، ويبث الحياة بالعمل عندما يترافق مع مساحة اللون مع تفكيك هذا الشكل وإعادة البناء بخط، وبمسحة لون هنا أجسد حالة تعبيرية أتوقع أنها أصبحت هوية وبصمة في أعمالي، وكل فنان يرغب أن يقدم شيئاً مختلفاً ومميزاً؛ وهذه ميزة أطورها باستمرار.

حافظت على التكنيك الذي بدأته مع مشروع التخرج الذي نال الدرجة الأولى على مستوى كلية الفنون الجميلة في تلك المرحلة وإلى الآن، دائماً أحاول البعد عن هذا الجسد المؤطر؛ أفككه، أخرج منه وأعمل على الضربة السريعة اللمسات القوية والاضاءات التي تترافق مع الخط، هذا كان بداية البحث، ومازال في حالة تطور، وأتفاجأ أن كثر باتوا يعرفون لوحتي من دون توقيع. هذا الخط استمر وتطور وأصبح لدي تلخيص كبير في هذه المراحل لأصنفها مرحلة أولى وثانية، وعدة مراحل تطورت بشكل يلخص الوجه بلمسة، والجسد بتكنيك خاص ضمن هذه الطريقة لامتلاك التعبير

فمن خلال متابعتي للحركة الفنية على مستوى العالم هذه اللوحة التشكيلية تحمل شيئاً من مفهومنا بهذه الأرض عن الأنثى مع تصاميم الشكل المعماري الذي يوجد في لوحتي ويحتضن حضورها، ويلتقي الأسلوب وسرعة اللون وسرعة الحركة مع الفن الحديث الذي وصلت إليه الحركة التشكيلية».

من أعماله

التحرر من قيد المذاهب والمدارس الفنية ولادة ثانية للفنان، كما أضاف بالقول: «في المرحلة الأكاديمية يطبق الفنان أعماله على ضوء الاستفادة من تجارب المدارس والمذاهب الفنية التي وضعت وعرفت كمنهج لإتقان الفن أو تعلمه -إن صحت كلمة تعليم- فالفن موهبة وغير قابل للتعلم، إن لم يكن منتجاً لروح طامحة لتعبير لوني شفيف. وعليه، فإن تفاعلي مع المدارس الفنية كان مرحلة أولية تسللت للخروج منها والرسم بما يحاكي روحي. خرجت من التقيد بها وبقواعدها كي لا أبقى ضمن إطار أو حدود معينة مقيدة بالأسلوب، فالفن مفتوح على احتمالات بعيدة؛ وهذا أحد أسباب الحياة فيه.

أتصور أن ولادة الفنان تبدأ بعد خروجه من قيود الأسلوب، وفي النهاية اللوحة حالة بحث؛ فعندما ننجز أي عمل، فنحن نقدم محاولة جديدة لدراسة وبحث عميق وكبير، يبدأ بفكرة لننتهي بمواضيع قد لا تكون لها نهاية توصلنا إلى آفاق بعيدة جداً، وهذا يظهر التجربة وحرفية الفنان وخبرته، وعندها يصبح كل عمل بداية لأعمال قادمة تتطور».

الفنان ياسر خطار مع الفنان أيمن فضة رضوان

من حدود الجسد المؤطر إلى تلخيصات تعبيرية تجربة يضيف عنها: «حافظت على التكنيك الذي بدأته مع مشروع التخرج الذي نال الدرجة الأولى على مستوى كلية الفنون الجميلة في تلك المرحلة وإلى الآن، دائماً أحاول البعد عن هذا الجسد المؤطر؛ أفككه، أخرج منه وأعمل على الضربة السريعة اللمسات القوية والاضاءات التي تترافق مع الخط، هذا كان بداية البحث، ومازال في حالة تطور، وأتفاجأ أن كثر باتوا يعرفون لوحتي من دون توقيع.

هذا الخط استمر وتطور وأصبح لدي تلخيص كبير في هذه المراحل لأصنفها مرحلة أولى وثانية، وعدة مراحل تطورت بشكل يلخص الوجه بلمسة، والجسد بتكنيك خاص ضمن هذه الطريقة لامتلاك التعبير».

من أعماله في معرضه الأخير

جمالية جسد المرأة حاضرة في أعماله وفق رؤيته الفنية الخاصة، كما قال: «جمالية حضور المرأة موجودة في معظم أعمالي، لكن ضمن خصوصية أعتنقها للدخول إلى كيانها وروحها بطريقة تختلف عن الحالة الجسدية، مفهوم المرأة عندي ليس فقط الأم والزوجة والمربية بقدر ما هي رمز ووطن وقضية عوالم وفكرة. أدخل من خلال الشكل إلى شيء داخلي في بحث طويل أحمله بعداً أعمق وأكبر من الحالة المادية ووجودها كفكرة؛ ويمكن للقارئ الجيد أن يلمس ذلك.

في علم التشريح درسنا تفاصيل الجسد وإظهارها، لكن بحثي ارتبط بالمباهج الداخلية للمرأة، وكيف لريشة فنان أن تغوص في هذه العوالم لتقدم أفكاراً جديدة تتقاطع مع الواقع والمحيط الذي تحياه المرأة وعظمة حضورها».

احتراف واغتراب وعودة لملاقاة الواقع عن قرب، كما يتابع الفنان "ياسر خطار" في تحضيره لمشروعه القادم، ويقول: «بعد التخرج شاركت بالتفاعلات الفنية في تلك المرحلة، وبمعارض وزارة الثقافة ومعارض الطلاب واتحاد الكتاب الفلسطينيين ولقاءات عدة لتبدأ رحلة اغتراب إلى "المملكة العربية السعودية"، بداعي العمل استمرت نحو عشرين عاماً أقمت خلالها أحد عشر معرضاً فردياً وعشرات المعارض المشتركة استفدت خلالها من المحيط والأفكار المتجددة في مرحلة وجدت فيها حالة من التميز السوري، وكان لي لقاءات على المحطات السعودية بحالة تفاعل جميل ونشيط تبعها معرض فردي في "دبي" و"المغرب"، ومعارض جماعية في عدة دول، منها "لندن" ضمن معرض مشترك.

عودتي إلى "سورية" كان لها عدة دوافع أهمها الاقتراب أكثر من الحدث وملامسة الواقع، الفنان لا ترضيه نشرات أخبار ولا تقدم له ضالته، هذا الواقع بكل وجعه لمست فيه على الأرض أسراراً كثيرة للجمال وبصمات عميقة لأسباب الحياة. هذه الرحلة المعاكسة أثارت الروح للتحضير لعمل ملحمي قادم قد يكون جدارية ضخمة تعكس مشاهد ولمحات من الواقع السوري ومفردات من الحالة الشعبية؛ لعلنا نوثق بعض مشاعرنا، ونتفاءل بقادم جميل نرسمه لوناً وروحاً، هذا البلد الجميل الذي احتضن العالم كله، ولكل قطعة منه ذكرى وجمال».

فنان ممزوج بثقافة مجتمع كما عبر الفنان "أيمن فضة رضوان"، وقال: «يحمل بذرة الفن والإبداع ككل مثقفي هذا البلد، ويميل إلى حقبة التسعينات فكراً ومضموناً.

ولأن الفن أياً كان جزءاً مهماً من مسيرة أي مجتمع؛ فهو يتمتع بكثير من القيم الروحية والجمالية التي تجعل منه إنساناً مبدعاً والإبداع جزء مهم أيضاً من مسيرة تطور أي مجتمع، من هنا نعود إلى ملخص هوية الفنان "ياسر"، فهو شاب نشيط يعدّ اللوحة جزءاً من روحه النشطة معبراً تارة عن الفرح، وتارة عن الحزن.

وإذا أتينا إلى الرمزية، فهي أسلوب تعبير يختصر ثقافة فنان ممزوج بثقافة مجتمع، وقد عاش مدة خارج "سورية" أعطته مزيداً من الرمزية، متأثراً بمتغيرات البيئة العامة، وتبقى اللوحة عنوان القراءة والتمتع والحركة واللون والإضاءة والتعبير الأولي أو الانطباع الأولي، ويبقى في موضوع اللوحة؛ فهي إنسانية أنثوية فيها من الدلالة ما يغني البصر والذاكرة، والتعبيرية عنوان واسع لكثير من المفردات الحياتية، ويبقى الفنان جامعاً لهذه المفردات ليقدمها بصيغة لونية وحركية تزيد من المشهد لغة بصرية تدعونا إلى الحوار».

ما يجدر ذكره، أن الفنان "ياسر خطار" من مواليد "السويداء" عام 1970، بدأ الرسم من المرحلة الابتدائية، وأوفد إلى "روسيا" بعمر مبكر، تخرج في كلية الفنون الجميلة بجامعة "دمشق" عام 1996، وله عدة أعمال مقتناة في عدة دول.