يحتل النقد مكانة مهمة لدى المهتمين بالأدب، لكنه في الشعر الشعبي يكاد يكون معدوماً، وبلا ملامح، ولهذا يعدّ الشاعر الشعبي "حازم النجم" حاجة الأدب الشعبي للنقد، حيث يمكن تطويره، وتطوير صورته الشعرية ومواكبتها للحظة الآنية، وانسجامها بين المتخيل والمعيش.

حول رؤيته في نقد الأدب الشعبي، مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 21 حزيران 2019، التقت الشاعر "حازم النجم"، الذي بيّن قائلاً: «على الرغم من خصوصية الموضوع، فإنّ ما أطرحه حول النقد ينطبقُ على كافة الفنون، وبالذات في المنحى الأدبيّ بوجه عام، إنما وِقفتنا هنا تُعنى بالشعر العامّي في "جبل العرب" من حيث الحلقة التي تكادُ تكون معدومة في سلسلة الفنون التراثية، والغاية بيانُ الدور الإيجابي لنظرية النقد، وما تقدّمه في مجال تطوير الشعر العامّي؛ إذ تبدأ المشكلة من نقطة تقبّل الشاعر للنقد والناقد، مروراً بمزاجية الناقد، وليس ختاماً بعدم وجود المختصين بحيثيات الشعر العامي. فمن العراقيل الكبرى في هذا الشأن أنّ الاختصاص بالأدب العربيّ لا يعني بالضرورة قدرة صاحبه على معرفة الشعر العامي معرفةً دقيقة تخوّله للنقد، فجمالية هذا الشعر مقرونة باللفظ السليم ومعرفة إشكاليات المبنى والمعنى الذي يتباينُ كلّياً مع الشعر الفصيح في جُلِّ محطّاته، فلا بدّ هنا من حضور المَلَكة، وكما قال "ابن خلدون" في مقدمته: (اللغات كلّها مَلَكاتٌ شبيهةٌ بالصناعة؛ إذ هي مَلَكات في اللسان للعبارة عن المعاني وجودتها وقصورها بحسب تمام المَلكة أو نقصانها). والعكسُ صحيحٌ، والمختصّ في مضمار العامّي يكون ملماً بإشكاليات الفصيح، فالعلاقةُ بين اللغتين علاقة وثيقة يحدوها إيقاعُ التباينُ والتوافق، وبغيةَ معرفة جمالية النهج وإشكالياته بوجه خاص، فالكَلِمُ العامّي يحملُ جيناتِ الفصيح، وبذلك يتحمّلُ ما يسري على اللغة الأم إلى حدٍّ كبير».

يكوّن الأدب الشعبي في "جبل العرب" حالة إبداعية عند العديد من الشعراء الأوائل الذين سكنوا الجبل، وأسسوا لصور إبداعية، لكن الأدب الشعبي بمجمله افتقر إلى الدراسات النقدية والرؤية ذات الحكم القيمة على نصوصه ليعيش المواكبة والتطوير كما الفصيح، لعل ذلك جاء نتيجة عدم تقبل النقد بموضوعية علمية، وربما هذا ما جعله يبتعد بالعديد من الشعراء عن الصورة الشعرية، إلا ما ندر من الشعراء المعاصرين هذه الأيام الذين قدموا نصوصاً شعرية تحمل الدلالات الإبداعية، وصوراً تعبيرية جميلة، إضافة إلى بعض الانزياحات، وما قدمه الشاعر "حازم النجم" يدخل في باب النقد الموضوعي الذي يحتاج إليه الأدب الشعبي في "جبل العرب"، وهو كشاعر مجيد وله نصوص شعرية مميزة جديرة بالبحث، ودراسة بالنقد في هذا المجال

ويتابع الحديث عن نقد الشعر العامي: «في وجوبِ نقد الشعر العامّي، موضوع الوزن والقوافي الذي يراوحُ بين خبرة الشاعرِ وعدمها، وخبرة الشاعر هي العقدةُ الأمتنُ في هذا السياق، فأنت ترى قصيدةٍ سليمة الوزن والقافية، لكنك لا ترى فيها شعراً حقيقياً، فجلُّ ما فيها مستهلَكٌ مطروق، أو منسوخٌ ممسوخٌ عن أبياتٍ شهيرة، وهنا يأخذُ النقدُ دورَه الفعّال الذي يشيرُ إلى مثل هذه الترّهات التي أفرزت كمّاً لا يستهانُ به من شعراء الموزونِ المقفّى. وعلى الضفة الأخرى، يجبُ أن يأخذَ النقدُ مجالَه الأرقى، وذلك في بيان مواضع الإبداع والتجديد لدى الشعراء الذين حملوا راية النقلات النوعية في طريق التطوير، وبين الضفّتين لا بدّ للنقد أن يُطلِقَ مراكبَ النهوضِ بهذا الشعر، والمتمثلة باللغة الشاعرة، وأغراض الشعر، وبنائيته. إنّ هذه الأدوار التي يلعبها النقدُ البنّاء هي الدافعُ الأعتى في عملية تطوير الشعر العاميّ، ومن دونها سيبقى هذا الشعرُ محنّطاً لا يقلُّ بؤساً عن وليدِ الارتجالِ في مواقع التواصل الاجتماعيّ وغيرها، تُضنيه المراوحة في المكان، وتقتلهُ الرتابة، ويُغريه التصفيقُ وعبارات الثناء المحكومة بالعاطفة الجاهلة».

الباحث محمد طربيه

وتابع "النجم" أسئلته لتطوير الأدب الشعبي قائلاً: «كيفَ تقول الشعر؟ ومتى؟ هل تُجيزُ لك العامّية استخدامَ المفردة الواحدة أو التركيب اللّهجَوِيّ كيفما اتفقَ وبالمجّان؟ وما هي جوازات التفعيلات في هندسة القصيدة العاميّة؟ وكيف تحوّلت حركاتُ الشّكلِ في رحلتها من الفصحى إلى العامية؟ وأينَ توضَّعَ بعضُها؟ وهل على الكلمة البدوية أن تحتفظ بنكهة البادية؟ واستخدامُ المفردات الحديثة بما فيها الأجنبية مكانَ ما يقابلها من المفردات الكلاسيكية، فهل يحقق ضرباً من المفارقة الزمنية؟ وهل يعني تطوّر القصيدة؟

وهل هناك قاعدة لكتابة الكلمات العاميّة التي لا يوجد لها صورة في الفصيح؟ وإلى أي حدٍّ تُسعِفُ الموسيقا الشاعر؟ ومتى لا تشفعُ لهُ؟ هذه بضعة أسئلة تنبعُ من فرضية النقد البنّاء، وبغير هذا النقد يبقى الشاعر بدائياً، وتبقى القصيدة مومياء.

إنَّ النقدَ يعتمل في القصائد القديمة التي مثّلَ أصحابُها مراحلَ مهمّة في المشهد التراثي لجبل العرب، والنقد يسمو بتلك القصائد إلى مصافي أمّهاتِها الفصيحة، بعيداً عن موضوع المقدّسات التي لا يمكن المَساسُ بها في أذهانِ المتعصّبين للشاعرِ أو القصيدة. ومنهجية النقد المطلوبة في هذا الزمن تنبثقُ من ضرورة مزدوجة (بعث التراث ومواكبة الحضارة)، فتحقيق الإيقاع السريع لتطور الشعر العامي مرتبطٌ بالذوق الأدبي المحكوم بأصالة الطبع التي تنمو وتُصقل بالمِران، وعلى الناقد استخدام الطريقة الاستدلالية بدلاً من النهج الاستقرائي تبعاً للتنوعات الهائلة في وسائل التعبير السردي. يقول "بول فاليري": (إنّ الأثر الفنّي وخاصة للشعر، معرّضٌ للمحاكمة أكثرَ مما هو مُعدٌّ للتذوّق. وإنهم يناقشونه أكثر مما يتذوّقونه، وإنّ الشعر يغدو بهذا موضوعاً من المواضيع لا وسيلة من وسائل التسلية».

وعن النقد والرؤية النقدية في تطوير الأدب الشعبي بيّن الباحث "محمد طربيه" عضو اتحاد الكتّاب قائلاً: «يكوّن الأدب الشعبي في "جبل العرب" حالة إبداعية عند العديد من الشعراء الأوائل الذين سكنوا الجبل، وأسسوا لصور إبداعية، لكن الأدب الشعبي بمجمله افتقر إلى الدراسات النقدية والرؤية ذات الحكم القيمة على نصوصه ليعيش المواكبة والتطوير كما الفصيح، لعل ذلك جاء نتيجة عدم تقبل النقد بموضوعية علمية، وربما هذا ما جعله يبتعد بالعديد من الشعراء عن الصورة الشعرية، إلا ما ندر من الشعراء المعاصرين هذه الأيام الذين قدموا نصوصاً شعرية تحمل الدلالات الإبداعية، وصوراً تعبيرية جميلة، إضافة إلى بعض الانزياحات، وما قدمه الشاعر "حازم النجم" يدخل في باب النقد الموضوعي الذي يحتاج إليه الأدب الشعبي في "جبل العرب"، وهو كشاعر مجيد وله نصوص شعرية مميزة جديرة بالبحث، ودراسة بالنقد في هذا المجال».