ورشة النجارة باب رزق للمعلم "يحيى الشّومري"، والخشب المطواع بين يديه يغدو قطع أثاث جميلة، وفي أوقات فراغه يحنو عليه ويبدع منه تحفاً تشبع شغفه بالتاريخ وموروثه.

زارت مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 20 حزيران 2019، مضافة "يحيى الشّومري" وتنقلت فيها تراقب ما حوت من قطع، وتسمع قصة كل قطعة فيها يرويها ويستطرد في تفاصيلها "يحيى"؛ فلكل منها قصة من البحث والعمل والتّدقيق، وأحياناً الإعادة، فيقول: «كان بجوار منزلنا نجار "موبيليا"، وكانت هذه الجيرة السبب في حبي لهذه المهنة من أيام المرحلة الابتدائية، فعزمت على تعلّمها، بداية كان تعلّقي بهذه المهنة تسلية أمارسها خلال العطلة المدرسيّة، وهواية أستمتع بها، حيث كنت أشكّل بعض الأشياء، وشاركت في مسابقة روّاد طلائع البعث، ونلت على مدار سنتين متتاليتين الرّيادة على مستوى المحافظة بالأعمال اليدويّة، وفي كل عطلة مدرسية كنت أمارس العمل في الورشة إلى أن أنهيت تعليمي، وأصبحت الآن -الحمد لله- صاحب (منجرة) لتصنيع كافة أعمال الدّيكور والأثاث المنزلي، وقد كنت دائماً أرى في حرفة النّجارة تميزاً عن باقي الحرف لما لها من قدرة على التّكيف بتصنيع وتشكيل الخشب. ومن يعمل بهذه المهنة بمحبة يبدع ويتميّز».

"يحيى" صديق قديم، ومنذ عرفته تعرّفت إلى عمله ولفت انتباهي الجمال الذي يرسمه على قطعه التي يشكلها والفن الذي يرصده بدقة متناهية؛ فهو يمتلك يدين حرفيتين وأنامل ذهبية خير شاهد على قدراته الحرفية، وقد وجدت ذلك واضحاً بحبة جوز الهند التي قام بتفريغها وقصها من الوسط ليستعملها كوعاء لبعض الحاجيات، وقد عرفته يهتم باقتناء التّحف و"الأنتيكا" القديمة أيضاً، ولا يوفر جهداً في سبيل أي قطعة قديمة أو تراثية كسبحة الباشا التي يعلّقها في مضافته ولم يفرط بها أبداً على الرغم من كل العروض المغرية التي قُدّمت له

وعن اهتماماته يتحدث "يحيى" ويقول: «كان لأخي الكبير عود يعزف عليه، فأحببت ذلك العود وأردته جزءاً من عالمي، فبدأت صنع آلة تشبه التي لدى أخي؛ لأنطلق إلى بداية جديدة في عالم الخشب وتكوينه، وبتشجيع من الأهل والأصدقاء. منذ صغر عمري أحببت مجالسة كبار السنّ من الرّجال الذين اعتادوا زيارة المرحوم والدي، وأحببت حديثهم الشّائق. وكان يلفت انتباهي المقتنيات القديمة التي كانت تعرض في بعض مضافات الأقارب والأصدقاء التي كنا نزورها، وتأصل عشقي لتراث جبلنا الأشم. فقد تربينا كما تربّى أبناء هذا الجبل على حفظ العادات والتّقاليد العريقة؛ حتى أصبح لدي -بكل تواضع- مضافة عبقت جدرانها ببعض مقتنيات وأدوات ماضينا الأصيل. والقطعة الخشبية التي لم أستطع اقتناءها سعيت إلى تقليدها وصناعتها.

من إبداعات الفنان يحيى

أبدأ بالتصنيع، وأحياناً أكرّرهُ مرّات حتى أنجح، وبهذا الأسلوب قمت بصنع السّاعة الجدارية على شكلها وتصميمها القديم، وقمت بصناعة السّيف رمز الكرامة والبطولات التي قدمها السلف من أجدادنا وجعلته جزءاً مهماً في مجموعتي، فقمت بتصنيع غمده من الخشب الطّبيعي ورصّعته بحبات الكريستال الثّمين، وجعلت نصله من الحديد المطلي بالكروم اللامع، وأردت نشر الطاقة الإيجابية في مضافتي ليشعر بها كل من زارها وشرفها بالحضور، فزينت سقفها بثرية من الخشب الطبيعي صمّمتها بالنموذج البسيط لتعكس الصّناعات القديمة بشكلها وقيمتها المعنوية، كما نقلت نواعير "حماة" إلى هنا؛ فقد صمّمت إحداهن وجعلت دورانها يتمّ خلال محور دوران دقيق جداً، ويُمكن تخديمها بحوض ماء».

تحدث "أنور الشّعشاع" عما عرفه عن صديقه "يحيى"، فقال: «"يحيى" صديق قديم، ومنذ عرفته تعرّفت إلى عمله ولفت انتباهي الجمال الذي يرسمه على قطعه التي يشكلها والفن الذي يرصده بدقة متناهية؛ فهو يمتلك يدين حرفيتين وأنامل ذهبية خير شاهد على قدراته الحرفية، وقد وجدت ذلك واضحاً بحبة جوز الهند التي قام بتفريغها وقصها من الوسط ليستعملها كوعاء لبعض الحاجيات، وقد عرفته يهتم باقتناء التّحف و"الأنتيكا" القديمة أيضاً، ولا يوفر جهداً في سبيل أي قطعة قديمة أو تراثية كسبحة الباشا التي يعلّقها في مضافته ولم يفرط بها أبداً على الرغم من كل العروض المغرية التي قُدّمت له».

الثريا الخشب والطاقة الإيجابية

الجدير بالذكر، أن "يحيى الشّومري" من مواليد عام 1976، مدينة "السّويداء".

أنور الشّعشاع