يعدّ الشيخ "حمود الحناوي" أحد التربويين المتنورين الذين مزجوا بين العقل الجمعي الاجتماعي وتاريخه، ورغبته في نشر العلم والثقافة والتربية، وسكونه الصامت في عالم الشعر.

حول حياته ومسيرته البيئية الاجتماعية والعلمية، مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 27 حزيران 2019، التقت "حمود الحناوي" شيخ عقل طائفة المسلمين الموحدين، وبيّن قائلاً: «في منزل يعبق التاريخ بين شقوق حجارته البازلتية وأحداث جسام لحقت به سنوات خلت كانت ولادتي في الأول من كانون الثاني عام 1943 في قرية "سهوة البلاطة" ضمن مجتمع يحب العلم والظروف لا تواتيه؛ لأنه من أشد المقاومين لبراثن الاستعمار العثماني والفرنسي؛ فجدي الشاعر والشيخ والقائد "أبو علي قسام الحناوي" جمع تلك الصفات بمواقفه وتسلم مقاليد مشيخة العقل في "سورية"، ووالدي أيضاً، لكن كان لوالدتي "سكرية الحناوي" الفضل في تعليمي؛ فهي واحدة من النسوة اللواتي تعلمن الابتدائية في قرية "ذبيين"، وذكرت في توثيق المؤرخين عنها، إذ بعد الإعدادية في "المزرعة"، والثانوية في دار الحكمة بـ"السويداء" درست معلم صف، وتخرجت عام 1963، وعملت معلماً في "دير الزور" لأربعة عشر عاماً، ثم انتقلت للتعليم بمدارس قرية "الكفر"، وقريتي "سهوة البلاطة"، وخلال خدمتي الالزامية التي نافت عن خمس سنوات درست الجامعة في كلية الآداب، قسم اللغة العربية، وتخرجت فيها عام 1975، وبعدها سافرت إلى دولة "الإمارات" وعملت مدرّس لغة عربية، مضيفاً إليها العمل في الصحافة في صحيفتي "البيان" و"الخليج"، وبعد أن أوكلت إلي مهام مشيخة العقل في "سورية"، عدت لأمارس مهام المشيخة حتى يومنا».

ومن قصائدي التي أحببت بعنوان "لغة الحياة": «لغة الحياة مع الأوابد أطلقت... وسما بها الدهر ودوى المشرق في بحرها تسري البلاغة كلما... أوحى نداء للأنام فتشرق أأميرة الحرف على أنغامك... طرب الزمان وكل سمع يطرق فإذ الصاحة جادلتها مطية... لجأت إليك واستغاث المنطق

وعن علاقته مع الأدب أشار الشيخ "حمود الحناوي" بالقول: «مذ كنت في الابتدائية وأنا شغوف بالأدب شعره ونثره، وبالإلقاء خاصة الأناشيد الدينية والوطنية، ويعود الفضل إلى من درسنا في مراحل التأسيس الأدب ومعارف لغوية ومحفوظات شعرية وفن الخطابة والتعبير، فقد قام بتعليمنا نخبة النخبة من المدرّسين أمثال: "صياح الجهيم، ومحمود الجغامي، ورضوان رضوان، وداوود النمر، وجميل عبيد، ومعذى أبو الفضل، والدكتور إلياس فرح"، وهؤلاء شهدت لهم الحركة الثقافية التعليمية، لكن موهبة الشعر يبدو أنها وراثية؛ فجدي "قسام الحناوي" الملقب بـ"أبو علي" الشاعر الأول في تاريخ "جبل العرب" الجامع بين العامية والفصيح، وقد كتبت القصيدة العمودية والتفعيلة والنثرية، إضافة إلى الرسم وكتابة المسرح، والقصة القصيرة، لكن نتيجة العمل التعليمي وما كان يدور في خلدي من أعمال ووقائع ضمن منزلنا لأن لدي رؤية جمعية تحمل طابع الانتماء إلى عالم يقض مضجع الموهبة والثقافية، إذ كان الشعر يدفعني نحوه لأكتب الشعر الديني والوطني والوجداني والرثاء والاجتماعي والصوفي».

الأديب فرحان الخطيب

وتابع الشيخ "الحناوي" يقول: «ومن قصائدي التي أحببت بعنوان "لغة الحياة":

«لغة الحياة مع الأوابد أطلقت... وسما بها الدهر ودوى المشرق

مراسل مدونة وطن مع الشيخ حمود الحناوي

في بحرها تسري البلاغة كلما... أوحى نداء للأنام فتشرق

أأميرة الحرف على أنغامك... طرب الزمان وكل سمع يطرق

فإذ الصاحة جادلتها مطية... لجأت إليك واستغاث المنطق»

أما في التفعيلة، فكتبت قصيدة "العاصفة"، وهذه بعض أبياتها:

«ما أخشاه أن تلد الريح عاصفة هوجاء

تقتلع الأشجار...

غزو الصحراء آتٍ... والمعول يهدم بالجدران... والحفر تحت القلعة...

ماض تحكيه الأحجار...

لا يازمني! لا يغتر الهادم... فالصفر خلف الريح رقم لاذ بالإعصار...

ها نحن في زمن المحنة... نخشى دهات الليل... والراهن يبحث عن شرك... تسري فيه الأسرار

نام الليل ما أخشاه ضوءاً يأتينا بالنار...».

وقد اعتمدت العلم وسيلة للحياة، والتنوير بالعقل الجمعي أداة لتكون الحل الناجع؛ لهذا كتبت حين التقيت نخبة من جيل الشباب المتطلع نحو القادم، أخاطبهم من موقعي مشيخة العقل قائلاً شعراً لهم:

«تعلم فإن العصر لا يقبل الفتى... جهولاً ولا الآمال طاعت لخامل

فإن علوم العصر تهواك عالماً... دؤوباً على الأبحاث بين الأوائل

وللعلم طلاب كأن يراعهم... يبث صليل الحرف بين الأنامل

وأقلامهم في الدرس كلم كأنها... نبال تجيد الرقي عند التقابل

وثابر فإن العلم معركة الفتى... وطلابه شبه الكماة البواسل».

وعن الموقف الاجتماعي وتنشيط الحركة الثقافية، أوضح بالقول: «لقد دفعنا نحو الموقف الجمعي لما له من أهمية لهذا التوجه وخطورته من خلال ما نواجهه من ثقافات وأفكار، وقد ساعدني على ذلك البيئة التي عشتها، والتي حملت إلينا إرثاً ثقافياً وتاريخياً واجتماعياً ووطنياً يؤهلنا لأن نهتم بالمجتمع بكافة فئاته والمساهمة في حل قضاياهم ومشكلاتهم، لا بل منحنا الدور في نشر ثقافة التنوير والتنشيط للحركة الثقافية والأدبية والإبداعية؛ وذلك بمواجهة رجال الفكر والعلم يقيناً منا بمقولة: (إن الفكر السليم في العقل السليم)؛ وفق ما آلت إلينا موقعنا المرجعي الديني والاجتماعي والثقافي».

وتحدث الأديب والشاعر "فرحان الخطيب" عضو اتحاد الكتاب العرب قائلاً: «عرفت سماحة شيخ العقل "حمود الحناوي"، الشخصية التنويرية الثقافية المشبعة بالتاريخ والبيئة الاجتماعية الطافحة بعبق الماضي، فهو وإن بدا معلماً للغة العربية، متنقلاً بين "دير الزور"، وصولاً إلى دولة "الإمارات" حيث عمل فيها مدرّساً؛ ومدققاً للغة في الصحف، إلا أنه اتسم بمفردات لغوية كان نتاجها حين تسلّم مقاليد مشيخة العقل، كواحد من قادة الرأي الاجتماعيين، وأيضاً من رجال الدين التنويريين، والأهم أن روحه تنطوي على شاعرية متقدة، ومن يقرأ قصائده يشعر بأنها تحمل مضمراً بسمو الفكرة والدلالة والتعبير، وجمالية فنية خاصة، طلابه كثر، وهو مازال يستذكر مدرسيه، دلالة على الوفاء. وفي اللحظة الآنية يقدم رأياً موجهاً في وأد الفتن، وذلك بما ورثه من العقل الجمعي وجسده بعقله العلمي، ساعياً لنشر ثقافة التعليم، موحداً للصف والموقف، شاعراً في سكون الشعر بعد أن كون إبداعه من تراكم ما نهله من مدرسة جده "قسام الحناوي"، وأسرته الوارفة بظلال مواقفها الاجتماعية الثابتة، ولهذا بعقله الجمعي وحبه للتعليم برز الشعر ليكون البركان الصامت في داخله».