حلمت بتدريس لغةٍ أحبتها، بيد أنّها لم تتخيل يوماً ما عانته خلال رحلة اغتراب قاسية كللتها "ناديا الجرمقاني" بالنجاح في "الولايات المتحدة الأمريكية"، متخصصةً بالعمل المصرفي حيث لمع نجمها.

مدوّنةُ وطن "eSyria" بتاريخ 18 أيار 2020 تواصلت مع "ناديا الجرمقاني" لنتعرف أكثر على تفاصيل الرحلة وقالت: «لم يكن السفر طموحي يوماً، أحببت عملي لدرجة العشق، وبفضل أمي التي ورثت الجنسية الأمريكية عن جدي المهاجر منذ منتصف القرن الماضي كانت لي فرصة للسفر.

بدأت رحلتي مع عائلتي الصغيرة (زوجي وابنتي) في شهر آب عام 1994 لا نعرف أحداً وليس لدينا سوى مبلغ صغير من المال، اتجهنا إلى "كاليفورنيا" نبحث عن أحد المعارف لنعمل عنده، حيث سمعنا من أقاربه في "السويداء" أنه إنسان طيب ولديه فرن، وبالفعل التقينا به وعملنا عنده لفترة جيدة، كنت خلالها أبحث عن عمل آخر ولكن دون جدوى، وعملت بأكثر من ثلاثين شركة أعمال مؤقتة على أمل أن توظفني إحدى الشركات بشكل دائم لأننا بحاجة التأمين الصحي، ولكن دون جدوى، لأنني لم أكن أملك المؤهلات والخبرة اللازمة، واستمر الحال مدة ثلاث سنوات في وضع مادي سيء وأصبح لدينا طفلين

بدأت القصة أثناء "حرب الخليج" عندما استدعيت والدتي إلى السفارة الأمريكية في "دمشق" للسؤال عنها كأمريكية، وقد رافقتها وقررت الاستفادة من هذه الدعوة، وسألتهم إن كان بإمكاني السفر طالما أمي لا تحبذ ذلك، وبعد الموافقة قمت بتقديم الطلبات والمقابلة، وبعد سنتين جاءت الموافقة على الهجرة، وكان هدفي أن أمضي أربع سنوات استيداع وأعود لعملي، وبالفعل ذهبت وزوجي لأخذ موافقة السفر، حينها قال لي أحد المسؤولين هل يعقل أن تهاجروا من البلد الذي علمكم وله فضل عليكم، وكان جوابي أن الدفاع عن الوطن ليس بالدفاع على الجبهة فقط، ويمكن أن يكون في الرجوع إلى البلد بالعلم والمعرفة والخبرة، ويمكن أيضاً أن يكون بالرجوع بمبلغ من المال يكفي لحياة أفضل، والأهم أن نحقق النجاح أينما كنا».

الإعلامي بارح عنتر

وعن بداية الرحلة ومعاناة الحصول على عمل، قالت: «بدأت رحلتي مع عائلتي الصغيرة (زوجي وابنتي) في شهر آب عام 1994 لا نعرف أحداً وليس لدينا سوى مبلغ صغير من المال، اتجهنا إلى "كاليفورنيا" نبحث عن أحد المعارف لنعمل عنده، حيث سمعنا من أقاربه في "السويداء" أنه إنسان طيب ولديه فرن، وبالفعل التقينا به وعملنا عنده لفترة جيدة، كنت خلالها أبحث عن عمل آخر ولكن دون جدوى، وعملت بأكثر من ثلاثين شركة أعمال مؤقتة على أمل أن توظفني إحدى الشركات بشكل دائم لأننا بحاجة التأمين الصحي، ولكن دون جدوى، لأنني لم أكن أملك المؤهلات والخبرة اللازمة، واستمر الحال مدة ثلاث سنوات في وضع مادي سيء وأصبح لدينا طفلين».

وأضافت عن تطوير أدواتها: «بدأت دراسة الكمبيوتر وبرامجه، وتابعت الدراسة للحصول على شهادات بمجال التأمين التي كان من الصعب جداً اجتياز امتحانها المقرر من الدولة، وبعد النجاح عملت في مجال التأمين مدة أربع سنوات تعلمت أن التسويق والإعلان من أهم طرق النجاح، ولكن عملي كان حسب مجهودي الشخصي وأخذ عمولة فقط على المبيع دون تأمين صحي.

وبمحاولة للحصول على عمل دائم طرقت باب البنوك، حيث استدعاني أحدهم لمقابلة جماعية لاختيار موظفين، دخلت الغرفة، وكان هناك عدد كبير من المتقدمين يبحثون عن الفرصة نفسها، وفجأة سألني مسؤول التوظيف: (أنت تعالي إلى هنا بيعي لي هذا القلم)، ابتسمت وقلت لنفسي أنا لدي الخبرة في المبيع والتسويق لدرجة أنني يمكن أن أبيع التراب، وبالفعل نجحت في هذا الامتحان، وهكذا قبلت في البنك وتجاوزت فترة ثلاث أشهر الاختبار».

وأضافت: «في بداية عملي كانت معاناتي أن الزبائن تدخل البنك، ويذهب كل منهم إلى الموظف الذي يشبهه، وللأسف العرب قلائل جداً، وأنا أقف لا أجد زبوناً واحداً وبصعوبة شديدة، وهددت بالفصل حتى وجدت طريقة وأثبت وجودي بمهارة وخبرة، وأعتمد فيها على خلق حوار مع الزبائن، أتعرف عليهم وأعرض خدمات البنك، وهكذا أصبحت أجلب الزبائن إلى مكتبي وأبيع لهم العروض، وأصبحت أنجز ما طلب مني حتى حصلت على رضا مديري، وبقيت في عملي وأصبحت من بين العشرة بالمئة الأوائل من أصل 250 ألف موظف على مستوى الولايات، وأخذت أترقى في عملي لمدة ثماني سنوات بشكل مستمر في بنك "ولز فاركوو" "Wells Fargo"، واستدعيت إلى بنك "جي بي مورغان" "jpmorgan" الذي يعدُّ الداعم الرئيسي لاقتصاد "أمريكا"، وانتقلت لأعمل معهم في منصب مدرب مبيعات وتسويق، أدرب الموظفين الجدد في 35 فرعاً، هنا عدت إلى مهارتي ومهنتي المحببة للتدريس ولمدة ثلاث سنوات. سعيت لأنتقل لعمل آخر عندما أصبح أبنائي في سن المراهقة، ما يتطلب قضاء الوقت الأطول معهم والقرب منهم، وعملي هذا كان يتطلب السفر الدائم، فقررت استلام إدارة فرع قريب إلى بيتي، وعملت فيه بنجاح حتى نهاية 2017، وبهذا أكون قد أكملت ثمانية عشر عاماً أعمل فيها خمسة أيّام في الأسبوع، وعشر ساعات في اليوم، حتى أصبحت أعمل في الترجمة لحسابي الخاص وفي العقارات، وما زلت لأنني امتلك الخبرة المطلوبة ففي هذه البلاد فرص كثيرة تفتح لمن أتقن عمله.

خلال هذه السنوات كبر أطفالي وتخرجوا من الجامعات، وهم يتابعون طريق حياتهم بالعمل، وزوجي الذي كان دائما بجانبي يشجعني لم يتوقف يوماً عن العمل والعطاء والحب لبيته وعائلته».

"عنتر بارح" معد برنامج "حكايا بأمريكا" الذي استضافها كإحدى الشخصيات العربية الناجحة في "أمريكا" قال عنها: «في برنامجي أحاول الإضاءة على شخصيات لها بصمات مميزة في المجتمع الأمريكي من الجالية العربية، والتي أثبتت حضورها في أعمال مميزة، ومنهم "ناديا الجرمقاني"، وهي من الشخصيات العربية المميزة في "الولايات المتحدة الأمريكية"، وكانت ضيفتي ودار بيننا حوار طويل تعرفت فيه على خبرتها ومسيرة عملها الغنية على مدى ثمانية عشر عاماً، نظراً لسعة ثقافتها وشخصيتها المميزة واجتهادها المستمر ورؤيتها المستقبلية التي تجعلها دائماً تجتاز أيّ تحديات تقابلها، وكان ذلك خلف نجاحها كسيدة أعمال تترقى في المناصب العملية.

هي من الشخصيات المحبوبة على مستوى الجالية العربية، والقريبة من الجميع، مقدرتها ومهارتها بالتواصل الاجتماعي الجيد تجعلها تترك أثراً طيباً في كل من تتعامل معه».

ما يجدر ذكره أنّ "ناديا الجرمقاني" من مواليد "عرمان" في "السويداء" عام 1969 خريجة معهد متوسط لغة إنكليزية، أم لشابين ومستقرة بولاية "كاليفورنيا"، ولا تنقطع عن زيارة "سورية" بشكل سنوي.