تكثر في قرى ومناطق "جبل العرب" العديدُ من الأوابد الأثرية التي شكلت ظاهرةً ثقافيةً في العصر النبطي والروماني، مثل تماثيل لكتّاب متخصصين يعاملون بكثير من الاحترام والتقدير.

حول الآثار الدالة على الكتاب، مدوّنةُ وطن "eSyria" وبتاريخ 26 كنون الأول 2019 التقت الباحث الأثري الدكتور "نشأت كيوان" الذي بيّن قائلاً: «قدم لنا الإرث الأثري في "حوران" صورةً تعتبر استثنائية وهامة من ناحية تصوير وتمثيل أشخاص جالسين تدل هيئتُهم على أنهم ينتمون إلى طبقة مهمة في المجتمع خلال العصر الروماني، ألا وهم الكتبة أو الكتّاب، تلك الطبقة التي تمتعت بقسطٍ كبير من الاحترام، وهذا ما نراه في حضارات الشرق القديم، إذ في بلاد "الرافدين" نوع من التخصص في أصناف الكتابة فمنهم من كان كاتب المعبد، كاتب القصر، كاتب البلاد، كاتب المدينة، الكاتب العسكري، كاتب القضاة والعقد، كاتب القياسات والفلك، الكاتب المترجم والمعارف الجغرافية، الكاتب الأديب والناسخ، وكاتب الحكمة، إلى ما هنالك من أصناف، ويبدو أنّ تلك المنطقة أولت هذه الفئة عنايةً خاصة، ويستدل على ذلك من خلال تمثيلات الكتبة حيث بحوزتنا أكثر من خمسة أدلة أثرية على وجود هذه الطبقة عثر عليها في القسم الجبلي، ففي "قنوات" عثر على تمثال من البازلت بحجمٍ كبير جالس على كرسي نحتت قوائمه على شكل أرجل الماعز، وذكره "موريس دونان" في مؤلفه "متحف السويداء"، فهو يمد يده اليسرى واضعاً إياها على ركبته، مشكلةً قبضةً تبدو كأنّها تحمل شيئاً يدلّ على ما يشبه المخطوطة الملفوفة، ويرتدي قميصاً طويلاً (جلباب) من نوع "التونيك"، فوقه عباءة تنسدل فوق الكتف الأيسر، تاركةً الكتف الأيمن دون تغطية، ويصل طول هذه العباءة حتى منتصف الساق تقريباً، وقطعت في نهايتها بشكلٍ أفقي مستقيم».

قدم لنا الإرث الأثري في "حوران" صورةً تعتبر استثنائية وهامة من ناحية تصوير وتمثيل أشخاص جالسين تدل هيئتُهم على أنهم ينتمون إلى طبقة مهمة في المجتمع خلال العصر الروماني، ألا وهم الكتبة أو الكتّاب، تلك الطبقة التي تمتعت بقسطٍ كبير من الاحترام، وهذا ما نراه في حضارات الشرق القديم، إذ في بلاد "الرافدين" نوع من التخصص في أصناف الكتابة فمنهم من كان كاتب المعبد، كاتب القصر، كاتب البلاد، كاتب المدينة، الكاتب العسكري، كاتب القضاة والعقد، كاتب القياسات والفلك، الكاتب المترجم والمعارف الجغرافية، الكاتب الأديب والناسخ، وكاتب الحكمة، إلى ما هنالك من أصناف، ويبدو أنّ تلك المنطقة أولت هذه الفئة عنايةً خاصة، ويستدل على ذلك من خلال تمثيلات الكتبة حيث بحوزتنا أكثر من خمسة أدلة أثرية على وجود هذه الطبقة عثر عليها في القسم الجبلي، ففي "قنوات" عثر على تمثال من البازلت بحجمٍ كبير جالس على كرسي نحتت قوائمه على شكل أرجل الماعز، وذكره "موريس دونان" في مؤلفه "متحف السويداء"، فهو يمد يده اليسرى واضعاً إياها على ركبته، مشكلةً قبضةً تبدو كأنّها تحمل شيئاً يدلّ على ما يشبه المخطوطة الملفوفة، ويرتدي قميصاً طويلاً (جلباب) من نوع "التونيك"، فوقه عباءة تنسدل فوق الكتف الأيسر، تاركةً الكتف الأيمن دون تغطية، ويصل طول هذه العباءة حتى منتصف الساق تقريباً، وقطعت في نهايتها بشكلٍ أفقي مستقيم

وتابع "كيوان" بالقول: «في "قنوات" هناك تمثال يؤرخ في نهاية القرن الأول قبل الميلاد أو بداية القرن الأول الميلادي، ويرتبط مع مجموعة تماثيل بنقاط تمثل الكاتب ذا المكانة الاجتماعية العالية التي كان يتبوأها منذ أقدم الفترات، هذه التمثيلات تنتمي إلى الطابع المحلي الأصيل أيّ أنّ أبناء المنطقة قد مثلوا هذه التماثيل ضمن قوالب محلية تنتمي لثقافتها، فالشكل الجبهوي ووضعيتهم الجالسة، وكسوتهم، وعدم المبالاة بتقليد الواقع، وهي من ميزات النحت الشرقي القديم، حيث تقودنا إلى الاستنتاج بأنّ التقاليد الفنية الشرقية هي عامل التأثير الرئيسي على تمثيلات "حوران" تلك، ويمكن أن نرجع هذه التقاليد في الوضعية ابتداءً من الألف الثالث قبل الميلاد حتى الفترة الهلنستية، ومن ثم الرومانية، ومن بلاد "الرافدين" والحدود السورية الأناضولية إلى "فلسطين" لكن من ناحية وظيفة هذه التمثيلات، يمكن أن نؤكدها من خلال التماثيل البازلتية التي عثر عليها في قرية "الكفر" لرجال يمثلون كتبة؛ أحدهم يشبه تمثالي "قنوات" الجالسين، حيث يجلس على كرسي طويت رجلاه، ويمسك بيديه كتاباً مفتوحاً يسنده على فخذيه، ويدل المظهر العام للرجل على مكانة مرموقة يتبوأها من خلال الوقار في شكل الوجه ووضعية جلوسه، بالإضافة إلى لباسه الرسمي إلى حدٍ ما، وعثر في قرية "الكفر" على تمثال ثانٍ من البازلت لرجلٍ يجلس على كرسي وبالوضعية نفسها يرفع برأسه قليلاً إلى الوراء، ويمسك بيده كتاباً أو مخطوطاً مفتوحاً عليه كتابة يونانية مؤلفة من ثلاثة أسطر تتحدث عن ذكرى جنائزية لـ"روفوس بن إسبوس"».

الدكتور نشأت كيوان

وأكد الباحث الأثري "خلدون الشمعة" على ارتباط التماثيل بالطابع الروماني قائلاً: «أرخت التماثيل الثلاثة في "الكفر" للقرن الثاني الميلادي بناءً على معطيات أهمها الطابع اليوناني والروماني في أشكالهم من حيث تكوين الرؤوس والشعر والوضعية الرومانية، والجلوس على الكراسي المطوية تدل على مكانتهم الاجتماعية المرموقة كحكام أو فرسان وهم يرتدون ألبسة تتميز بأطراف أرجوانية اللون محبوكة مزخرفة بينما بقية شكل اللباس مكون من قماش أبيض على جانبي الرقبة ومقدمة الرداء وظهره، إن تماثيل "الكفر" الثلاثة المتشابهة في الهيئة والطراز والنص الكتابي على أحد المخطوطات الذي يظهر المعنى الجنائزي للشخص الممثل يمكن أن يضعها جميعاً ضمن السياق الجنائزي الروماني، وتكمن الأهمية البالغة لطبقة الكتّاب في المجتمعات القديمة بالنصوص المقدمة من "إيبلا" في "تل مرديخ "، ونصوص "تل أبو الصلابيخ" في "العراق" قرب مدينة "الديوانية"، وهي معلومات تستحق الاهتمام والدراسة عن تعاون ثقافي واضح فيما بين سكان المنطقتين، حيث يقوم بعض كتبة بلاد "الرافدين" بالمكوث في "العراق" لعام في "إيبلا" للاطلاع على كل الثقافات، وبالعكس بالنسبة لكتّاب "إيبلا"، وبالتالي زيادة أكثر في المخزون الثقافي لكل كاتب.

ومن خلال نظرة عامة على تماثيل الكتبة ولتوصيفها ومعرفة وظيفتها لا بدّ من تحديد ماهية اللباس بشكلٍ دقيق، فالجلباب هو الطراز الموجود في معظم هذه الطبقة الاجتماعية، وقد رافقته عباءة أو ما يسمى حسب المصطلح اليوناني لهذا النوع من اللباس رداء من دون أكمام "هيماتيون"، وهذان النموذجان هما الأكثر انتشاراً في الفترة "الإغريقية"، و"الرومانية"، فالجلباب يستقر طوله في أغلب المظاهر حتى مستوى الركبة أو فوفها أو تحتها بقليل وأكمامه قصيرة غالباً فوق المرفق، هذا من ناحية التمثيل بينما اللباس المجرد من التفاصيل كمجموعة التماثيل المحلية أي الفترة التي يمكن أن نطلق عليها بقوة الفترة "النبطية" على الأقل سياسياً لها جذور شرقية في الفن الحثي الجديد كما جاء في لباس الملك "سمعل"، أو في الفن الآرامي مثل منحوتات تل "حلف جوزانا" القديمة التي تشترك مع تماثيل المجموعة المحلية في مبدأ الهندسية، واختزال العناصر الثانوية على حساب الاهتمام بالشكل ككل، أي أنّ الأسلوب الشرقي لم يكن غائباً، لذلك يمكن أن نقول بشيء من الأريحية إن صح التعبير، هناك مزيجٌ من الملامح التصويرية من عناصر رومانية وسورية محلية ومصرية وخصوصاً في تماثيل قرية "الكفر"».

الباحث الأثري خلدون الشمعة
من تماثيل الكتبة