رعت الهيئة الدينية في "السويداء" لجنة "حلِّ النزاعات" بطريقة عشائرية للتخفيف من حجم الخلافات التي تؤدي لمشاكل عائلية بالاعتماد على عشرة محكمين يمارسون عملهم بوضع الحلول المناسبة، ما لاقى استحسان المجتمع.

المكتب الذي يقدم خدمات مجانية يعدُّ أحد مشاريع دار الطائفة، قدم فرصة لحلول أراحت الأهالي من اللجوء لمحاكمات طويلة ومكلفة كما تحدث لموقع مدوّنةِ وطن "eSyria" بتاريخ 26 شباط 2020 أمين سر دار الطائفة للمسلمين الموحدين "بشار أبو حمدان"، وقال: «يزور دار الطائفة أشخاص كثر يضعون ثقتهم بمشايخ العقل الأجلاء ويعرضون مشاكلهم، حيث يعرض على مشيخة العقل طلباً للحل في النزاعات التي ترتبط بالأملاك والخلافات العائلية، وكل ما يخطر على الذهن من مشاكل تحدث بين أفراد المجتمع، والعدد كبير ويومي وبما أن دار الطائفة هي المكان الأقرب روحياً لأبناء المجتمع كان هناك حاجة للمتابعة اليومية.

اللجنة طبعاً لا تحل مكان المحكمة، لكنها بطريقة أو بأخرى تحاول حل كثير من الخلافات قبل الوصول للمحكمة، والتخفيف قدر الممكن من حالة الخلاف في الأسر بين الأزواج والأهل، وهنا يكون للصلح بعد اجتماعي نتعامل معه وفق العرف، ولدينا أكثر من ثلاثين محامياً متطوعاً للمساعدة يقدمون لنا استشارات قانونية في القضايا التي نعرضها عليهم، ولا يتأخرون عن تقديم الدعم بأوقات قياسية دون تأخير

العمل جاء لتوسيع دائرة الرعاية والبحث عن حلول واسعة الطيف لكل من يطرق باب مشيخة العقل للبحث عن حلول تعيد الحق لأصحابه وفق الشرع والقانون، وكانت الفكرة باستحداث لجنة "لحل النزاعات"، وتم العمل على تشكيل لجنة عشائرية من أشخاص لديهم السمعة الحسنة والحضور الجيد في المجتمع وضمن عائلاتهم، ليكونوا مكلفين بحل النزاعات ومتابعتها ووضع حلول مناسبة تنال رضا جميع الأطراف.

أمين سر دار الطائفة بشار أبو حمدان

هذه اللجنة باشرت العمل في الشهر السادس من عام 2018، وكان أمامها مهام صعبة تتمثل في مناقشة القضايا اليومية التي ترد، وقد تصل إلى خمس أو ست قضايا يومياً، حيث باشرت اللجنة المؤلفة من عشرة أعضاء عملها (منهم حقوقيون، وجوه اجتماعية، خبرات تطوعوا للعمل لا يجنون منه ربحاً مادياً، بل رغبوا مربحاً آخر بزراعة الخير وتقريب القلوب وحل الوفاق بديلاً للنزاع والتشتت)، وبالفعل أفلحت اللجنة بوضع حلول لأكثر من 600 قضية من أعقد القضايا دون اللجوء لمحاكمات طويلة».

وعن آلية التحكيم تحدث رئيس اللجنة "حسن صعب" رئيس لجنة "حل النزاعات"، وقال: «هذه اللجنة وضعت نصب أعينها عدداً من الأهداف أهمها الحكم بحيادية والاستماع لشكوى كل الأطراف، واتباع أكثر الطرق سرية وتكتماً كي لا يعرف بما يدور في مكتب اللجنة إلا من لجأ إليها طالباً المساعدة، لأننا نراعي المجتمع وكذلك وفق توصيات مشايخ العقل لنكون أقدر على ردم الصدع وعدم تشابك القضايا، فهنا حفظ للسان وتقديم المشورة برؤية مجموعة متنورة لديها الخبرة والمعرفة.

منير الصحناوي وخلدون الغجري

ومن ما نعالجه قضايا تتعلق بالزواج والطلاق والإرث والملكيات والنزاعات المالية، لكننا لا نقضي بقضايا الربى أو ما يمس الأعراض، ووفق ما تفرضه شروط الشرع.

هناك سعة لأي فرد من أفراد المجتمع للاستفادة من خدمات اللجنة التحكيمية دون أن يتكلف قرشاً واحداً، بل على العكس يتحمل أعضاء اللجنة المتابعة العبءَ، ويقدمون وقتهم للوصول إلى حلول ترضي الأطراف وبشكل مريح وفي الغالب يتم التراضي وينتهي النزاع».

مقر اللجنة

ويضيف: «الفرق بين عمل اللجنة والمحكمة أنّ المتخاصمين يخرجون متراضين، ففي الحكم العشائري لا يتم توقيع وثيقة الاتفاق إلا برضا الطرفين، وليس لدينا أوقات طويلة للمناقشة، وقد نتمكن خلال يوم أو يومين أو أسبوع من التوصل إلى حلول لقضايا شائكة مثل مشاكل الدم والأموال، واليوم اللجنةُ مقصدٌ للأهالي للبحث وإذ تمكنا من حل 650 نزاعاً فإننا بذلك تمكنا من الحدّ من الخلاف بين ألف شخص وأكثر، وهذا أملنا أن نتمكن من نشر الوفاق بديلاً عن الخصام مهما كانت الأسباب».

وفي القضايا التي تحتاج إلى فصل قضائي يضيف "صعب": «اللجنة طبعاً لا تحل مكان المحكمة، لكنها بطريقة أو بأخرى تحاول حل كثير من الخلافات قبل الوصول للمحكمة، والتخفيف قدر الممكن من حالة الخلاف في الأسر بين الأزواج والأهل، وهنا يكون للصلح بعد اجتماعي نتعامل معه وفق العرف، ولدينا أكثر من ثلاثين محامياً متطوعاً للمساعدة يقدمون لنا استشارات قانونية في القضايا التي نعرضها عليهم، ولا يتأخرون عن تقديم الدعم بأوقات قياسية دون تأخير».

عندما تعقدت مشكلة "منير الصحناوي" الذي يعمل بالأعمال الحرة، وهو من مدينة "شهبا" اتجه للجنة "حل النزاعات" كما أخبرنا وقال: «بدأت المشكلة ببيع قطعة أرض، وتشابكت القضية بين المالكين، وكنت معرضاً للخسارة بمبلغ كبير، ودخلنا بعدة مشاكل كان من الصعب حلها، هنا توجهت إلى اللجنة وطرحت المشكلة طالباً للحل، لأن الأمور تطورت إلى خلاف كبير وتهديد بالسلاح وخلافات كنا بالغنى عنها.

اللجنة تعاملت مع القضية بعقلانية واهتمام، وعرضت قضيتي من البداية، وتم طلب الأشخاص من لديهم علاقة بالقضية، وتم جمع كل المتخاصمين واستشارة محامٍ متخصص والاستنارة برأيه للوصول إلى طريقة مناسبة للحل، وبالفعل تمت الموافقة، حيث بيعت قطعة الأرض وبإشراف اللجنة وزعت الحصص دون أن نتكلف أي غرامة، ودون محاكمات طويلة كانت ستستهلك أعواماً طويلة».

يتحدث "خلدون الغجري" أحد أعضاء اللجنة عن آلية تطوير مهارات أعضاء اللجنة بالقول: «اتسع حضور اللجنة، ولاقى صدىً إيجابياً تبعاً لحجم المستفيدين من خدماتها في القرى والريف، وبات لدى الكثيرين معرفة بما تقدمه، وقد كان للمكتب أثر في التعريف بأثر العلاقة العائلية والاجتماعية في الحد من الخلافات، خاصة أننا نتكئ على خبرات المحكمين في ملاحقة القضايا قبل أن تتسع وتتفاقم، ما قدم نوعاً من الارتياح لجهة دينية اجتماعية قادرة على تقديم يد العون لكل الأهالي.

وارتأت الهيئة الدينية تدريب أعضاء اللجنة على أصول ومقومات التحكيم ليكون العمل بمستوى مراكز التحكيم وطرقها المتبعة لدقة أكثر في معالجة القضايا، حيث تم في دار الطائفة استضافة دورة تخصصت بالمحكمين، التحق بها أربعة من أعضاء اللجنة، ونظمها مركز "الوفاق" التحكيمي، ومنح الدارسين شهادات محكمين بناء على متابعتهم الدورة واكتساب مهارات جديدة».

أخيراً يرد إلى مكتب لجنة "حل النزاعات" ما بين خمس إلى ثماني قضايا يومياً، تتابعها اللجنة وفق الأصول، وبالاتفاق يتم التوقيع على وثائق، وما احتاج منها للتوثيق بالمحكمة يعدُّ أعضاء اللجنة شهوداً عليها، ما جنب المتخاصمين ملاحقة القضايا لسنوات طويلة، ويكفي للمتخاصمين طرق باب اللجنة في مقام "عين الزمان" طلباً للمشورة ومد يد العون دون عناء أو تكاليف.