تحتضنُ قريةُ "الهويا" التي يستقبلُ أهلها زوّارهم بالترحاب مضافةَ "آل البربور"، وهي الجامعة لإرثٍ تاريخي واجتماعي ووطني، لما حملته من قيم ومآثر قبل ما ينوف عن المئة وخمسين عاماً.

حول تاريخ ونشأة المضافة، والأحداث التي حملتها مدوّنةُ وطن "eSyria" وبتاريخ 22 أيلول 2019 التقت "بسام البربور" حفيد مؤسس المضافة الذي بيّن قائلاً: «يعود بناء المضافة على يد بنائين من "لبنان" عام 1862، جاء بهم الراحل "حسن فارس البربور" الذي أسسها، حيث تسلم إدارة شؤونها وشؤون القرية بمنصب المخترة، وجاء من بعده "سعيد البربور"، لتؤول إلى الابن الثالث "هلال" الذي عرف بأنّه شيخ وقور وذو عقل راجح ورأي سديد، مارس القضاء العشائري الاجتماعي، فحوّل المضافة إلى محكمة في زمن لم تكن للمحاكم القانونية وجود، لأنّ البلاد كانت تحت الاحتلال العثماني، ومن بعده الفرنسي.

يحدثنا جدي أن في وسط المضافة حفرة تسمى "النقرة" وهي مخصصة لإعداد القهوة العربية، ولا يمكن أن يبزغ الضوء الصباحي أو عند الفجر إلا وتكون القهوة جاهزة، فكلّ من يمر بجانبها عليه أن يتناول القهوة ضيفاً كان أو عابر سبيل

حملت المضافة بين جدرانها وقائع تاريخية أهمها مقررات مؤتمر عام 1927 قبيل رحيل الثوار إلى "وادي السرحان"، وخرج المؤتمرون بوثيقة وقّع عليها الحضور للدفاع عن الأرض ضد الفرنسيين».

بسام البربور

وتابع الباحث في التاريخ "ابراهيم جودية" عضو الجمعية العلمية التاريخية بالقول: «حين تدخل هذه المضافة تستشعر عادات وتقاليد عربية أصيلة من خلال أصحابها الذين يقفون على بابها الخارجي يهللون بعبارات الترحيب وكرم الضيافة، ورائحة البن والهيل تفوح منها لاستقبال الضيف، وهي المبنية من حجارة محصّنة بطريقة قديمة تاريخية، فقد لعبت دوراً وطنياً مهماً في الأحداث الوطنية والاجتماعية، وكان المجاهد "هلال البربور" بالتعاون مع أهالي "الهويا" يعقد الاجتماعات للتداول بالشأن الوطني، وخاصة عندما وصلت رسائل الشريف "حسين" وابنه "فيصل" إلى زعماء "جبل العرب" لمناصرة الثورة العربية الكبرى، حيث كانت الانقسامات والخلافات قائمة بين مناصرٍ للوجود العثماني ومن يناصر الثورة العربية الكبرى وهم كثر، وقد شارك أهالي القرية بمجموعة من الفرسان عام 1917 باتجاه "العقبة" بقيادة "حمد البربور" من قرية "أم الرمان"، كما كان للمضافة دور بارز في أحداث الثورة السورية الكبرى حين استضافت القائد "جمعة سوسق" ابن "القلمون"، والذي استشهد في ربوعها، واسمه حالياً في النصب التذكاري للشهداء في ساحة القرية، ونظراً لموقعها الجغرافي على أطراف الجبل من الجهة الشرقية كان لها الدور الرئيس في مواجهة الجنرال "اندريا" عام 1926، ومن الوقائع المهمة التاريخية في مزرعة "احبكي" حيث انعقد المؤتمر الوطني بحضور المجاهدين "رشيد طليع"، الدكتور "عبد الرحمن الشهبندر"، "زكي الحلبي"، "أسعد أبو صالح"، ومجموعة من قادة الثورة، أُطلق على هذا الاجتماع مؤتمر "الهويا"، وتمخضت عنه قرارات مهمة منها استباحة دماء من يتعامل مع الفرنسيين، ومخاطبة الأمير "عبد الله" والهاشميين لدعم الثورة. ولا يمكن أن نغفل دور هذه المضافة وأهلها بتزويد المجاهدين، المتنقلين عبر الصحراء في العهدين العثماني والفرنسي، بالأطعمة وكل ما يلزم للصمود في وجه الأعداء، وخاصة شهادة المجاهد "سعيد العاص" بكتابه "صفحة من الأيام الحمراء"».

ومن الأحداث التي جرت بالمضافة تابع بالقول: «عام 1926 عندما صدر قرار من القيادة الفرنسية بهدم مضافة "آل الاطرش" في "الهويا"، وإشادة مدرسة بحجارتها، قام المجاهد "سعيد البربور" الشقيق الأكبر للشيخ "هلال البربور" من القائمين على المضافة بإحباط هذه المحاولة برجولة وتضحية، حيث قدّم قطعة أرض وبنيت عليها المدرسة الابتدائية الحالية بالحجر البازلتي، وفي عام 1954 كان للمضافة وأهلها دور وطني بارز عندما خرج بيان "مصطفى حمدون" من "حلب" بإسقاط الطغيان العسكري حيث حاول بعض الأهالي استغلال هذا الظرف والتعدي على بعض قطعات وأفراد الجيش، فرفضوا رفضاً قاطعاً وقالوا هؤلاء أبناء وطن مأمورين لم نسمح بالتعدي عليهم وتمّ إكرامهم».

من داخل المضافة والمدرج المزدوج

وأشار "نديم الشعشاع" من أهالي قرية "الهويا" بالقول: «تميزت هذه المضافة بالتكافل الاجتماعي، إذ كثيراً ما أتى إليها تجار ينقلون المواد الغذائية غير المتوافرة بالقرية، فكان القائمون عليها هم من يحددون السعر للأهالي، وتباع كامل الكمية الموردة، دلالة احترام الناس لقرارها واحترامها لوضع الناس الاقتصادي».

وأوضح "مجلي البربور" من أحفاد المؤسسين للمضافة قائلاً: «يحدثنا جدي أن في وسط المضافة حفرة تسمى "النقرة" وهي مخصصة لإعداد القهوة العربية، ولا يمكن أن يبزغ الضوء الصباحي أو عند الفجر إلا وتكون القهوة جاهزة، فكلّ من يمر بجانبها عليه أن يتناول القهوة ضيفاً كان أو عابر سبيل».

عادل الحكيم

ومن المعاصرين "عادل الحكيم" أحد زوّار المضافة أوضح قائلاً: «حين دخلت المضافة تكونت في مخيلتي صورة لذاكرة تاريخية، ولأحداث مهمة جرت فيها، إذ يتصدر جدرانها صور لمؤسسيها القدماء قبل قرن ونصف القرن، وكذلك لبعض الاجتماعات مع المغفور له القائد العام للثورة السورية الكبرى "سلطان باشا الأطرش"، والأهم أنّها تحتوي مدرجاً مزدوجاً للضيافة، دلالة أنّها كانت تجمع ضيوفاً كثير، وما سمعناها من أهالي القرية وبعض المؤرخين أنّها تحمل أحداثاً ووقائعَ وطنيةً ونضاليةً مهمةً في تراثنا وموروثنا، فهي بحق حكايا للزمن الغابر وسجلٌ للمواقف النبيلة».