يحتوي "جبل العرب" على قطعٍ أثرية متنوّعة تحمل دلالات لعصور رومانية قديمة، وتكثر أشكال الأسود وأماكن وجودها المختلفة.

حول طبيعة الآثار وتماثيلها مدوّنةُ وطن "eSyria" وبتاريخ 22 تشرين الأول 2019 التقت مع الباحث الأثري الدكتور "نشأت كيوان" وبين قائلاً: «حظي تمثيل الأسود في الشرق القديم عامة وفي "جبل العرب" خاصة بنوع من القداسة الدينية وأخذت هذا الطابع منذ القدم، ولم يستدل على وظيفة أخرى لها وعلى الأخص الجنائزية، وقد كانت توضع على مداخل المعابد من أجل حراستها، بحيث توزعت الأشكال المحلية الأصيلة بين تماثيل أسود شبه كاملة ورؤوس منفردة، وبالوضعية والحجم والشكل نفسها، ويوجد أسد آخر يختلف عن الأول من ناحية الجنس ويربض على قاعدة ويرنو بنظره للأمام ويفترض أنهما من المنشأ نفسه أيضاً ويرجح من معبد "مصاد" وهو يقع في الجنوب الشرقي من مدينة "السويداء"، هذان النموذجان يعدّان الوحيدان ضمن سلسلة الأعمال المحلية للأسود من ناحية تكامل الشكل إلى حدٍّ معين، ويختلف عنهما قليلاً أسد رابض بقي منه الرأس والجزء الأمامي من الجذع، الوجه مشوّه وقسم منه مشطوف، يجثم الأسد على طرفيه الأماميتين يرفع برأسه للأعلى قليلاً ويبدو أنه فاغر الفم، العينان غير واضحتين تماماً لكنهما محززتا المحيط وتظهر القزحية، الأنف مجدوع والفم مشطوف، تغطي اللبدة الرأس وتصل لأول الساقين الأماميتين وأول الظهر وهي عبارة عن خصلات طويلة من الشعر مسننة الأطراف ذات اتجاهات مختلفة ما يعطي تراتبية في المنظر وبالتالي مرونة أكبر، حجم الجذع صغير نسبياً بالنسبة لحجم الرأس واللبدة والأطراف الأمامية ثخينة وغليظة بالنسبة للجسم ككل وخاصة الجذع وكأن النحات أراد أن يبرز مقدمة الأسد في وضعية الحماية والحراسة مع العلم أنّ ملامح الوجه الظاهرة تبدو أليفةً لحدٍّ معين ولا تبدو عليه ملامح القوة كثيراً، لكن بين أيدينا نموذج لرأس أسد جزء من تمثال تبدو على وجهه خطوط مثلّمة كتقاطيع لإبراز معالمه، العينان كبيرتان محززة المحيط لوزية ومن دون قزحية ومحجر العين غير مجوّف ومسطّح ويرنو الأسد بنظره للأعلى، الأنف على شكل نتوء محدّب مع نقص في التفاصيل أي أنّ النحات أعطاه الشكل العام المثلثي، الفم الخطم مفتوح ويظهر النابان الجانبيان وهما كبيران، واللسان متدلٍ وشفري الفم عريضان، الأذنان تغطيهما اللبدة التي تحيط بالرأس حيث إنّ شعرها مختزل ذو أشكال هندسية، وهي عبارة عن خصلات من الشعر على شكل خطوط نافرة مثلمة وقصيرة متراكبة بجانب بعضها بانتظام إلى حدٍّ معين ومقوسة ولا تتصل ببعضها بشكل مستمر».

المصدر الأساسي لأسدي "عرى" كان من بناء معماري منفرد إما من قبر له أهمية خاصة أو من معبد، المثال الأول لأسد رابض فاغر الفاه بين قائمتيه الأماميتين رأس ثور، يجلس على قاعدة حجرية مستطيلة، فمه مفتوح واللسان يتدلى من بين الأنياب، أما رأس الثور فقد نحت بشكل جبهي دون تفاصيل كثيرة فقط للدلالة على موضوع النحت ألا وهو تمثيل مشاهد الافتراس وهذا نشاهده في منظر أعم في "تدمر" من خلال نحت نافر يمثل أسداً يغرس مخالبه في غزال بين قدميه وقد كان هذا التمثال يزيّن مدخل معبد "اللات" مع نقش كتابي: "على بركة اللات التي يضحي حياته من أجلها إمام المعبد"، وهذا الموضوع يُشاهد في منحوتة لأسد رابض من "شقا" رأسه وجسمه سليمان لكن قطعت الأرجل وفقدت ويوجد بين الساقين الأماميتين رأس غزال حيث كان الأسد يهّم بافتراسه، كذلك الجسم مطوّق بحزام خلف الكتف، نُحتت اللبدة بشكل متقن ونُظمت جدائلها في ثلاثة صفوف من الخصلات بشكل نظامي ومتميز وقسّم كل صف بأخاديد منحنية ومحفورة

وتابع الباحث الأثري الدكتور "نشات كيوان" بالقول: «إن الأسود في "حوران" جميعها كانت بالوضعية الرابضة أو الجالسة وهذا شكل نراه في تمثيلات أسود في النحت الشرقي القديم في "بلاد الرافدين"، حيث عُثر في "تل موزان" في قدس أقداس المعبد على أسد رابض يعود بتاريخه للعصر السوري المتأخر الثاني 2400 ق.م وعثر في "تدمر" على أسد كبير يزمجر وهذه صورة تقليدية لسيدة الإلوهية والقداسة وهو من النماذج البارثية، وقد وجد نحت نافر لأسد بشكله الواقعي على حوض ماء حجري من "خربة التنور" مشابه لمنحوتات نافرة لأسود اكتشفت في بعض المعابد النبطية مثل معبدي "بعل شامين وذو الشرى" في "سيع"، كذلك اكتشف شكل رأس أسد "خربة التنور" في موقع نبطي قريب من قصر الظهيرة في "الأردن".

الباحث الدكتور نشأت كيوان

إنّ تمثيل الأسود تبوأ مكانةً دينيةً كبيرة في فنون الشرق القديم وتبيّن ذلك في الفن المحلي في "جبل العرب"، واستمر تمثيل الأسد في العصر الروماني لكن بصيغ فنية أخرى، لكن العناصر المحلية بدت على جزء منها بشكلٍ أو بآخر، وقد حفظت بعض الأسود الكاملة في المتحف الوطني بـ"دمشق" ومنشؤها "جبل العرب"، اثنان من بلدة "عرى" وآخر من "شقا" بالإضافة للنماذج الأقل إتقاناً في متحف "السويداء"».

وأشار الباحث الأثري "خلدون الشمعة" بالقول: «المصدر الأساسي لأسدي "عرى" كان من بناء معماري منفرد إما من قبر له أهمية خاصة أو من معبد، المثال الأول لأسد رابض فاغر الفاه بين قائمتيه الأماميتين رأس ثور، يجلس على قاعدة حجرية مستطيلة، فمه مفتوح واللسان يتدلى من بين الأنياب، أما رأس الثور فقد نحت بشكل جبهي دون تفاصيل كثيرة فقط للدلالة على موضوع النحت ألا وهو تمثيل مشاهد الافتراس وهذا نشاهده في منظر أعم في "تدمر" من خلال نحت نافر يمثل أسداً يغرس مخالبه في غزال بين قدميه وقد كان هذا التمثال يزيّن مدخل معبد "اللات" مع نقش كتابي: "على بركة اللات التي يضحي حياته من أجلها إمام المعبد"، وهذا الموضوع يُشاهد في منحوتة لأسد رابض من "شقا" رأسه وجسمه سليمان لكن قطعت الأرجل وفقدت ويوجد بين الساقين الأماميتين رأس غزال حيث كان الأسد يهّم بافتراسه، كذلك الجسم مطوّق بحزام خلف الكتف، نُحتت اللبدة بشكل متقن ونُظمت جدائلها في ثلاثة صفوف من الخصلات بشكل نظامي ومتميز وقسّم كل صف بأخاديد منحنية ومحفورة».

الباحث الأثري خلدون الشمعة

وتابع الباحث "الشمعة" قائلاً: «تلك المنحوتات للأسود مع أمثلة أخرى كان لها مكانة زخرفية مهمة في "سورية" في الفترة الإغريقية الرومانية، وهي مشابهة لأسود "سيع" إلى حدٍّ معين من ناحية المعالجة الخشنة لشعر اللبدة، وقد عثر في "شقا" على أسد ملجم يشد عربة ذات عجلتين تشابه تلك في "اللجاه"، ولا غرابة في تصوير الأسود وهي تجرّ العربات فالمعروف أنّها من الحيوانات المقدسة التي لم يقتصر دورها على تكوين رمز لبعض الآلهة بل كانت تستخدم لجرّ عرباتها مثل أسد عربة "سيبيل"، أما تصوير الغزال مع أسد فلم يكن له قيمة رمزية كبيرة في تمثيلات "جبل العرب" كما في "إفريز" من قصر "العبيد" وفي الواجهة الزخرفية في "المشّتّى" في "الأردن"، والجمع بين الأسد والأفعى كان عبارة عن رمز بسيط في النحت، إذاً تمثيل الأسود في "حوران" استمر طيلة الفترة النبطية والعصر الروماني وهذا يدلّ على شيوع مثل هذا التمثيل ورواجه وإن اختلفت الصيغ والأساليب الفنية المعتمدة نسبياً، لكن وجود عنصر مشترك بين المجموعتين ألا وهو الوضعية الجاثمة للأسود كثرت في "السويداء"».

تمثال أسد رابض