فوق تلّةٍ جبليةٍ شاهقة تناشد التاريخ والزمن، تقع مضافة "آل أبو مغضب" في قرية "بو زريق" التي حملت بين حجارتها حكايا الماضي العريق، ووثّقت لمآثر مهمة في الوقت المعاصر.

حول تاريخها وتأسيسها، مدوّنةُ وطن "eSyria" وبتاريخ 23 تشرين الثاني 2019 التقت حفيد المؤسس لها "باسل أبو مغضب" الذي بيّن قائلاً: «أسست مضافة "آل ابو مغضب" في قرية "بو زريق" عام 1875 على يد الشيخ "محمد أبو مغضب"، وهو الابن البكر لمؤسسها الأوّل "خالد أبو مغضب" الذي قدم مع عائلته وأبناء إخوته "أسعد"، و"يوسف" من "لبنان" إثر الاضطرابات والحروب الأهلية التي سادت في العهد العثماني، وتم اختيار مكان بارز لها لتطل على الجهات الثلاث، الشمال، الشرق، الغرب، بينما ترتاح على أسفل التلة البازلتية الضخمة من جهة الجنوب، فهي كالأسد الرابض للناظر لها من بعد، وبنيت على قاعدة من الحجر البازلتي المصقول حتى تأخذ إطلالتها الحالية مستطيلة الشكل مع ارتفاع من أسفل القاعدة إلى السقف بحدود أحد عشر متراً، ومن أرضها إلى السقف خمسة أمتار، ويبلغ سماكة الحجر البازلتي المصقول للجدار بها 80 سم، ومسقوفة بالخشب المزين الذي تم إحضاره من "لبنان" خصيصاً لهذا الغرض، ورصفت الأرضية بالحجر البازلتي الأزرق، حيث أراد مؤسسها "محمد أبو مغضب" من خلال البناء إبراز المكانة الاجتماعية التي يتمتع بها في قريته العتيدة، فالأرض الزراعية الواسعة، والخصبة التي تم استصلاحها، والعدد الوفير من المواشي والخيول التي تضاعفت في سنوات قليلة، وتجارة الحبوب المزدهرة كانت انعكاساً حقيقياً للمكانة الاجتماعية والاقتصادية التي يتمتع بها، فهو الزاهد المتدين الذي لم يغزُ في حياته على عادة أهل زمانه، وبرز دوره في مجاعة عام 1915 التي اجتاحت "سورية" في عهد "جمال باشا السفاح" بعد مصادرته المحاصيل وسوق العديد من الشباب إلى التجنيد الإجباري فعمّت المجاعة، وكان له دور بارز في توزيع القمح على المحتاجين ومساعدة الناس ومواساتهم بماله، حتى سميت مضافته (المحجة) لكثرة قاصديها وطالبي العون والإغاثة.

ورث "فضل الله بيك أبو مغضب" المضافة من والده بعد وفاته، فسار على الدرب نفسه، وجعل من المضافة بيت العائلة الكبير، وذلك بكرمه وجوده، وفي عهده تعرضت المضافة للتخريب على يد الفرنسيين بعد معركة "أبو زريق"، وذلك انتقاماً منهم لدعم "آل أبو مغضب" للثوّار، وتم استشهاد أسرة بكاملها من "آل زين الدين" كانت تسكن القرية، وقام "أبو حسن فضل الله أبو مغضب" بإصلاح المضافة واستبدال السقف الخشبي المنهار بسقف من قضبان الحديد، حتى عادت إلى ألقها المعتاد بعد إصلاحها، وعادت مقصداً للضيوف مع فنجان القهوة المرة الذي يستقبل به ضيوفها مع حسن الاستقبال والبشاشة بقدوم الضيف، وبعد وفاة "فضل الله أبو مغضب" تابع أبناؤه الأربعة سيرة حياة والدهم في العطاء حيث قاموا بإصلاح المضافة واستبدال السقف الحديدي بسقف من الإسمنت المسلح، وفي الوقت الحالي عمل حفيده المهندس "شهاب فاضل أبو مغضب" على إعادة ترميمها بالكامل، وهي في عهدته أمانة يحافظ عليها ويكمل طريق آبائه وأجداده

شهد الثورة العامية بين عامي 1888 و1890، وله توقيع ضمن الوثيقة المعروفة بوثيقة "مجدل الشور" في نيسان 1888».

باسل أبو مغضب بين المؤسس والخليفة

وتابع "باسل أبو مغضب" القول: «ورث "فضل الله بيك أبو مغضب" المضافة من والده بعد وفاته، فسار على الدرب نفسه، وجعل من المضافة بيت العائلة الكبير، وذلك بكرمه وجوده، وفي عهده تعرضت المضافة للتخريب على يد الفرنسيين بعد معركة "أبو زريق"، وذلك انتقاماً منهم لدعم "آل أبو مغضب" للثوّار، وتم استشهاد أسرة بكاملها من "آل زين الدين" كانت تسكن القرية، وقام "أبو حسن فضل الله أبو مغضب" بإصلاح المضافة واستبدال السقف الخشبي المنهار بسقف من قضبان الحديد، حتى عادت إلى ألقها المعتاد بعد إصلاحها، وعادت مقصداً للضيوف مع فنجان القهوة المرة الذي يستقبل به ضيوفها مع حسن الاستقبال والبشاشة بقدوم الضيف، وبعد وفاة "فضل الله أبو مغضب" تابع أبناؤه الأربعة سيرة حياة والدهم في العطاء حيث قاموا بإصلاح المضافة واستبدال السقف الحديدي بسقف من الإسمنت المسلح، وفي الوقت الحالي عمل حفيده المهندس "شهاب فاضل أبو مغضب" على إعادة ترميمها بالكامل، وهي في عهدته أمانة يحافظ عليها ويكمل طريق آبائه وأجداده».

وعن أهم اللقاءات الوطنية والاجتماعية، أوضح الباحث التاريخي "إبراهيم جودية" قائلاً: «في قرية "بو زريق" الواقعة ضمن المنطقة الشرقية من "جبل العرب"، والتي لها شأن كبير في تجسيد عادات وتقاليد أبناء الجبل، ويسكنها مجموعة من الفئات الاجتماعية المتنوعة، توجد مضافة قديمة يعود قدمها إلى أكثر من قرن ونيف، عاشت أحداثاً داميةً لمقارعة الاستعمار العثماني والفرنسي، وتعزز بها -رغم الفقر والاضطهاد وسياسة العنف الاستعمارية- الكرم والطيب والجود، حين يدخلها المرء يحتار للوهلة الأولى لماذا هذا الاتساع، ولماذا الارتفاع الشاهق والمكلف، وما هو المغزى من عرض الجدار المخصص لجلوس الضيوف؟ كل هذه السمات موجودة ومرسخة في مضافة المجاهد "فضل الله أبو مغضب"، وروعة البناء بتاريخه، واستذكار مواقف الرجال في الظروف المشبعة بالمحن والشدائد والملمات، هي المبنية في نهاية عهد العثمانيين من قبل أصحاب الخبرة في البناء من "آل الشويري" من جبل "لبنان"، وقد شهدت القرية اجتماعاً لوجهاء المقرن الشرقي عام 1917 عندما وصلت رسائل الشريف "حسين" وابنه "فيصل" إلى الجبل للانخراط في صفوف الثورة العربية الكبرى، وفعلاً تم الاتفاق بالإجماع للذهاب إلى "العقبة"، وعندما دخل الفرنسيون إلى "دمشق" وغادر الملك "فيصل" إلى "درعا" في عشرينيات القرن الماضي، وبعد أحداث الثورة السورية الكبرى عقدت بها لقاءات ضمت زعامات تقليدية بقيت في الجبل ولم تغادر إلى "وادي السرحان" لتداول كيفية إيصال التموين إلى الأزرق مكان وجود الثوار والوقوف إلى جانب أسر الشهداء، وحين أبرمت المعاهدة السورية الفرنسية في السادس والثلاثين من القرن الماضي شهدت اجتماعاً مهماً لمعرفة تفاصيل المعاهدة، وهو دليل على أهمية ومكانة صاحب هذه المضافة، وفي 1937 عندما وصل المجاهدون إلى "دار عرى" توجه "فضل الله أبو مغضب" مع مجموعة كبيرة من القرى الثلاث "بهم"، "بو زريق"، "طليلين" لتهنئة المجاهدين، وأثناء قيام الحركة الشعبية في منتصف الأربعينيات من القرن الماضي اتخذ أصحابها موقفاً معتدلاً وحيادياً، وانسحبوا من الاجتماع الذي عقد في "صلخد" لقادة الحركة عندما تبيّن أنّ الهدف الأساسي للاجتماع خرج عن أهدافه، ومن ميزاتها الكرم والسخاء، ورسخت قيمة مضافة هي لحظة إسناد الفعل الثوري بموقفها وأحداثها».

المضافة بين القديم والحديث
ابراهيم جودية بجانب الراحل فاضل أبو مغضب