بين حراج "سليم"، "قنوات"، و"عتيل"، تمتد أيادٍ بيضاء بين أشجار السنديان والبطم المعمرة لكي تقتلع الأعشاب المتيبسة، والأشواك العالية القاسية، وتمنع الحرائق من الوصول إلى الغابات، في عملٍ متعبٍ جداً اختاره عددٌ من الناشطين للمحافظة على ما تبقى من هذا التراث العريق.

عملٌ وصفه القائمون عليه بالواجب المقدّس لحماية الطبيعة والثروة الحراجية المعمرة منذ مئات السنين في غابات "السويداء"، حيث قال "خالد سلوم" أحد القائمين على هذه المبادرة لمدوّنةِ وطن "eSyria" بتاريخ 1 حزيران 2020: «بعد الحرائق المتوالية التي أتت على آلاف الأشجار في الحراج والمحميات الطبيعية، والخسائر التي لا يمكن تعويضها، كان لا بدّ من التحرك.

العمل مهما كان صعباً فهو ممتع بالنهاية، عانينا من نقص في المعدات المخصصة لمثل هذا العمل، ومن نقص في الكفوف التي تحمي الأيدي، والأهم من التمويل المادي الذي لو توفر بالشكل المقبول لكانت النتائج أفضل بكثير، لكننا حاولنا تغطية ذلك بأي وسيلة ممكنة، وما كان ينقصنا بشكل حقيقي هو التفاعل معنا، والاشتراك بحملاتنا، فهذه الأرض تستحق التعب والاهتمام

في البداية قمنا بحملةِ توعيةٍ على وسائل التواصل لتجنب المزيد من الحرائق التي تأكل الأخضر واليابس، وطرحنا مبادرةً تحت شعار "منقدر نحميها" مرفقةً بمعلومات وإرشادات للوقاية من الحرائق وحرصاً على سلامة المدنيين والمحاصيل الزراعية والأحراج، ووضعنا عدداً من النصائح التي تساعد على عدم امتداد النار، كإبعاد المواد القابلة للاشتعال عن الأراضي الزراعية، ومراقبة تلك الأراضي بشكل دوري لتجنب وقوع خسائر كبيرة في حال اندلاع الحريق، وتجنب ترك أكياس المحاصيل المجنيّة في الأراضي الزراعية ونقلها لمناطق آمنة، والتخلص من الحشائش اليابسة حول الطرقات وتحت أشجار الأحراج.

هكذا كانت الأعشاب في الحراج

كما رجونا مالكي الجرارات الزراعية ترك سكك الفلاحة على جراراتهم، وإبقائها في جهوزيةٍ تامة عند الطلب من أجل عزل مناطق الحريق، وكذلك من أصحاب صهاريج المياه أن يبقوا الصهاريج مليئة تحسباً لأيّ طارئ».

ويتابع "سلوم": «لكن كل ذلك كان منقوصاً طالما أن الوضع على أرض الواقع لم يتغير كثيراً، وبات الخطر أكبر رغم كلّ الجهود التي يبذلها رجال الإطفاء والمجتمع المحلي لإطفاء الحرائق، فقررنا أن ننطلق بشكل تطوعي بتاريخ 25 أيار إلى الحراج الممتدة بين "عتيل"، و"سليم"، حيث قمنا بإزالة الأعشاب تحت أشجار السنديان المعمرة القريبة من الطرق وممرات المزارعين التي تكثر فيها الأعشاب العالية المتيبسة، والأشواك. قمنا بتنظيف العديد من الأشجار، وكان عددنا قليلاً نسبياً لأننا حاولنا أن نعرف طبيعة العمل على الأرض والصعوبات التي يمكن أن تعترضنا قبل أن نعرض المبادرة على المجتمع المحلي.

المتطوعون حول الأشجار

بعد ذلك أعلنا عبر وسائل التواصل بدعوة عامة لكل الفرق التطوعية والأهالي للمشاركة بالحملة، وخرجنا للمكان نفسه بتاريخ 30 أيار، وأزلنا العشب حول عشرات الأشجار، لكن العدد الذي لبى الدعوة قليل».

الفكرة التي طرحها المتطوعون تتلخص بأنّ القادرين من المجتمع المحلي بإمكانهم حماية الحراج إذا خصصوا وقتاً قليلاً لا يتعدى الساعتين في الأسبوع، فالحراج ثروةٌ لا يمكن تعويضها بمئات السنين، حيث قالت المربية "سلام النبواني" عن الرسالة التي حاولوا إيصالها: «أعتقد أنّ كل شخصٍ لديه حسٌّ إنساني وقادرٌ على المساعدة بحماية هذه الثروة يجب أن يساهم بأيّ شكلٍ من الأشكال، وهذا العمل رسالة للمجتمع بالعموم ولمديرية الحراج وللأطراف المعنية كافة، وحتى المسؤولين عن أموال (الوقف) بتخصيص مبلغ مادي لعمال مأجورين كي يساهموا في حماية رئة الطبيعة والمتنفس الوحيد الباقي للناس.

يجمعون الأعشاب اليابسة لنقلها من الحراج

يمكن للبعض أن يرى هذه المبادرات محاولات بائسة كون الجهات الفاعلة لا تقوم بدورها الحقيقي، لكن الجميع معني بها، ونحن مستمرون رغم كل الصعوبات».

وتحدثت المتطوعة "ثناء هنيدي" عن الصعوبات التي اعترضت العمل بالقول: «العمل مهما كان صعباً فهو ممتع بالنهاية، عانينا من نقص في المعدات المخصصة لمثل هذا العمل، ومن نقص في الكفوف التي تحمي الأيدي، والأهم من التمويل المادي الذي لو توفر بالشكل المقبول لكانت النتائج أفضل بكثير، لكننا حاولنا تغطية ذلك بأي وسيلة ممكنة، وما كان ينقصنا بشكل حقيقي هو التفاعل معنا، والاشتراك بحملاتنا، فهذه الأرض تستحق التعب والاهتمام».

يذكر أنّ أغلب المتطوعين ينتسبون إلى منظمة "جذور سورية" التي تهتم بالثقافة بكل أنواعها.