بينَ السكونِ الدامسِ، وأجنحةِ الحُلمِ والطموحِ، وعلى إيقاعِ المحبّةِ؛ أرادَ الدكتور "نبيل الشاهين" أن يجسدَ ما ران لأجله؛ عادّاً الطبَّ مهنةً إنسانيةً، وتجسيدها يتمّ بالمبادرة والموقف.

مدونةُ وطن "eSyria" وبتاريخ 21 تموز 2019 التقت الدكتور "نبيل الشاهين" موضحاً مسيرته المهنية بالقول: «في قريةٍ يكثرُ فيها البازلت، وتفوحُ منها رائحة التاريخ وعبق الموقف، وعلى أصوات أجراس الكنائس وآذان الصلاة، كانت ولادتي في قرية "خربا" عام 1964، ضمن أسرة كلفة بالعلم والمعرفة، حيث كان والدي "سليم الشاهين" مدرسَ مادة التاريخ في ثانويات "السويداء"، وواحداً من بين المدرسين الأوائل في المحافظة، أما الوالدة فهي المربية الحريصة على النجاح وإرادته، في المرحلة الإعدادية والثانوية كنت شغوفاً بالرياضيات، وميولي تنصبُّ نحو الهندسة بعد أن عملنا لكسب العيش وتأمين مستلزمات الدراسة عمالاً في ورشات البناء، والمفارقة اللطيفة أنّ مدرسة التمريض في "السويداء" التي دخلتها عاملاً، عدتُ إليها طبيباً مدرساً، إذ بعد تجاوز الثانوية وتأمين التحصيل الذي أرغب، أردت دراسة كلية الطب بجامعة "دمشق" على حساب الهندسة، لأنني أحبّ الرياضيات ولكنني لا أحب الرسم، الأمر الآخر حينما كنت عاملاً رأيت معاناة المهندس في الطبيعة ومع العمال، ولعلّ من زرع في داخلي دراسة الطب أكثر منذ كنت في الثانوية هو الدكتور "وسيم عزام"، والعديد من أطباء ذاك الجيل الذين شكّلوا لنا رؤية في قربهم من المجتمع ومحبّة الناس لهم، ورغبتهم في رسم ابتسامة على مُحيا مرضى يأتونهم من مناطق متفرقة من الجبل».

عرفت الدكتور "نبيل الشاهين" من قرابة ثلاثة عقود من الزمن، رئيساً لقسم التخدير في المشفى الوطني، مثابراً جلداً على دخول غرفة العمليات، وفيه ميزة إنسانية من حيث تعامله مع مريضه حيث يقوم بالحديث معه قبل تخديره، ويعرفه بنفسه كي يدخل إلى قلبه السكينة والهدوء، خبرته العلمية واسعة؛ إذ أجرى أكثر من عشرين ألف عملية، وأذكر أثناء أحداث 25 تموز 2018، كيف كان مع الطاقم الطبي متجاوزاً 36 ساعة عمل متواصلة، وحين أراد إراحة جسده، تبرع تلقائياً وعاد للمشفى حين علم بوجود حوادث مضاعفة، فهو طبيب إنسان ومبادر إلى نشر ثقافة العمل الإنساني من خلال معاينته المجانية، والرافض لإجراء أيّ عمل جراحي لمريض وخاصة للفقراء والمحتاجين إلا في المشفى الوطني، وهذه ميزة تحسب له، فهو من طبّق مقولة أنّ الطبّ قيمةٌ إنسانيةٌ وعلى الطبيب تجسيد ذلك

وعن علاقته بالمجتمع، ورغبته بالعمل، تابع القول: «لعلّ مهنة الطبيب هي الأكثر التصاقاً مع الناس، ولكنها الأخطر في النتائج إذا لم يحسن الطبيب التشخيص والعلاج، ولكن نحن أطباء التخدير والإنعاش لدينا صعوبة كبيرة لا يعلمها إلا المشتغل بها، فقد لحظت منذ ممارستي للمهنة كإخصائي منذ عام 1993 كيف يعاني المجتمع، وبالتالي وُلدت لدي قناعة بأنّ المريض مهما بلغ لا بد من علاجه في المشافي الوطنية، ولهذا جميع المرضى يتم معاينتهم إما بالمشفى وأما في العيادة غير المأجورة، خاصة في الأحداث التي مرت بها البلاد، وخلال شهر تموز، وما حمل معه، كان للطاقم الطبي عملاً مضنياً تجاوزت ساعات العمل 36 ساعة متواصلة، ولكن ما يثلج الصدر أنه تم إنقاذ أرواح العديد من الجرحى، وربما ما ترك أملاً لنا في الاستمرار والمتابعة، والمبادرة الطيبة خلال ثلاثة عقود ونيف؛ أنّ المجتمع بوعيه وحسّه الإنساني ساعدني على تطبيق قناعتي بأنّ الطب مهنة إنسانية، وعلى الطبيب تجسيدها، فالتعاون والتكافل الاجتماعي بيننا وبين المرضى جعلني أطبقُ وصايا والديّ بمساعدة الناس وتقديم العلاج المناسب لهم، وعدم التقصير في تقديم الخدمات الطبية المجانية والمهنية، إذ نعاني أطباء التخدير من قلّة الكوادر، وربما مطلبنا أنه لا بدّ من تأمين لكل خمسة أطباء جراحة طبيب تخدير، بينما الواقع مختلف إذ يوجد طبيب مخدر واحد لكل ثلاثين جراحاً، وهذا يشكّل عبئاً كبيراً في ساعات العمل اليومية، فهناك قناعة أنّ أخصائيَ التخدير مظلومٌ وحياة الإنسان بيديه، حيث عرفه أحدهم بقوله: (أنه خافض للضغط، وضابط للنبض، مغيب الإحساس ومهندس الأنفاس، وهو المنسي في الأفراح والمدعو في الأتراح)، ولكن حينما أرى محبة الناس واحترامهم، وكيف كان يعمل أطباء سبقونا أشعر بالأمل بالحياة المتجددة، ولهذا الطب مهنة إنسانية ولا بد للطبيب من تجسيدها».

الدكتور سعد الصفدي

وأوضح الدكتور "سعد الصفدي" الأخصائي بجراحة الأنف والأذن والحنجرة بالقول: «عرفت الدكتور "نبيل الشاهين" من قرابة ثلاثة عقود من الزمن، رئيساً لقسم التخدير في المشفى الوطني، مثابراً جلداً على دخول غرفة العمليات، وفيه ميزة إنسانية من حيث تعامله مع مريضه حيث يقوم بالحديث معه قبل تخديره، ويعرفه بنفسه كي يدخل إلى قلبه السكينة والهدوء، خبرته العلمية واسعة؛ إذ أجرى أكثر من عشرين ألف عملية، وأذكر أثناء أحداث 25 تموز 2018، كيف كان مع الطاقم الطبي متجاوزاً 36 ساعة عمل متواصلة، وحين أراد إراحة جسده، تبرع تلقائياً وعاد للمشفى حين علم بوجود حوادث مضاعفة، فهو طبيب إنسان ومبادر إلى نشر ثقافة العمل الإنساني من خلال معاينته المجانية، والرافض لإجراء أيّ عمل جراحي لمريض وخاصة للفقراء والمحتاجين إلا في المشفى الوطني، وهذه ميزة تحسب له، فهو من طبّق مقولة أنّ الطبّ قيمةٌ إنسانيةٌ وعلى الطبيب تجسيد ذلك».

الدكتور نبيل داخل غرفة العمليات
د. نبيل الشاهين بعد العملية